لا ضوء أخضر سعوديّاً يؤهل الحريري إبرام تسوية مع عون حول الرئاسة؟

شادي جواد

لن تكون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المحدّدة اليوم أوفر حظاً من تلك التي سبقتها، بل إن انعقادها سيكون بعيد المنال بفعل عدم اكتمال النصاب المطلوب وهو الثلثين من عدد نواب المجلس، وهذا المشهد متوقّع أن يتكرر للمرة الألف، في حال بقي الاختلاف السياسي الداخلي قائماً، وفي حال بقي المشهد الإقليمي والدولي على توتره واحتدامه.

حتى لو كان الرئيس نبيه بري يعي هذه الحقيقة، إلاّ أنه يحرص على ممارسة دوره الدستوري كاملاً، وهو يبادر في غضون الأسبوع المقبل إلى توجيه دعوات متتالية، محاولاً تنبيه الأفرقاء السياسيين على أن الانتخابات الرئاسية دخلت مدار الفراغ وبالتالي بات واجباً عليهم التفتيش عن مساحات مشتركة تؤدي إلى الوصول إلى تسوية ما تخرج هذا الاستحقاق، فالجميع يدرك أن ترشيح فريق «14 آذار» لرئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لم يكن ترشيحاً جدياً بقدر ما كان ترشيح الوقت الضائع، فالكبير والصغير في هذا الفريق كان عارفاً نتيجة التصويت في الجلسة الأولى، وأن جعجع لن يحصد صوتاً واحداً خارج إطار مكوّنات هذا الفريق، بل كانت المفاجأة أن البعض فضّل التغريد خارج السرب على المشاركة في اللعبة المعروفة النتائج مسبقاً، حتى أن جعجع نفسه كان في صورة ما ستؤول إليه جلسة الانتخاب الأولى، والمواقف التي أعلنها لا تتجاوز إطار الكيد السياسي والتخبط واللاتوازن الذي يتحكم في حياته اليومية على الصعد كافة.

في تقدير أوساط سياسية عليمة أن الاستحقاق الرئاسي خرج من كونه استحقاقاً داخلياً ودخل الفضاء الإقليمي والدولي، وبعض عواصم القرار، لا سيما باريس، بدأ حراكاً خجولاً في هذا الاتجاه بعدما شعرت هذه الجهات بأن الموضوع المهم بالنسبة إليها يتجه نحو الفراغ الذي سيغضب بكركي بالتأكيد، علماً أن البطريرك قرر الدخول على الخط جدياً لتجنب هذه الكأس المرّة على مستوى الموقع المسيحي الأول في لبنان.

تكشف هذه الأوساط عن فتح أبواب التواصل على مصراعيها بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، فحركة موفدين تسجل بعيداً عن الأضواء، غير أن هذه المفاوضات لم تفض بعد إلى نتائج ملموسة رغم الأجواء الإيجابية التي يحاول البعض إشاعتها بين الفينة والفينة وهي من باب ضخ الأوكسجين في رئة التواصل التي تعاني انسداداً قوياً منذ مدة طويلة.

ترى هذه الأوساط أن التفاهم الذي حصل بين الجانبين وأنتج ولادة الحكومة الحالية، لم يتطور بحيث تنطبق مفاعيله أيضاً على مستوى الانتخابات الرئاسية، فهذا الاستحقاق الثاني متشابك وأشدّ تعقيداً ويحتاج إلى عوامل داخلية وخارجية لإنضاجه.

في اعتقاد الأوساط ذاتها أن زخم التواصل سيرتفع بدءاً من الأسبوع المقبل إذ تبدأ مساحة الوقت تضيق، ويضيق معها هامش المناورات لدى الجميع الذين سيجدون أنفسهم أمام خيار من اثنين، إما التفاهم والذهاب إلى تسوية، أو التسليم بأمر الفراغ الذي يضع ملف الانتخابات الرئاسية برمته في عهدة الراعي الإقليمي والدولي.

غير أن الأوساط المتابعة لا ترى موجباً للإفراط في التفاؤل، ومرد ذلك أن الرئيس سعد الحريري غير مؤهل لاتخاذ أي مبادرة بحجم الاتفاق مع الجنرال ميشال عون على تسوية بالنسبة إلى شخص رئيس الجمهورية، بل إنه لا يستطيع أن يتقدم قيد أنملة في هذا الاتجاه ما لم تكن هناك إيحاءات سعودية تعطيه الضوء الأخضر، وهذا الضوء غير متوافر الآن وما زال يغلب عليه اللون البرتقالي، في انتظار ما يمكن أن يتحقق على خط ترميم العلاقات بين طهران والرياض التي لم تبلغ بعد المدى الذي يمكن أن يبعث التفاؤل في إمكان التفاهم حول الملف الرئاسي اللبناني.

تعتقد الأوساط عينها أننا نتجه إلى مرحلة عض الأصابع وشدّ الحبال في مرحلة الانتظار، وأن إنتاج الرئيس بإرادة لبنانية بات مستبعداً، فالعنصر الإقليمي والدولي بات العنصر الفاعل والقادر على إنجاح الاستحقاق والنأي بلبنان عن مشهد الفراغ لمدة طويلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى