شبابنا والأربعون «تنفيعة»
فادي عبّود
قد نكون نسينا أو تناسينا ما ينتظرنا على الصعيد الاقتصادي إذا استمرّ التعثر على ما هو عليه، اليوم يشعر كلّ أب وأم بهذا الخوف في الصّميم، ففي خضمّ تعبهم لتربية أبنائهم يعرفون جيداً أنّ المستقبل مظلم وأنّ القدر على الأرجح سينقل فلذات أكبادهم إلى الاغتراب للبحث عن فرص أفضل، فيما الفرص في لبنان يتمّ هدرها يومياً.
لقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط سنوي قدره 3.7 في المئة بين عامي 1997 و2009، إلا أنّ معدّل التشغيل لم يرتفع في الفترة نفسها إلا بمقدار 1.1 في المئة فقط لا غير. وتُعدّ معدلات البطالة مرتفعة بصورة مقلقة إذ تبلغ 34 في المئة في صفوف الشباب، وتصل إلى 18 في المئة في صفوف النساء، و14 في المئة في صفوف حملة الشهادات الجامعية. ويشكل من هم دون سنّ الخامسة والثلاثين السواد الأعظم من العاطلين من العمل. وخلال السنوات العشر المقبلة، من المتوقع أن يصل متوسط عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل إلى حوالى 25 ألف شخص سنوياً. وبهدف استيعابهم، ينبغي للاقتصاد اللبناني استحداث مزيد من الوظائف بمقدار ستة أضعاف ما يوفره حالياً.
ما الذي يمنعنا اليوم من توفير فرص الإنتاج المطلوبة؟ من يحرم شبابنا اليوم من فرص البقاء في بلدهم وفي أحضان عائلاتهم؟ هناك في لبنان 40 «تنفيعة» تقف عائقاً أمام تطوير الاقتصاد، وبالتالي تُفقد البلد فرص إنتاج وأرباح للخزينة، لا أحد يمنعنا من تطوير اقتصادنا إلا أنفسنا، وإلا سكوتنا عن استمرار الأربعين «تنفيعة» التي تأكل من خبزنا اليومي. فغير صحيح أنّ لبنان لا يملك مقوّمات وموارد، فليس النفط هو الوحيد الذي يخلق اقتصاداً منتجاً، والدليل ما وصلت إليه سنغافورة في السنين الماضية، بعد أن تحوّلت من جزيرة معزولة إلى أقوى الاقتصادات العالمية، وهذا لأنها اختارت الإنتاجية سبيلها الوحيد.
أما في لبنان فنسكت عن التنفيعات ونرعاها، وسأعرّف قراءنا الأعزاء عليها:
نستمرّ في تجاهل إقرار قانون حرية الحصول على المعلومات في لبنان وعرقلته، وهو عدة العمل الأساسية لخلق مجتمع منتج، وبالطبع لفضح التنفيعات.
السوليدير، ألم يحن الوقت لتقييم سياسات الشركة وفعالية الوسط التجاري، والأرباح المحققة والهدايا المجانية التي أعطيت لها وتكليفها ضرائب على الأرباح الخيالية بسبب الهدايا المجانية؟
البيروقراطية الإدارية في عمليات الاستيراد والتصدير ورسوم المرفأ وأثرها المباشر على الحركة الاقتصادية في لبنان. معدل كلفة التخليص في لبنان حوالى 6 في المئة من قيمة المستوردات.
الاستنسابية في تخمين العقارات والقيم التأجيرية والسيارات المستعملة مما ينعكس هدر مال للخزينة العامة.
الاحتكارات على أشكالها وأنواعها وما تسبّبه من غياب للتنافسية في اقتصادنا الوطني ومنها. احتكارات الدولة مثل الكهرباء والاتصالات وغيرها، والاحتكارات الخاصة على أشكالها وأنواعها واحتكارات مؤسسات يملكها الشعب اللبناني، كم من الوظائف نخسر سنوياً بسبب ذلك؟
السياسة الجمركية في لبنان: بين غياب الرؤية وإهمال الدولة، كم من فرص حقيقية فقدنا، ثمرة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أدت إلى زيادة العجز 3 أضعاف، بالإضافة إلى أنّ كلفة التأخير في التخليص واعتماد الرقابة السابقة بدلاً من الرقابة اللاحقة والرشاوى والتهريب والتهرّب من TVA وتقدّر بـحوالي 2 مليار دولار.
زراعة متعثرة من دون خطط بديلة وتهجير منهجي للشباب من القرى والجبال.
انعدام التنمية المتوازنة ليحلّ محلها التمسك بالطائفة أو الزعيم، تبقى طرابلس المثال الأكثر وضوحاً، لماذا خنق مدينة طرابلس: معرض رشيد كرامي مرفأ طرابلس رفض أي مشروع للمنطقة أو عرقلته لصالح من أليس غياب الإنماء وحده مسؤول عن نموّ الحركات المتطرفة؟
يستورد لبنان 1.4 مليار دولار أدوية، ويمكن توفير النصف إذا لجأنا إلى أدوية الـ generic كما هي الحال في غالبية دول العالم.
الطريقة المعتمدة لتسجيل السيارات في لبنان.
الطريقة المعتمدة لتسجيل العقارات ولجان التخمين.
الاستمرار بنظام ضريبي غريب عجيب أطرف ما فيه الطوابع الأميرية في لبنان وعدم تحويلها إلى ضريبة أكثر فعالية والاستمرار بهذا النمط القديم وما يصاحب الموضوع من هدر مال عام. والخلط بين الضرائب والرسوم بطريقة عشوائية وتعطيل دور المجلس النيابي في التشريع الضرائبي.
تشجيع الوكالات الحصرية والسياسة الغريبة في رسوم الاستيراد مثل الرسوم الغريبة والعجيبة التي يتمّ وضعها مثلاً على السيارات حيث أن الضرائب على السيارات المستعملة أغلى من تلك الموضوعة على السيارات الجديدة في بعض الأحيان، وإذا أراد أحدهم استيراد سيارات غير الوكيل الحصري يدفع رسوماً جمركية أكثر مما يدفعه الوكيل الحصري، وهذا تمييز بين المواطنين في البلد نفسه واستمرار في حماية الوكالات الحصرية.
مساحة الشقق في لبنان وعدم احتساب المساحة القابلة للاستعمال، كما هو معمول به في القوانين الأوروبية بل احتساب المساحات الإجمالية مما يسبّب ضياعاً لدى المستهلك.
رخص البناء ورحلة الألف ميل، وهنا تصل إلى حوالى 40 في المئة من الرسوم.
الحصرية في الريجي ومبدأ عدم الاستفادة من هذا القطاع للحفاظ على الشركة المحتكرة.
الاستمرار في الإنفاق على قطاعات ميتة مثل قطاع السكك الحديد والمصافي وغيرها.
السوكلين والعقود المرسومة على قياس المنتفعين…
ضرائب لمصلحة النقابات يدفعها المواطن لصناديق النقابات خلافاً لمبدأ شمولية الموازنة وللاتفاقيات التي وقعها لبنان ومنها WTO.
التعثر في القطاع العام وكسر طموح آلاف الشباب عبر الإصرار على مفهوم الوظيفة الثابتة بغضّ النظر عن الكفاءات، كلّ بلد حرّر التوظيف والاستغناء عن الوظيفة زادت فيه فرص العمل.
أسعار تذاكر السفر إلى لبنان حيث أن أسعارها على متن الشركات الأجنبية تعد الأغلى مقارنة بالدول المجاورة، وعدم تحرير سياسة الطيران كما يجب مما ألغى العديد من فرص العمل.
الضمان الاجتماعي وزواريبه وطريقة احتساب تعويض نهاية الخدمة.
غياب ثقافة حقوق المستهلك في لبنان وما يترافق مع ذلك من فقدان للثقة بالسوق المحلية.
حصر المعاينة الميكانيكية والدكاكين المنتشرة في محيطها وعدم خلق تنافس بين الشركات مما ألغى العديد من فرص الإنتاج والاستثمار.
قانون السير الجديد: تطبيقه وفعاليته والمداخيل الفائتة وأعلى نسبة حوادث بالنسبة إلى عدد السكان.
عدم تطبيق قانون التدخين في لبنان: حبر على ورق ومداخيل مفقودة.
المدارس الرسمية: الأداء والفعالية والحلول البديلة، نسبة مرتفعة جداً معلمين/تلاميذ.
احتكار الكازينو.
حصر المعارض بالبيال وإعطائها حقوق على حساب المال العام.
ارتفاع أسعار الشقق والعقارات وانعكاسها على مستقبل الشباب في لبنان في ظلّ غياب مشاريع سكنية للفئات غير الميسورة.
الأملاك العامة البحرية: الملف الأكثر تسييساً.
سباق الخيل في لبنان: وضعه ومدى الاستفادة منه؟
الصناعات التقليدية التي انقرضت تحت أنظار الدولة اللبنانية، وانقراض أعمال بعض العائلات وهجرة شبابها.
انعدام رؤية لسياسة نقل مشترك وإشراك القطاع الخاص.
الأسواق الحرة في المطار وحصة الدولة السخيفة وأسواق حرة في المرفأ والحدود البرية الخ؟
المرفأ والجمهورية المستبدّة التي لا تراعي الجدوى الاقتصادية وتقفل الباب على التنافس داخل المرفأ أو في مرافئ أخرى في لبنان.
عدم تشجيع الدراسات والأبحاث R D لحثّ الشباب على الابتكار والإنتاج.
التعامل مع التنقيب وكأنه موضوع ثانوي غير مهمّ ومن باب توزيع المغانم.
تعطيل الشراكة بين القطاع العام والخاص PPP.
تصوير الخصخصة وكأنها من رجس الشيطان والانطلاق من خصخصة الهاتف والبريد لإثبات أن الخصخصة لا تصلح، علماً أن التجارب الناجحة في كلّ العالم أثبتت أن الخصخصة الشفافة والعادلة هي السبيل الأفضل.
تستمرّ لائحة التنفيعات وتطول، وكلما استمرّت كلما هاجر المزيد من شبابنا وفقدوا فرصهم في لبنان، الخيار الأوحد اليوم هو العمل الجدّي لتغيير كلّ ما ذكرنا، فصدّقوني هذه التنفيعات هي أخطر من ألف «داعش»، وأخطر من أيّ تهديد أمني، فلا أحد يقتل الإنسان أكثر من خسارة حقه في حياة كريمة على أرضه.
وزير سابق