أوباما يغازل أوروبا المتردّدة
عامر نعيم الياس
قال الرئيس الأميركي باراك اوباما في ماليزيا أول من أمس: «سنكون في وضع أقوى لردع بوتين عندما يرى أن العالم موحد، وأن الولايات المتحدة وأوروبا متحدتان، والأمر ليس مجرد صراع روسي ـ أميركي»، إذاً الرئيس الأميركي يريد «الوحدة» مع أوروبا، لماذا؟
العقوبات الأميركية على الصف الأول من المسؤولين الروس دخلت حيّز التنفيذ بداية الأسبوع الجاري، ما أدّى إلى تحرّك أوروبي دبلوماسي «لدراسة» فرض عقوبات جديدة على روسيا، لكن ما هي نوعية هذه العقوبات وما سبب هذا التردّد الأوروبي الذي دفع أوباما علناً إلى المطالبة بموقف موحد؟
الاندفاعة الأميركية لمعاقبة روسيا اقتصادياً سبقت أي قرار أوروبي في هذا الخصوص منذ بداية الخلاف حول أوكرانيا، ففي 3 آذار المنصرم أعلنت واشنطن تعليق التعاون العسكري مع موسكو، وعلى إثر ذلك وفي الأول من نيسان قرّر وزراء خارجية الدول الـ 28 الأعضاء في حلف الناتو تجميد التعاون العسكري والمدني مع روسيا. أما في ما يخص العقوبات المالية والاقتصادية وهي الأهم والأكثر تأثيراً على هذا الصعيد، فلُحِظ انقسام أوروبي على هذا الصعيد منذ بدايات الأزمة حول القرم إذ «تخلّفت أوروبا عنها، وهي التي تعدّ أهم وسائل الضغط على روسيا، وتركت المبادرة في هذا الشأن للولايات المتحدة الأقل عرضةً للتداعيات الاقتصادية» بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية. لكن الاتحاد الأوروبي أعلن في 16 آذار الماضي عن جملة عقوبات اقتصادية على المسؤولين الروس من الصف الثاني من دون أن تمس هذه الشركات أقرانهم من الصف الأول أو حتى الفاعليات الاقتصادية المهمة كما فعلت واشنطن اليوم، نحن هنا أمام عقوبات مالية خجولة إذا ما قورنت بالعقوبات العسكرية بحسب التعبير الغربي.
إن التردّد الأوروبي الظاهر اليوم يقوم على عدّة عوامل أهمها:
ـ الوضعية الجيوسياسية والجيوستراتيجية لروسيا بالنسبة إلى القارة الأوروربية المختلفة كليّاً عن الولايات المتحدة الواقعة خلف المحيط.
ـ الخطوط الحمراء التي حددها الاتحاد الأوروبي مجتمعاً اعتمدت على عبارة حمالة أوجه فقد اتفق الأوروبيون في 20 آذار الماضي على مبدأ اعتماد عقوبات اقتصادية ضدّ روسيا إذا ارتكبت موسكو «خطأً» ربما المقصود به هنا فقط التدخل العسكري الروسي المباشر في شرق أوكرانيا وهو أمر غير وارد حتى اللحظة في التفكير السياسي الروسي.
ـ ركّز أوباما في معرض حثّه الاتحاد الأوروبي على الوحدة مع الموقف الأميركي على حجة أن الصراع «ليس روسياً ـ أميركياً» كما حصل في السابق إبان الحرب الباردة، لكنه تناسى على ما يبدو أن روسيا اليوم دولة رأسمالية، وليست تلك الدولة الشيوعية المعادية للنموذج الاقتصادي الرأسمالي في أوروبا الغربية.
ـ التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي بلغ العام الماضي 468 مليار دولار، لألمانيا حصة 15 في المئة منها، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين برلين وموسكو 74 مليار دولار، وحجم الاستثمارات الألمانية في روسيا 25 مليار دولار، وفي هذه النقطة تحديداً يمكن لحظ الموقف الألماني المتحفظ من أي تصعيد مع روسيا، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي وفي هذا السياق قالت «لوموند» الفرنسية «إن قرار فرض سلسلة جديدة من العقوبات على روسيا كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية يجب أن يتخذ بإجماع الدول الـ28 خلال القمة الأوروبية، قرار يعتمد على الإرادة السياسية لدول الاتحاد الأوروبي، فالقطاعات الاقتصادية كلها معنية به وهذا احتمال يقلق المصنّعين الأوروبيين الكبار».
عوامل التردّد الأوروبي التي أفرزت العقوبات الشكلية في المرحلة الأولى لا تزال قائمة، فهل يستجيب الاتحاد الأوروبي لنداء أوباما ويقرّ عقوبات جديدة على روسيا بالإجماع، أم يترك موضوع إقرار العقوبات وتطبيقها لكل دولة على حدة؟
كاتب سوري