تسعون دولة تحتفي في 27 آذار باليوم العالميّ للمسرح

في السابع والعشرين من آذار الجاري، يحتفي المسرحيون في معظم دول العالم بـ«يوم المسرح العالمي» في سنته الثالثة والخمسين، ويتبادلون التهاني في قاعات المسارح، وعلى خشباتها، وعبر وسائل الاتصال المختلفة، ويعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح.

المسرح بحسب تعبير جان لوي بارو أحد أعرق الفنون وأعظمها، وأهم جزر الصدقية الإنسانية، إذ ينحّي جانبا كل شيء يفرق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بين الناس، ويكشف عن القلب الذي يتقاسمونه، ما يجعله أفضل وسيط للسلام. وهو أيضاً المكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً، بحسب قول سعد الله ونوس.

في السابع والعشرين من آذار تفتح المسارح أبوابها في تسعين دولة تنتمي إلى المعهد الدولي للمسرح آي. تي. آي لاستقبال الجمهور من دون تذاكر، وتعقد ندوات وورش عمل، وتنظم لقاءات مباشرة بين فناني المسرح ومحبيهم وأصدقائهم من الأوساط الثقافية والاجتماعية الأخرى.

ولد يوم المسرح العالمي بناء على اقتراح قدمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما 1904 ـ 1984 ، إلى منظمة اليونسكو في حزيران 1961، وأقيم الاحتفال الأول في السابع والعشرين من آذار 1962 في باريس تزامناً مع افتتاح مسرح الأمم. واتُفق على تقليد سنوي أن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالة دولية تترجم إلى أكثر من عشرين لغة، وتعمم على جميع مسارح العالم حيث تُقرأ خلال الاحتفالات المقامة لهذه المناسبة، وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. وكان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول في باريس.

الاحتفال بيوم المسرح العالمي للنشاطات والفعاليات المهمة التي يقوم بها المعهد الدولي للمسرح في مجال الاتصال بين الثقافات وتبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم، وتوالى على كتابتها منذ ذلك العام اثنتان وخمسون شخصية مسرحية من مختلف دول العالم، بينها: أرثر ميللر، لورنس أوليفييه، مارتن أسلن، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجار، يوجين يونسكو، إدوارد ألبي، ميشال ترمبلي، جان لوي بارو، فاتسلاف هافل، أريان منوشكين وداريو فو. وكانت حصة العرب ثلاثة كتّاب هم سعدالله ونوس وفتحية العسال وسلطان القاسمي.

المعهد الدولي للمسرح هو مؤسسة عالمية غير حكومية أنشئت عام 1948، وكان مقرّه مدينة براغ، وساهمت في تأسيسه شخصيات مسرحية عالمية، ويعبر شريك منظمة اليونسكو الرئيسي في مجال فنون العرض الحية ومقرّه اليوم في باريس. ويهدف المعهد إلى تنشيط تبادل المعرفة والممارسة المسرحية بين دول العالم وزيادة التعاون بين فناني المسرح وتعميق التفاهم المتبادل، والمساهمة في ترسيخ الصداقة بين الشعوب. كما يحارب جميع أشكال التمييز العنصري والسياسي والاجتماعي. وتنبثق عن المعهد مجموعة لجان متخصصة في مجالات مختلفة بينها: المسرح الموسيقي، الكتابة المسرحية، التربية المسرحية، والصورة الثقافية والتنمية. وللمعهد عدة مكاتب إقليمية في بلدان عديدة، كالمكتب الإقليمي للشرق الأوسط في الكويت، والمكتب الإقليمي الأفريقي في بوركينافاسو، ومكتب للاتصال في تونس، ومقر لجامعة مسرح الأمم. وينظّم المعهد العديد من المؤتمرات، والورش الفنية، والدورات التدريبية. ومن أهم فعالياته مهرجان مسرح الأمم، والمؤتمر الدولي للمسرح الذي يعقد كل ثلاثة أعوام، إضافة إلى الورش الخاصة بمحترفي المسرح من الشبّان، التي تقيمها جامعة مسرح الأمم. كما يصدر المعهد عدة مطبوعات مهمة تتناول الحركة المسرحية العالمية رصداً وتحليلاً. وأعدّ قبل بضع سنين قائمة كاملة بالمسرحيات العربية ضمن كتابه «قائمة المسرحيات الجديدة»، الذي صدرت منه ثلاثة مجلدات عن المسرح في أوروبا والأميركتين وأفريقيا. كما يصدر «تقرير دوريات المسرح» الذي يتضمن ملخصا لمجلات المسرح الصادرة في العالم، و»الموسوعة العالمية للمسرح المعاصر». وفي ما يتعلق بالمسرح العربي، عقد المعهد مؤتمراً دولياً في القاهرة تحت عنوان «مواجهة فنية دولية» عام 1999، واختار الكاتب المسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس لكتابة رسالة المسرح الدولية لعام 1996، والكاتبة المسرحية المصرية فتحية العسال لعام 2004، والكاتب المسرحي سلطان القاسمي لعام 2007.

وكانت وفاة ونوس في العام التالي لكتابة رسالته حدثاً مفجعاً في الوسط الثقافي العربي، إذ طمأن فيها أصدقاءه المسرحيين وقراءه، وجمهوره بأنه يقاوم منذ أربعة أعوام مرض السرطان، وكانت الكتابة، للمسرح تحديداً، أهم وسائل مقاومته، فالتخلي عن هذه الكتابة، وهو على تخوم العمر، جحود وخيانة لا تحتملهما روحه، وقد يعجلان برحيله. لكنّ المرض اللعين غلبه في النهاية، ويا للأسف، وظل صدى كلماته العميقة يتردّد في مسارح العالم وضمائر مبدعيها إذ قال: «المسرح هو الذي سيدرّبنا، عبر المشاركة والأمثولة، على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة. وهو الذي سيحيي الحوار الذي نفتقده جميعاً. وأنا أؤمن أن بدء الحوار الجاد والشامل، هو خطوة البداية لمواجهة الوضع المحبط الذي يحاصر عالمنا في نهاية هذا القرن. إننا محكومون بالأمل. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

هذا العام اختار المعهد الدولي للمسرح المخرج البولندي كريستوف فارليكوفسكي لكتابة رسالة المسرح التي سيلقيها في باريس في 27 آذار الجاري، وترجمتها إلى العربية الناقدة المسرحية المصرية نهاد صليحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى