اتجاهات

نيبال هنيدي

من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء، هكذا توالت مراحل حكومة العدالة والتنمية منذ وصولها إلى الحكم في 2003.

ليخرج العثماني الحالم بأسلافه رجب طيب أردوغان مدعياً أن أحد الأسباب التي تقف وراء ما يجري في سورية هو «السعي لكسر القوة والمكانة التي بلغتها تركيا». وأي مكانة؟!

ولكن لم يتحدث أردوغان عن هذا الوزن التركي، هل هي سرقة ثروات ومصانع حلب أم تعزيز الإرهاب عبر مخلبه «داعش» في كل من سورية والعراق ولاحقاً ليبيا؟ أم في توفير الغطاء السياسي لتنظيم حسن البنا الإخوان المسلمون واستخدامه كرافعة سياسية لدخول المنطقة وتمدده فيها لتحقيق حلم وزيره داوود أوغلو في إعادة بعث أمجاد الدولة العثمانية.

أردوغان الضالع حتى أخمص قدميه في شلال الدم في سورية على مدى السنوات الأربعة للأزمة السورية، ادعى منافقاً أنه لم يتمكن من منع الصراع في سورية، وأن تدخله كان لدعم الضحايا واحتضانهم.

ولكن أردوغان لم يقل من هم الضحايا الحقيقيون، أليس هم من قتلوا غدراً على أيدي «داعش»؟ وهو الذي يشكل هو وعصابته الحاكمة المشكل والداعم الأساسي لجرائم هذا التنظيم الإرهابي في سورية والعراق و لكن الشعوب في هذين البلدين كشفت حجم المؤامرة وأهدافها بسرعة فائقة على رغم كل التقنيات وأساليب الافتراء الهائلة ومحاولة إظهار القاتل بأنّه الضحية، وأنّ الضحية هي الجلاد.

إيران الداعم الأساس لشعبي سورية والعراق في حربهما ضد الإرهاب المختلق تركيا، لم تتوانّ عن توفير كل الدعم سياسياً كان أم عسكرياً لحكومتي البلدين في مواجهة أعتى هجمة إرهابية عرفها القرن العشرون، حيث كان لتصريح مستشار قائد الثورة الإسلامية في إيران علي أكبر ولايتي دليل على الدعوة للوحدة والتضامن واحترام سيادة جميع الدول بالتوازي مع وقوف بلاده ضد مخططات التقسيم المرسومة للمنطقة.

هذه السياسة الاستراتيجية القائمة على التحالف مع دول المقاومة للمشروع «الإسرائيلي» ـ الأميركي الذي ينفذه الوكلاء الإقليميون ومن بينهم تركيا جعلت إيران اللاعب الأساسي في المنطقة من خلال صدق توجهاتها ووفائها بالتزاماتها تجاه القضية المركزية فلسطين ، ما أعطى إيران رصيداً إضافياً استطاعت من خلاله- وإضافة إلى تمسكها بحقها في استخدام الطاقة النووية من التحول من لاعب إقليمي إلى قوة عظمى تفاوض في الساحات الدولية.

وتمتلك إيران قوة سياسية وعسكرية وموارد اقتصادية يكاد لا ينافسها فيها أحد من دول المنطقة، حيث ذكرت تقارير أن إيران تمتلك الاقتصاد الخامس والعشرين من ناحية الحجم العالمي، ولديها صناعات عسكرية تبدأ من الرصاصة وتنتهي بالطائرات المقاتلة، وهي رابع دولة في العالم من حيث احتياطي النفط، وثاني دول العالم في الثروة الغازية.

وعلى رغم العقوبات الغربية المفروضة على طهران فإن القوة العسكرية والاقتصادية الذاتية المتنامية، إضافة إلى السياسة المتماهية مع تطلعات الشعوب، مكنتا إيران من تعزيز علاقاتها بدول المنطقة فمدت يد العون لسورية ولبنان فالعراق واليمن، وساهمت بشكل أساس في دعم هذه الدول في ظل الأزمات التي تعصف بها، على عكس جارتها تركيا التي ساهمت هي نفسها في إشعال الفوضى أملاً في إسقاط الحكومات المركزية لدول الجوار علها تحجز لها مكاناً في تركيب أنظمة الحكم في هذه الدول بعد إنهاك اقتصادياتها وتمزيق نسيجها الاجتماعي لتسهل السيطرة لها على المقدرات والموارد.

ما بين حكمة السياسة الإيرانية و أوهام السياسة التركية، ليس غريباً أن تصبح إيران الدولة الإقليمية الأقوى، وأن تسعى المجموعة الدولية إلى الاتفاق والتنسيق معها، على عكس تركيا التي تبخرت أمالها على وقع لظى الإرهاب الذي دعمته لكسر شعوب تحطمت أحلام تركيا على صخرة صمودها.

وفي المحصلة يبدو أن النفوذ التركي الذي يتحدث عنه أردوغان وامتداد جماعة ال خوان المسلمين بدأ يتقلص، ويتلاشى معه حلم دولة عثمانية جديدة خصوصاً أن للاتفاق الإيراني مع الغرب وقعاً آخر على الشرق الأوسط وتتويجاً لإيران امبراطورية حقيقية في الشرق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى