سورية: هل الغرب قادر على تعطيل الانتخابات الرئاسية؟
حميدي العبدالله
ينتاب عدداً من السوريين قلق من احتمال أن تلجأ الدول والجهات المنخرطة في الحرب على سورية إلى حملة تصعيد غير مسبوقة في شهر أيار المقبل لتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في 3 حزيران. فهل الغرب، أو بالأحرى الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها، قادرون على تعطيل الانتخابات، وهل تشهد سورية في أيار موجة تصعيد غير مسبوقة؟
نيّة الغرب بتعطيل الانتخابات الرئاسية مكشوفة، أفصح عنها أكثر من تصريح لأكثر من مسؤول غربي، لكنّ تعطيل الانتخابات مرتبط بالقدرة وليس بالإرادة وحدها.
أولاً، أجرت سورية في أيار 2012 الانتخابات البرلمانية في حين كانت المجموعات المسلحة في ذروة قوتها، وكانت تسيطر على مناطق أوسع بكثير مما تسيطر عليه الآن، وكان التحالف الدولي الداعم للجماعات المسلحة في ذروة رهاناته على إسقاط النظام والدولة السورية في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، وكان قادراً على حشد أكثر من مئة دولة لدعم سياساته في سورية والحرب التي يخوضها فيها. وكان الوضع الإقليمي في مصلحة مثل تلك الرهانات، إذ كان «الإخوان المسلمون» يحكمون مصر وتونس، وكانت العلاقات بين الدول الخليجية، خاصة السعودية وقطر، في مستوى من التعاون غير مسبوق في مسيرة العلاقات بين النظامين الخليجيين، وكان أردوغان في أوج قوته، ولا يزال لديه الكثير من الصدقية على مستوى الشعب التركي، ومزيد من الفاعلية إقليماً ودولياً. اليوم تغيّرت هذه المعطيات السياسية كلها. سقط نظام حكم «الإخوان» في مصر، وانفجر الصراع بين السعودية وقطر، ويواجه أردوغان أزمة سياسية واقتصادية، وتقلّص عدد الدول الداعمة للحرب إلى أقل من 11 دولة غالبيتها دول خليجية.
ثانياً، تغير اليوم توازن القوى في مصلحة الدولة السورية التي نجحت مع حلفائها في تحرير مناطق واسعة، ذات كثافة سكانية في حمص وريفها الغربي والشرقي والجنوبي، ولم تبق سوى جيوب غير قادرة على الفعل في ريفها الشمالي كما أن المناطق الأكثر خطورة في دمشق وريفها عادت إلى حضن الدولة، مثل أحياء بساتين الرازي، والجزء الأكبر من مدينة داريا، وأجزاء من حي القدم، ونهر عيشة، ودف الشوك، وبرزة والمعضمية، وحي القابون، ومناطق الغوطة الجنوبية، والغوطة الشرقية القريبة من المطار، إضافة إلى القلمون بكامله. حتى المواقع والمناطق الباقية تحت سيطرة المسلحين محاصرة وفي وضع دفاعي لا يؤهلها لأكثر من إطلاق بضع قذائف على مناطق سكنية آمنة نتيجتها الوحيدة إثارة النقمة ضد المسلحين، وزيادة الالتفاف حول الدولة والجيش السوري ومطالبته بالإسراع في الحسم العسكري.
ثالثاً، بات المسلحون في حالة إعياء شديد وألقى ألوف منهم السلاح وعادوا إما إلى الخدمة العسكرية في الجيش العربي السوري أو إلى أعمالهم، وسافر بعضهم بعيداً عن سورية بحثاً عن مصدر للرزق، في حين بات الاعتماد على المرتزقة أو ما يسمى بالجهاديين الذين جاؤوا من خارج سورية والوطن العربي، خاصة الشيشان، للتعويض عن عزوف الشباب السوري عن القتال، وبديهي أن هؤلاء الشيشانيين وغيرهم من الأجانب، لا يملكون القدرة على تحقيق ما تصبو إليه الدول الغربية.
في ضوء هذه التحولات كلّها، يفتقر الغرب إلى الأدوات الفاعلة لتعطيل الانتخابات، أو شن حملة تصعيد عسكري غير مسبوقة قادرة على تغيير المعطيات الميدانية التي سجل خطها البياني تصاعداً لمصلحة الدولة السورية، مذ اتخذت قراراً بالحسم العسكري بعد 18 تموز عام 2012.
تستطيع الدول المنخرطة في الحرب على سورية افتعال صدامات وممارسة ضغوط عسكرية، من نوع الهجوم على منطقة كسب في اللاذقية، والراموسة وجمعية الزهراء في حلب، وجب الجندلي في حمص، وتل الجابية في درعا والقنيطرة، ولكنها لا تستطيع تغيير التوازن أو عكس مساره، وبالتالي لن يحدث التصعيد غير المسبوق، وستجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر.