خفايا الدعم الخليجي لمصر في مؤتمر شرم الشيخ

مرفان شيخموس

عام 2011، وبعد الإطاحة بحكم معمّر القذافي في انتفاضة مدعومة من حلف شمال الأطلسي «ناتو» في حقبة ما سمي بالربيع العربي، شهدت ليبيا حالة من عدم الاستقرار والاضطراب.

منذ ذلك الحين، أعربت السلطات المصرية عن قلقها إزاء صعود الحركات الجهادية وعدم الاستقرار في شرق ليبيا، وهي المنطقة التي تعتبر القاهرة أنها قد تحولت إلى منطقة عبور آمن للإسلاميين المطلوبين بعد أحداث 30 حزيران 2013 والتي أدت إلى عزل الرئيس محمد مرسي المدعوم من الإخوان المسلمين.

في 12 شباط 2015، أصدر تنظيم «داعش» تقريراً في المجلة الإلكترونية الخاصة «دابق»، ظهرت فيه صور لواحد وعشرين مصرياً قبطياً كانوا قد اختطفوا في مدينة سرت، وبعد ثلاثة أيام بثّ التنظيم الإرهابي شريط فيديو يظهر قطع رؤوس الرهائن على الشاطئ، وأكدت الكنيسة القبطية المصرية مقتل الأقباط، في حين دان الأزهر هذا الحادث.

وعلى الأثر، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فترة سبعة أيام من الحداد الوطني، ودعا إلى عقد اجتماع عاجل مع أعلى هيئة أمنية في البلاد في مجلس الدفاع الوطني. ودعا السيسي إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضاً لتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا بعد أن قصفت طائراته أهدافاً لتنظيم «داعش» هناك.

وقال في مقابلة بثتها إذاعة أوروبا 1 الفرنسية في تاريخ 17 شباط 2015 إنه ما من خيار آخر، في ضوء موافقة شعب ليبيا وحكومتها ودعوتهما مصر إلى التحرك.

بالعودة إلى التاريخ، ونظراً إلى الدعم الذي قدمته الحكومة القطرية للإخوان، وخصوصاً أنّ الدوحة كانت مقرّاً لقيادات تنظيم الإخوان بعد فضّ اعتصام رابعة العدوية في آب 2013، أصبحت بدائل جماعة الإخوان المسلمين محصورة بعد إعلان مجلس التعاون الخليجي، من الدوحة، دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

تمتلك «الجماعة» عدداً من الخيارات، على مستوى الدول التي يمكن أن تستقبل مسؤوليها، وفي مقدمتها تركيا من خلال «حزب السعادة» الذي يمثل ذراع «الإخوان» في أنقرة، فضلاً عن تأييد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لمسار «الجماعة» ودفاعه عنها وهي خارج السلطة، والدعم السابق لها وهي في السلطة.

ربما تأخذ قطر خطوات في اتجاه تصفية ملف «الجماعة» الذي أزعج دول الخليج بعد احتضانها الغير مبرّر لقيادات الجماعة لديها، فقطر

وكيل أميركا في المنطقة من دون منازع ، ومن خلالها تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على الأنظمة العربية، وقد جاء طردها بعض «الإخوان»، قبل شهور، بعد رفض مصر المشاركة في التحالف الدولي لقتال «داعش»، بحجة أنّ أميركا تدعم «الإخوان» في مصر، وانشغال القاهرة، في الوقت نفسه، بمحاربة الإرهاب على أراضيها، وهو ما دفع الأميركيين إلى الإيعاز لقطر بطرد بعض المحسوبين على «الإخوان»، والذين يظهرون في بعض الفضائيات وليسوا القيادات الحقيقية المؤثرة في «التنظيم»، وذلك لإيصال رسالة بأنّ أميركا تقف ضدّ الإرهاب.

يبدو أنّ الدعم الخليجي الجديد لمصر في مؤتمر شرم الشيخ 14- 3- 2015 بقيادته الأميركية والذي قدّر بعشرات المليارات من الدولارات، لم يكن عن عبث ولم يأتِ من فراغ أو بمحض الصدفة، أما المواطن المصري فهو لم يلمس أي تحسّن في أحواله المعيشية، من المساعدات الخليجية السابقة التي أعلن عنها عقب ثورة 30 حزيران 2013 والتي بلغت آنذاك 30 مليار دولار، على شكل منح ومساعدات نفطية وودائع مصرفية.

فما هي أبرز الصفقات التي وقعتها مصر خلال المؤتمر؟

وقعت مصر والإمارات، اتفاقية إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة 45 مليار دولار ، في حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي ونائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وشهد رئيس الوزراء المصري ابراهيم محلب مراسم توقيع اتفاقية بين وزارة الإسكان والشركة العربية، في شأن مشروع «تنمية جنوب مارينا» على مساحة 2800 فدان لتكون مركزاً سياحياً وتجارياً سكنياً بتكلفة 24 مليار جنيه.

