في لبنان… استدارة ولا سفير للإدارة
روزانا رمّال
انفجرت القنبلة النووية الأميركية قبل الشروع باللقاء بين الخارجيتين الأميركية والإيرانية في لوزان، وتمثلت بإقرار أميركي بوجوب التفاوض مع الرئيس بشار الأسد بعد مرور أربع سنوات تماماً على بدء الأزمة السورية، ما فُهم انعطافة أميركية نحو الأسد أو استدارة في الموقف الغربي.
تصريح كيري المؤلم لكلّ الذين راهنوا على سقوط الأسد، من أرفع رؤساء الدول طيلة السنوات الماضية، قوبل بحملات شجب واستنكار وغضب من حلفاء الولايات المتحدة أينما حلوا في الشرق الأوسط، الأمر الذي كانت تدركه مسبقاً الإدارة الأميركية التي سارعت الى تخفيف وطأة تصريح كيري المدوّي قدر الممكن ليأتي على لسان جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية كلام خجول في هذا الإطار يفيد أنّ أميركا لا تزال تعتقد أن لا حلّ سياسياً في ظلّ وجود الأسد، وهي التي لم تقل «تصرّ» هذه المرة.
بطبيعة الحال لا يهمّ إدارة أوباما كثيراً أيّ استنكار أو شجب أو حتى دهشة، لكن الدهشة الحقيقية التي لا يمكن أن تؤخذ في الاعتبار هي رفض الفرنسيين لكلام كيري على لسان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أيضاً، وهو نظير كيري في المهنة، وأشرفت وزارته منذ أسابيع قليلة على زيارة وفد برلماني فرنسي رفيع المستوى إلى دمشق ولقائه بالأسد، وقد ضمّ مقرّبين جداً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.
على ايّ حال فإنّ الوفدين الفرنسي والأميركي الى دمشق أشارا منذ انعقاد لقاءاتهما مع القيادة السورية الى انّ شيئاً جديداً يحصل وأنّ الانعطافة الغربية باتت أقرب من أيّ وقت مضى، وتشير المعلومات التي تحدّثت عن تنسيق سوري ـ أميركي في بعض الضربات في الأجواء السورية على «داعش» إلى أنها كانت بداية القناعة الأميركية بحتمية بقاء الأسد بقوة جيشه وسيطرته على المعارك الرئيسية، وبالتالي بات على الجوار أن يتقبّل هذه الحقيقة قريباً.
بالنسبة إلى سورية فإنها اليوم على تماس أو علاقة غير مفهومة وواضحة مع الحكومة اللبنانية التي تنأى بنفسها عما يجري في دمشق، والتي وإنْ ضمّت أفرقاء من كافة الأطراف السياسية اللبنانية لا تزال تعتبر أنها غير معنية بأيّ كلام يصدر من خارج الحدود، إلا أنّ الحدود الأميركية فاجأت اللبنانيين هذه المرة، خصوصاً فريق الرابع عشر من آذار بمغادرة سفيرها في بيروت دايفيد هِلْ البلاد في خطوة لا شك محسوبة من قبل سيد الخارجية الأميركية جون كيري الذي يحرص على إرسال إشارات إلى حلفاء إيران على ما يبدو اينما حلوا.
لبنان اليوم في زمن الاستدارة خال من الإدارة لسفارة الولايات المتحدة في عوكر التي حرصت دائماً على التنسيق الكامل مع مسؤولي فريق 14 آذار كحلفاء او أصدقاء طبيعيّين، وبالتالي يبدو أنّ المجلس الوطني لهذا الفريق هو آخر النصائح الأميركية قبل مغادرة دايفيد هِلْ لبنان.
وعليه، إذا كانت الخارجية الأميركية قد طلبت مغادرة سفيرها وعودته إلى بلاده قبل ان يتمّ تعيين آخر، فإنّ هذا يعني أنّ السفير الجديد سينتظر بعض الوقت او ربما أكثر مما هو متوقع لكي يقدّم أوراق اعتماده إلى رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل الذي من غير المعروف متى سيبصر انتخابه النور، وبالتالي فإنّ المرحلة المقبلة في بيروت في زمن الاستدارة الأميركية من دون سفير ستحدث إرباكاً متوقعاً لدى أصدقاء السفارة أينما حلوا، والولايات المتحدة تحديداً التي تعرف أنّ لبنان بلا رئيس جمهورية اليوم، وتعرف أيضاً أنها تترك الساحة خالية لحزب الله أو لإيران وحلفائها في لبنان لحسم الاستحقاقات.
فهل هذه الاستدارة مقصودة؟ وكيف يمكن أن تصبح الأجواء في زمن الاستدارة اذا شغرت من رأسها؟
في زمن الاستدارة لبنان بلا «إدارة»…!
«توب نيوز»