هل يراهن خصوم عون على «داعش»؟
ناصر قنديل
– السؤال لا يهدف إلى تسخيف حق المعترضين على وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية، في ممارسة حقهم الديمقراطي بتبني من يريدون لرئاسة الجمهورية، ورفض من لا يريدون رؤيته في كرسي الرئاسة، بل الهدف هو مناقشة الفرضيات الذهنية، التي لا بد أن يكون قد أجراها كل فريق سياسي من الذين يضعون الفيتو على وصول العماد عون إلى الرئاسة، وهي عملية حسابية بسيطة، ورياضيات علم الاحتمالات جزء عضوي من سياسة الخيارات التي لا بد لكل صاحب قرار أن يعتمدها، وأن يتقنها، أو أن يستعين بمن يتقنها، كي لا يقع في الفرضية الأسوأ لمجرد العناد.
– في الظرف الراهن معطيات محلية وإقليمية ودولية، ولا بد لمن يعتبر أن ثبات الفراغ الرئاسي هذه المدة الطويلة تعبير عن توازنات محلية وإقليمية ودولية معينة، أن يكون ثباته على رفض العماد عون، الذي يحملون عناده على رفض مناقشة أي بديل لترشيحه، المسؤولية عن الفراغ المقيم، رفضاً مبنياً على حسابات تقول إن الزمن الآتي سيحمل تغييراً في أحد عناصر المشهد المحلية أو الإقليمية أو الدولية، أو كلها.
– محلياً، الواضح أن الدعم الذي يلقاه ترشيح العماد عون من حزب الله، يشكل مفتاح قوته، وهو دعم يتضح كل يوم أنه ليس عناداً عبثياً، بل هو موقف مبدئي سلبي من فرضية الرئيس الوسطي، سواء في رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، وموقف مبدئي إيجابي من ربط الاستقرار بتسلم الرئاسات من زعامات الطوائف التي تنتسب إليها، وموقف مبدئي من رفض التهويل بالفراغ للمساومة على هذين المبدأين، وكل الرهان على تراجع حزب الله عن موقفه، لا يستند إلى أي منطق داخلي، حتى الرهان على ضعف حزب الله لا يبدو جزءاً من حسابات خصومه وهم يرونه يفرض معادلات ردع جديدة على «إسرائيل»، ويتحول قوة إقليمية كبرى يتحدث عنها الروس والأميركيون كعامل استقرار في المنطقة، وعنصر قوة في الحرب على الإرهاب.
– إقليمياً يستند ثبات العماد عون إلى قراءة عنوانها، أن لا مساومة على الرئاسة اللبنانية ضمن التسويات الإقليمية والدولية، وأن حزب الله اللاعب الإقليمي الفاعل، مطمئن لعلاقته بشريكيه السوري الآخذ بالتعافي، والإيراني الصاعد كقوة دولية كبرى، بأن نصيبه من المعادلات الجديدة، توليه تمثيل الحلف الإقليمي كله في ما يتصل بالقرارات الخاصة بلبنان، وكل ما في المنطقة يشير لكل متابع أن عناصر قوة هذا الحلف إلى تصاعد، فحتى خصوم سورية وإيران، يعترفون بأن أوضاع سورية اليوم أفضل بكثير من الأمس، وأنها غدا ستكون أفضل من اليوم، وأن وضع إيران أقرب اليوم من الأمس لتشريع مكانتها كلاعب إقليمي حاسم ولاعب دولي معترف به، ولكنه سيكون غداً أقرب من اليوم، وأن الأميركي الذي لا يزال يتفادى تجرع الوقائع الجديدة عن مقدرات حلف المقاومة في ضوء ما يجري في معارك جنوب سورية ووسط العراق، لا يملك إلا اللحاق بروزنامة هذا الحلف لحجز مقعد في المشهد الأخير، قبل انهيار «داعش»، وحلفاء واشنطن المحبطون، والحاقدون لا يملكون إلا الدعاء ليمد الله بعمر «داعش»، بعدما طار الرهان على «جبهة النصرة» في سورية، وصارت أضغاث أحلام.
– دولياً، بعيداً عن مناقشات جنس الملائكة، ودرجة قوة روسيا والصين وحجم تأثيرهما، فالأكيد الذي تكتب عنه يومياً كبريات الصحف الأميركية والأوروبية، هو أن موسكو وبكين صارتا اليوم على درجة من الشراكة أكبر من أمس وستصيران غداً على درجة أكبر من اليوم، بغض النظر عن حجم هذه الشراكة أمس واليوم وغداً، فالقياس هو بالنسبة، وبالتالي فحجم هذه الشراكة المتنامي، يؤسس لغد يكون حجم التفرد الأميركي فيه أقل من اليوم وحكماً أقل من الأمس.
إذا كان الرهان على مرحلة اهتزاز صورة الوضع في سورية، له أسبابه من قبل، كما الرهان على فشل التفاهمات مع إيران، أو الرهان على رفض الاعتراف بالدور الروسي، فماذا يمكن أن يكون الرهان اليوم؟
– الرهان على التسويات لتصنع مناخاً ضاغطاً على إيران، فيولد أسباب تضغط على حزب الله، أسقطه اختبار عملية مزارع شبعا، عندما ظهر بوضوح، أن الانخراط الأميركي الإيراني، تميل فيه كفة تقديم إيران التغطية لحلفائها وفي مقدمهم حزب الله، بينما الضغط للتراجع تمارسه واشنطن على حلفائها، وهذه ليست حالة شاذة بل قانون عام، لأن ما ينسحب على تعامل واشنطن مع «إسرائيل» يسري بصورة أشد على السعودية وتركيا وحلفائهما، ولذلك قالت أميركا لـ«إسرائيل» أن الضربة موجعة لكنها لا تستحق حرباً، بينما قالت إيران لأميركا لقد تخطت «إسرائيل» الخطوط الحمر ويجب أن تدفع الثمن.
– الرهان على المواجهة، لتصنع معادلات تسهل استبعاد العماد عون من سباق الرئاسة، لا مكان له في الواقع، لأنه في زمن المواجهات، يزداد التصلب والتمسك بالخيارات، أما إذا كان الرهان على نتائج مواجهة يظن فيها المراهنون، تغييراً في موازين القوى، فيفترض أن كل شيء يقول لهم إنه مع كل يوم يمضي تتراجع نسب هذه الفرضية، وأنه بعد خروج أميركا من دائرة قوى الحرب المباشرة منذ تسوية الملف الكيماوي السوري، خرجت «إسرائيل» بعد عملية مزارع شبعا، وخرجت السعودية بعد أحداث اليمن، وتخرج تركيا بعد معارك حلب.
– الرهان الذي يجري تداوله بصورة خبيثة سراً، هو الرهان على الأعمار، والقول ننتظر إلى ما بعد العماد عون وقد بلغ الثمانين، وإذا كنا تحملنا سنة من الفراغ فلنتحمل أكثر، وعلى رغم بشاعة القول، يجب أن يعرف أصحابه أنه غير واقعي، فالأعمار بيد الله، أطال الله بعمر العماد عون، لكن بكل الأحوال، ما بعد العماد عون لأي سبب كان، سيتكرر الأمر بالنسبة إلى حزب الله مع الوزير سليمان فرنجية كمرشح معتمد بذات القوة وذات الحسابات، فلا جدوى من الرهان.
– يبقى رهان واحد، هو أن تخلق حالة «داعش» دينامية سياسية اجتماعية طائفية وعسكرية، تجعل التخلص من هذا الخطر مستحيلاً بمقدرات حلف المقاومة وحده، وتفرض على قواه وحكوماته وأحزابه، السعي لدور سعودي تركي أميركي، كل في مجال، لتأمين توازنات المعركة التي لا بد منها لأمن المنطقة، وفي قلبها أمن قوى المقاومة، وأنه لقيام هذه التفاهمات على المعركة لا بد من تفاهمات على ملفات الخلاف والتنازلات المتبادلة فيها، ومنها الرئاسة اللبنانية، ولكن الذي يجري في سورية والعراق هذه الأيام، وما يظهره حزب الله من جهة وإيران من جهة أخرى من حضور في هذه المعارك، يجب أن تكون قد أسقطت هذا الرهان.
– من يرفض القبول بالعماد عون اليوم، سيقبله غداً، فالأفضل أن يقبله اليوم لأنه سينال في التفاهمات المحلية التي يمكن أن يجريها معه، ما يعوضه بعضاً من الخسارة.
– العبثيون و العدميون، والحمقى في السياسة وحدهم يرفضون هذه المعادلة.