ووقعت مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر، بمنحة تقدر بـ130 مليون يورو، كما وقع البنك الأوروبي للاستثمار قرضاً بقيمة 120 مليون يورو مع البنك الأهلي المصري، لدعم شركات القطاع الخاص في مصر.

وشهدت وزارة الكهرباء والطاقة المتجدّدة الوزير محمد شاكر مراسم توقيع 7 مذكرات تفاهم بين الوزارة وشركة «سيمنس» الألمانية و«state grid» الصينية و«أكواباور» السعودية و«مصدر» الإماراتية، بإجمالي استثمارات 20 مليار دولار.

ووقع وزير البترول والثروة المعدنية شريف اسماعيل اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار، في مجال البترول والغاز، مع شركة النفط البريطانية العملاقة «بريتش بتروليوم». كما وقعت الوزارة اتفاقية مع شركة «إيني» الإيطالية، تهدف إلى ضخّ 5 مليارات دولار استثمارات جديدة في أنشطة تنمية الحقول، ووقع المهندس خالد عبد البديع، رئيس شركة «إيجاس مصر»، مذكرة تفاهم مع رئيسة شركة «هيدروكاربونس» القبرصية تولا أونوفري، لعمل دراسة جدوى تصدير الغاز المُسَال من قبرص، باستخدام البنية التحتية الموجودة في مصر.

ووقعت وزيرة التعاون الدولي نجلاء الأهواني 4 اتفاقيات مع رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية أحمد محمد علي، بقيمة إجمالية تتجاوز 800 مليون دولار، للمساهمة في تمويل مشروعات «الربط الكهربائي المصري السعودي»، اتفاق إيجار بقيمة 220 مليون دولار، و«تطوير مطار شرم الشيخ»، اتفاق إيجار على شريحتين الأولى بقيمة 226٫8 والثانية بـ230٫2، و«تطوير معمل تكرير أسيوط»، اتفاق إيجار بقيمة 198 مليون دولار.

كما وقعت الأهواني مع أحمد علي اتفاقاً إطارياً بقيمة 3 مليارات دولار مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، إحدى المؤسسات التابعة لمجموعة البنك، لصالح الهيئة العامة للبترول وذلك لتمويل استيراد المنتجات البترولية التي تحتاجها السوق المصرية مثل «البوتاجاز» و«السولار» خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ووقعت وزارة النقل 6 اتفاقيات مع شركات عالمية لتنفيذ مشروعات في الموانئ والسكة الحديد بقيمة 2.2 مليار دولار، واتفاقية شراكة مع شركة «أفيك إنترناشيونال القابضة» الصينية لتصنيع القطارات في مصر بقيمة 500 مليون دولار، واتفاقية إنشاء وتشغيل وإدارة وتمويل مشروع القطار المكهرب «الإسكندرية أبوقير» بتكلفة إجمالية مقدارها 500 مليون دولار.

وتضمنت الاتفاقيات مذكرة تفاهم في شأن الاستثمار في خط سكة حديد نقل البضائع «السخنة ـ حلوان» باستثمارات بقيمة 490 مليون دولار، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لإنشاء وتطوير محطة متعدّدة الأغراض في ميناء الإسكندرية بـ 250 مليون دولار ومذكرة تفاهم مع سكك حديد إيطاليا في شأن الاستشارات العامة لمشروع القطار السريع «القاهرة ـ الإسكندرية» ومشروع تطوير خط أبو قير بقيمة 10 ملايين دولار.

ووقع وزير التموين خالد حنفي اتفاقية مع شركة «السودين» السعودية برئاسة أحمد السودين، لمشروع المركز اللوجيستي العالمي في دمياط، والمدينة التجارية الترفيهية في خليج السويس باستثمارات تقدر بـ ٦ مليارات دولار، في شكل مبدئي وبالتعاون مع شركة «تشينا هاربر» الصينية.

فهل الهدف من تلك الخطوات الأميركية ـ الخليجية الجديدة بدعم مصر عن طريق مؤتمر شرم الشيخ هو إبعاد مصر عن دورها العربي والإقليمي، أم أنها تعبِّر عن خشية خليجية بقيادة سعودية من تقارب سوري ـ مصري كان وشيكاً في محاربة تنظيم الإخوان المسلمين،

أم أنّ تحييد مصر عن روسيا كان الهدف الأهم؟

تبقى الاحتمالات كافة واردة وتبقى الإجابة برسم تلك الدول…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى