إصدار جديد لرواية صادق هدايت «البومة العمياء»… ليس أمام الفرد سوى الجنون لمواجهة العبث الكونيّ

ظل اسم صادق هدايت مقترناً بتحفته «البومة العمياء» دون سواها تقريباً، حتى أضحت هذه الرواية عنواناً للأدب الإيراني، رغم حرص مؤلفها على أن تحمل طبعتها الأولى 1937 التي صدرت في الهند حيث كان بهذه الجملة: «ليس للبيع أو النشر في إيران»، ثم كانت الرواية انفجاراً أدبياً يوم نشرت في بلاده مطلع الأربعينات.

أعادت سلسلة «روايات الهلال» في آذار الجاري طبع «البومة العمياء» إحدى كلاسيكيات الأدب الفارسي والعالمي التي تصلح تماماً للقراءة اليوم، إذ لا يقين في هذا العبث الكوني، وليس أمام الفرد سوى مواجهة الجنون بجنون آخر يختاره أو يجبر عليه، ولا أدل على هذه الفوضى الكونية من رواية هدايت بتشاؤمه الفلسفي العميق الذي لم يبلغ كاتب إيراني آخر معاصر ما بلغه من شهرة على المستوى العالمي، على ما يقول المترجم الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا، أحد رواد الدراسات الشرقية وأستاذ اللغة الفارسية وآدابها.

في هذه الطبعة الجديدة يعرض المترجم لتاريخ الأدب الفارسي وراهنه، وصولا إلى هدايت الذي «حوّل الأدب الفارسي من أدب توقيعات وقصور وصالونات إلى أدب أمة، ونقله من التصوف إلى الاشتراكية، ومن الشخوص الأسطورية إلى شخوص تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، وتتصارع لإثبات وجودها، ومن رعابة الأسلوب والتنميق اللفظي والبديع إلى الحديث السهل النابع من ضمير الشعب». كما يسرد المترجم لمحات من حياة هدايت وآثاره وأنشطته الأدبية واغترابه في بلده وخارجه، بين الهند وباريس التي انتحر فيها عام 1951، وكيف استقبلت أعماله وفي مقدمها «البومة العمياء» بعد ترجمتها إلى لغات أجنبية. في مقدمته الطويلة يتتبع المترجم فكرة التشاؤم والانتحار كطيف يسيطر على كثير من قصص هدايت، ففي قصته «حي في مقبرة» يصرخ البطل: «الانتحار عند بعض الأشخاص وجود، في أصلهم، في طبيعتهم، إنهم لا يستطيعون الهرب من بين يديه، إنه القدر الذي يحكم». وفي قصة «القلعة الملعونة» يقول البطل: «كلنا فرادى، لا ينبغي أن نخادع، الحياة سجن، بل سجون مختلفة، ولكن بعضنا يحاول أن ينقش نقوشاً على جدران هذا السجن، وبذا يوجد لنفسه نوعاً من الألفة معه».

«البومة العمياء» مرآة لزمان هدايت وزماننا، يرى فيها القارئ استنطاقاً لروحه، لقرينه الآخر المكبوت تحت ضغوط الأعراف العامة، هي رواية الشك واللايقين، وانكسار الحلم، والبحث عن النقاء والنبل في زمن يفتقد هذه المعاني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى