تركيا وإعادة صوغ التحالف الإقليمي

عامر نعيم الياس

انخرطت سعودية سلمان في استراتيجية إعادة صوغ التحالف «المعتدل» في المنطقة، دعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لزيارتها. محاولةٌ قيل عنها الكثير لإصلاح ذات البين بين القاهرة وأنقرة، لكن من دون جدوى، فالواضح أن حدّة الخلافات بين الرجلين تتجاوز السياسات إلى ما يتعلق بالأمن القومي، خصوصاً من جانب القاهرة.

البعد الآخر للزيارة كان الضغط على مصر للانخراط في عملية صوغ المحاور في المنطقة وفق الرؤية السعودية للاستراتيجية الأميركية، وهو أيضاً أمرٌ من غير الواضح مقدار نجاح الرياض به، خصوصاً أن القاهرة نجحت حتى اللحظة في النأي بالانخراط في اللعبة الطائفية في المنطقة، وهو ما ذكرناه في مقال سابق على صفحات «البناء»، لكن السؤال الذي لم يتم التطرق إليه يتعلق بالعلاقة السعودية التركية، ونجاح الرياض في استمالة أنقرة إلى التحالف الجديد.

مما لا شك فيه أن زيارة أردوغان للسعودية تعتبر علامةً فارقة في سياسة كلا الدولتين تجاه بعضهما في المرحلة التي تلت حكم الملك عبد الله الذي كان ينافس الخيار التركي في عدد من الساحات في العراق وسورية. وبهذا المعنى، فإن سعودية سلمان تحاول إعادة صوغ أولويات العداء السعودي في المنطقة إذ تحضر إيران باعتبارها التهديد الأكبر للمملكة سواء في العراق، أو في سورية، وأخيراً ولعله الأهم في اليمن، إذ سيطر الحوثيون بشكل شبه كامل على شمال البلاد التي تتجه إلى تقسيم لا يؤثر استراتيجياً على الحركة الحوثية، وبالتالي تحاول السعودية في ضوء تقدير الموقف هذا تنفيذ عملية تشكيل المحور المصري التركي السعودي في المنطقة، أو بالحد الأدنى تحقيق تقارب منفصل بين الدول الثلاث على قاعدة التوجه السعودي الجديد، لكن أنقرة وفي لعبتها متعدّدة الأوجه في المنطقة لا يمكنها الانخراط في التحالف مع الرياض، شأنها شأن مصر وإن اختلفت أسباب الدولتين، فأردوغان تربطه شبكة علاقات معقدة بإيران الدولة الجارة لتركيا، لا يستطيع معها الاندفاع بعيداً في حالة العداء شأنه شأن دول الخليج الأخرى وعلى رأسها مملكة آل سعود، فالتنسيق بين الدولتين الإقليميتين، صاحبتا المشروع الخاص لكلًّ منهما، يحافظ حتى اللحظة على توازن سياسي مضبوط وإن كان هشّاً نوعاً ما، يرتبط بذراع اقتصادية توازن أي خلل في العلاقات، والضرب بين الدولتين حتى اللحظة يبقى محصوراً بمواجهة موضعية هنا وأخرى هناك من دون تجاوز الخطوط الحمراء، والجنوح نحو الصدام المباشر، ولعل في ما حصل في حلب وضريح سليمان شاه على خلفية الاندفاعة القوية للجيش السوري والقوات الحليفة له في شمال سورية منذ أسابيع، ما يدلّ على حدود الصدام بين طهران وأنقرة حتى اللحظة.

من جانب آخر، تدير تركيا الإخوانية لعبة مزدوجة بالنسبة إلى تحالف أوباما في الحرب على ما يسمى تنظيم «داعش»، فهي ترفض حتى اللحظة الانخراط المباشر في هذا التحالف ما لم تُوسَّع قائمة أهدافه لتشمل إسقاط «النظام السوري» إلى جانب «داعش»، وتمنع لهذا الغرض استخدام قواعدها الجوية، وفي الوقت ذاته تحاول حماية مصالحها والموازنة بين الأكراد ودعمها الضمني لـ«داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة في شمال سورية الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى ساحة خاصة بالنفوذ التركي، وعند هذه النقطة أيضاً من الاستحالة بمكان أن تقبل تركيا تقاسم النفوذ مع السعودية محدودة الفعل والجغرافيا العسكرية في سورية.

للعامل الانتخابي في الانتخابات التشريعية التركية في حزيران المقبل، موقعه في حسابات أردوغان، فالتداعيات الاقتصادية لأي تحالف علني ضد طهران في المنطقة ستلقي بأعباء إضافية بالنسبة للداخل التركي، بما يؤثر على مواقف بعض الناخبين الأتراك من القاعدة الانتخابية الطائفية لأردوغان، والتي من الممكن أن تتأثر سياسياً في حال قرر أردوغان الانخراط تماماً في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، فالحرب «المقدسة» التي يقودها «الخليفة» أردوغان خلقت مصالحَ داخل تركيا جعلتها مشابهة لتلك التي خلقتها الحرب الأفغانية في باكستان تحت رعاية الاستخبارات والطبقة السياسية الباكستانية، والتي تحوّلت اليوم إلى عامل مؤثر في رسم السياسة الباكستانية الداخلية والخارجية.

لأردوغان ـ كما للسيسي ـ أسبابه الخاصة في الحفاظ على مسافة من تحالف السعودية الطائفي الذي لا يبدو أن عملية إعادة صوغه ستكون باليسر والسهولة اللذين صوّرهما البعض.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى