حفيدة عبد القادر الجزائري تبرّئه من كتابين نسبا إليه زوراً
دمشق ـ سلوى صالح
تسعى الأميرة بديعة الحسني الجزائري في كتابها الجديد «براءة الأمير عبد القادر من كتاب المواقف وكتاب ذكرى العاقل» إلى إظهار الحقيقة وتبرئة جدها المناضل الكبير مما نسب إليه زوراً، ومن التشويه الذي أصاب مؤلفاته، إذ نسبوا اليه أشعاراً لم ينظمها وكتباً لم يؤلفها وألبسوه ثوباً ليس ثوبه.
الكتاب نتيجة جهود المؤلفة بحثاً وتدقيقاً للحصول على معلومات موثقة وأدلة دامغة تدحض محاولات تشويه فكر الأمير عبد القادر الجزائري، فكان لا بد من إطلاع الناس على المعلومات التي أصبحت بحوزتها واعتبرتها أمانة في عنقها، كونها مواطنة عربية جزائرية وإن كانت تقيم في دمشق مثل جدها المجاهد. وتقدم الأميرة بديعة حصيلة معلوماتها إلى كل من سمع بكتاب «المواقف» الذي يضم أفكاراً ليست للأمير إنما لبعض المشايخ الذين أرادوا تعظيم الأمير في حياة ابنه محمد باشا فجمعوا ونقلوا أقوالاً لغيره ممن اعتبروهم مماثلين للأمير، وضموها إلى أجوبة كان يقدمها إلى السائلين ظناً منهم أنهم يفعلون خيرا مع الأمير الذي أحبوه وأرادوا تكريمه بكتاب ضخم بعد وفاته.
خلال عملية البحث، عثرت الكاتبة على نسخة مخطوطة من كتاب «المواقف» في قسم المخطوطات النادرة في مكتبة الأسد في دمشق، بخط فارسي يرجع تاريخ كتابتها إلى عام 1307 هجرية، أي بعد سبع سنوات من وفاة الأمير عبد القادر الذي كان خطه مغربياً. كما توجد نسخة أخرى كتبت بخط نسخي جميل، لكن تاريخ كتابتها وكاتبها مجهولان ولا يوجد ما يشير الى أنها كتبت في دمشق، أي لا يوجد مخطوط بخط الأمير عبد القادر، ومع ذلك اعتبر كتاب المواقف في الجزائر إنتاجا فكريا للأمير عبد القادر، إذ قدّم الى المكتبات هناك بشكل مخطوط على أنه بخط الأمير عبد القادر.
تأسف المؤلفة لكون هذا المخطوط الذي يحمل مضامين خطيرة ترجم الى عدة لغات وقُبل على أنه فكر الأمير، ونوقشت فيه أبيات شعرية صوفية من دون التشكيك فيها، رغم أن الأسلوب الذي كتبت به لا يمت إلى أسلوب الأمير عبد القادر في كتابة الشعر الذي عرف عنه واشتهر به.
ويضمّ كتاب البراءة الصادر لدى دار «ابن زيدون» في دمشق صوراً لوثائق وتقارير خبراء فنيين وخبراء خطوط، اضافة الى اعترافات وأدلة وبراهين لكتاب عاصروا الأمير مثل الشيخ عبد الرزاق البيطار كأحد كتاب التراجم في دمشق، وما ذكره جواد المرابط عن الشخصيات التي كانت تحضر مجالس الأمير مثل البيطار ومحمد الخاني والطنطاوي وغيرهم ممن طلبوا من الأمير أن يسمح لهم بتدوين أحاديثه في ندواته.
يقول الخبير المحلف هشام الغراوي، من وزارة العدل السورية، عام 1999 في تقرير فني بخط يده نشره الكتاب: «لا يجوز نسبة الوثيقة التي نشرتها مجلة «المسالك» الجزائرية إلى الأمير عبد القادر الجزائري إذ تبين بالخبرة الفنية أنها ليست بخطه ولا يجوز نسبها إليه لما فيها من كفر يستحيل صدوره عن عالم جليل مثله، ولا يجوز السكوت عنها وإبقاوءها في تراثنا الفكري».
خصصت الأميرة بديعة الفصل الثالث من الكتاب لعرض نماذج من مضامين كتاب المواقف والرد عليها بعد دراستها مشيرة الى أن هدفها ليس تبرئة الأمير عبد القادر فحسب، إنما الدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف والقرآن الكريم والشريعة السمحاء التي يشكك فيها كتاب المواقف. كما خصصت جزءا للتعريف بشخصية الأمير المجاهد الذي أصبح على مر الأيام شخصية عالمية، الى كونه رائد المقاومة الجزائرية إذ نظم جيشاً ووضع له قوانين ووقف في وجه دولة كبرى بحجم فرنسا سبعة عشر عاماً لم يستسلم خلالها بيد أنه انتصر في المعارك كلّها التي قادها بنفسه، ولكن فرنسا غدرت به، اختطفته وسجنته خمس سنوات، ودخل دمشق كأحد الفاتحين، على ما ذكر المؤرخون.
في حديثها عن سيرة الأمير عبد القادر وجهاده ضد المستعمر تتطرق الكاتبة الى كلمة الجهاد التي تعني المقاومة ضد الأعداء، وذاك ما يرعب الغرب ويقلقه، مشيرة الى ما قاله دِكْ تشيني نائب الرئيس الأميركي عام 2002 من أن الولايات المتحدة تخطط للقضاء على استراتيجية الجهاد لدى المسلمين. ويا للأسف، استطاعت بقيادة الصهيونية العالمية ابتكار طريقة شيطانية خبيثة لقلب مفاهيم الجهاد وجعلها عمليات إجرامية بشعة تثير الاشمئزاز فجندوا المرتزقة وأرسلوهم الى سورية التي كانت هدفهم هذه المرة تحت ما يسمى «الجهاد» لأنها دولة مقاومة ترفض الاعتراف بـ»إسرائيل».
كما تتطرق حفيدة المجاهد الكبير إلى كتاب آخر عنوانه «ذكرى العاقل وتنبيه الغافل» كتب عليه اسم الأمير عبد القادر على أنه ألفه في دمشق عام 1853 علما أنه كان في ذلك الوقت في بروسة في تركيا. إضافة الى أن الأفكار التي تضمنها الكتاب ليست أفكار الأمير عبد القادر، كما أن الدكتور ممدوح حقي الذي حقق الكتاب في القرن العشرين لم يستند الى المخطوطات في تحقيقه.
خلال بحث الكاتبة عن المخطوطات في المكتبة الظاهرية ومكتبة الأسد الوطنية والمركز الثقافي الفرنسي في دمشق، عثرت على أسماء كتب أخرى نسبت إلى غير مؤلفيها، ومنها على سبيل المثال كتاب «العيون والحدائق في الحقائق» لمