ذكرى رحيل فؤاد زكريّا «شيخ العقلانيّين العرب»

عاش المفكر والفيلسوف الدكتور فؤاد زكريا، شيخ العقلانيين العرب، الذي تمر اليوم ذكرى رحيله الخامسة، لتحرير الفكر من القوالب والمسلمات. وتدور فلسفته حول تحرر الفكر والعقل من أي مسلمات، وجميع كتاباته نابعة من «أفلا تتفكرون»، وهو صاحب نظرية «الغزو الثقافي الغربي خرافة لا وجود لها».

لم يكن فؤاد زكريا 1 كانون الأول 1927 – 11 آذار 2010 ، ابن مدينة بورسعيد، يؤمن بالمسلّمات ويأخذ الأشياء على علاتها من غير دون أن يُعمل عقله ويتفكر ويتدبر الأمور، فإذا وجد أنها تتفق مع العقل والمنطق آمن بها. لذا وجد في دراسة الفلسفة ضالته المنشودة، ولم يكتف بدراستها خلال سنوات الجامعة الأربع التي أمضاها في كلية الآداب في جامعة القاهرة، فقرر أن يتوسع في دراستها وأتم الماجستير عام 1952، وبعدها بأربع سنوات الدكتوراه في الفلسفة من جامعة عين شمس.

وخلال عمله بالتدريس وجد في الصحافة متنفسًا، ساعده في ذلك فهمه لعقلية القارئ المصري والعربي، فتركزت أفكاره ورؤيته وجميع كتاباته على إبراز قيمة العقل الإنساني، والتفكير العلمي، وامتلك قدرة فذة علي التحليل والفهم بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد، وترأس تحرير مجلتي «الفكر المعاصر»، و«تراث الإنسانية» وساهم في دعم سلسلة إصدارات «عالم المعرفة» الثقافية، كمستشار لها. كتب وترجم عشرات الكتب، وقدم إلى المكتبة العربية العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة، بالإضافة إلى مقالات ودراسات في الصحف والمجلات تتصل بمشاكل فكرية واجتماعية ونقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري.

في دراساته وكتاباته الفلسفيه يعتمد فؤاد زكريا لغه فلسفية رصينة ويتمتع قدرة فذة على التحليل والنقد وفهم دقيق للمصطلح الفلسفي. من أبرز مؤلفاته: «نيتشه ونظرية المعرفة»، «الإنسان والحضارة»، «مشكلات الفكر والثقافة»، «جمهورية أفلاطون»، «التفكير العلمي»، «خطاب إلى العقل العربي»، «الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية»، «الصحوة الإسلامية في ميزان العقل»، «آفاق الفلسفة»، «الثقافة العربية وأزمة الخليج»، «كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي».

إلى جانب ترجماته لـ: ب. موي «المنطق وفلسفة العلوم»، ر. متس «الفلسفة الإنجليزية في مائة عام»، هانز رايخينباخ «نشأة الفلسفة العلمية»، هربرت ماركوزه «العقل والثورة»، أرنولد هاوزر «الفن والمجتمع عبر التاريخ»، برتراند راسل «حكمة الغرب»، برتراند راسل «تاريخ الفلسفة الغربية»، هنتر ميد «الفلسفة أنواعها ومشكلاتها».

كانت رؤيته الفلسفية تتمثل في أن ثمة فرقاً بين معرفة الطريق الذي سنسير فيه، والطريق الذي يجب أن نتجنبه أو نبتعد عنه، وعلينا أن نعرف الفرق أولاً، ثم نختار أي طريق نسلك. ومنذ اشتغاله في الفكر والفلسفة والثقافة كانت رسالته الوحيدة، بل همه الوحيد، إحياء العقل النقدي، واستقلال فكر الإنسان وعدم خضوعه لسلطة تحدّ أو تمنع انطلاقه في النقد والتفكير بحرية، وكان يدعو دوماً إلى تأسيس ثقافة مصرية وعربية جديدة تهدف إلى تحديث المجتمع، بفهم جديد للواقع والتصدي لمصادرة حق النقد والتفكير والإبداع، مع تحرير العقل المصري والعربي من التعصب وإلغاء الآخر. كما دعا إلى عدم الالتزام بالإيدلوجيات والعقائد والمسلمات الفكرية، والرؤية الحادة التي تحاصر الفكر والتفكير، بمقولات ثابتة وجامدة، مع التمسك بالتفكير العلمي والمعرفة والتسلح بالنظرة العلمية في الأسلوب والتخطيط والعمل، للكون ذلك من ضروريات النهضة الحضارية.

الدكتور فؤاد زكريا هو أيضًا صاحب مقال «العلمانية هي الحل» رداً على دعوة «الإسلام هو الحل» بمعناها الإيديولوجي ، وصاحب النظرية القائلة «إن الغزو الثقافي الغربي خرافة لا وجود لها»، وأحد أبرز المعادين للمنهج السلفي ومنتقديه. سخر من الاتجاهات الإسلامية المعاصرة الملتزمة بهذا المنهج، وادعى أنها بالتزامها به تُركز على التمسك بشكل الإسلام دون مضمونه، وغالباً ما كان يحذر في كتاباته من ازدواجية الفكر والوقوع في أسر الجمود والحنين إلي الماضي. وأشار في أحد حواراته، إلى أهمية بناء العقول وإعادة تشكيلها، لكنه أوضح أن ذلك لا يمكن أن يتم بقرار، بل بخلق محيط ثقافي يساهم في خلق ثقافة تحترم العقل وحرية التفكير، والإرادة الحرة.

رغم الرحيل الصامت لمحرر العقل عام 2010، لا نزال نحتاج إلى العودة إلى كتبه ومؤلفاته في هذا الوقت لتحرير عقولنا باستمرار، كي نتمكن من التمييز بين الغث والسمين، من منطلق «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْض».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى