الطه: التوحيدي أهمّ من فلاسفة الغرب في علم الجمال
كتب محمد خالد الخضر من دمشق ـ سانا : ساهم الباحث الدكتور اسماعيل عيادة الطه اهتم بعلم الجمال واعتمد النمطين الغربي والعربي أساساً لمنهجه التطبيقي، إلا أنه مع علم الجمال العربي ورائده أبو حيان التوحيدي وسواه من باحثي العصر الحديث من العرب.
يقول الطه: :إن الإنسان كائن جمالي بقدر ما هو كائن اجتماعي، لذا فإن المواضيع الجمالية تستأثر بميادين مهمة في الثقافة البشرية، وبينها المسرح والشعر والرسم والنحت والموسيقى، وازداد الاهتمام بالدراسات الجمالية في العصر الحديث. عندما نصدر حكماً على شيء ما بأنه جميل يجب أن يكون ذا خصائص جمالية متميزة، وإلاّ هذا الحكم يكون ذاتياً وناتجا من شعور يتأسس إدراكياً على نحو خاطئ. الفيلسوف باومجارتن عرّف فلسفة الجمال بأنها الدراسات التي تدور حول منطق الشعور والخيال الفني، وبهذا التعريف يختلف مجال علم الجمال عن مجال المعرفة النظرية وعن مجال السلوك الأخلاقي كذلك».
يشير الطه إلى أن تأسيس باومجارتن لفلسفة الجمال أو الأستطيقا لا يجعلنا نهمل التاريخ القبلي لعلم الجمال الذي رأى دانيا شارل أنه يعود إلى أفلاطون حين ميز بين الشكل والمادة وأعلن أن الجمال بالنسبة إليه يكمن في التعارض بين هذين المكونين، لافتاً الى أن أرسطو حدد في فلسفته مجموعة خصائص أساسية للجمال على نحو يضمن له الاكتمال في الشكل والاعتدال في الأسلوب، لذا يلح على أهمية الانسجام والتآلف والوضوح والكلية في الفنون الدرامية التراجيدية القائمة على أساس المحاكاة. ويعتبر الطه أن للفنون قيمتها العالية إذ تصحح النقائص التي في علم الطبيعة، ولذلك فإن الجمال خاصية من خصائص العمل الفني أو الموضوع الطبيعي. في حين انتهى الفيلسوف الألماني كانط إلى أن الخبرة الجمالية لا تعود إلى النشاط النظري الذي يقوم به الذهن، والذي يحدد شروط المعرفة بالعلوم مثل الرياضيات والفيزياء. كما أنها لا تعود إلى النشاط العلمي الذي يحدد السلوك الأخلاقي المعتمد على الإرادة. ويردّ كانط الخبرة الجمالية إلى الشعور باللذة المستند إلى اللعب الحر بين الخيال والذهن.
يوضح الطه أن كانط شكّل مشروعاً في التأسيس لعلم الجمال ذا أهمية لكونه جمالاً خاصاً للخبرة الإنسانية، مقدماً حججاً قوية لتدعيم فكرة استقلالية الفن وجماله، فالأحكام الجمالية لديه ذاتية وعامة يتشارك فيها كل فرد يملك ذوقاً جيداً، وثمة مدارس عديدة تختلف وتتفق أحياناً حول تعريف علم الجمال. ويرى الباحث أن أبو حيان التوحيدي هو حقاً واضع علم الجمال العربي، إذ اقترب من المنهج الذاتي أو العقلي الذوقي النسبي تارة، ومن الموضوعة الحسية تارة أخرى، وخرج بموازنة فريدة بين الاتجاهين من خلال محاولته تحديد معايير تحدد وتفسر جمال الجميل ومعالجته الجوانب الذاتية العقلية والذوقية الاجتماعية في آن واحد، مستشهداً بقول التوحيدي، أما الحسن والقبيح فلا لهما من الحث اللطيف عنهما حتى لا نرى القبيح حسنا والحسن قبيحاً».
يلفت الطه إلى أن عناصر التوحيدي في الجمال تشترك في تكوين الجميل وتؤثر في تقديره إذ يؤسس لنظرية مهمة في علم الجمال سبق بها نظريات الغرب إذ تجمع نظريته بين كثير من النظريات الجمالية المعاصرة، وفلسفته واقعية ومتوازنة تجمع بين علم الجمال التجريبي المعياري والوضعي التحليلي والمثالية العقلية الميتافيزيقية.
أما أكثر الباحثين في علم الجمال منذ نهاية القرن الماضي فهو الدكتور عبد الكريم اليافي الذي قدم دراسات في علم النفس العام وعلم الاجتماع والأخلاق وفلسفة الجمال وعلم الفن والمنطق والفلسفة العامة وتاريخ العلوم وفلسفتها.
أهمية دراسة علم الجمال لدى اليافي تكمن في أنه من دعاة تنمية أبعاد التربية الجمالية والإحساس بالجمال وتذوقه في وجدان النشى، ما يساهم في تقدم الحضارة التي تتعرّض لغزو التقدم الصناعي، ما يتسبّب بإهمال تنمية أبعاد التربية الجمالية.
يخلص الطه إلى أنه مع القائلين بأن المدرسة الإنسانية التربوية الجمالية الحديثة هي أكثر إلماماً بعلم الجمال، على عكس ما يرى أصحاب المدرسة القديمة وبذلك يتفق مع التوحيدي وعز الدين اسماعيل وعبد الكريم اليافي ممن بحثوا في علم الجمال القابل للتطور وفق مواكبة العصر.
الباحث الدكتور اسماعيل عيادة الطه عضو في اتحاد الكتاب العرب، له العديد من البحوث والدراسات في علم الجمال، بينها «في الإبداع الفني» و«الشعبية والتقدمية في نظرية الفن» و«مفاهيم جمالية كبرى» و«القيم الجمالية وعلاقتها بالفن». وله العديد من المقالات والدراسات في علم الجمال نشرتها الصحف والدوريات، فضلاً عن المحاضرات التي ألقاها في المراكز الثقافية في عدد من المحافظات .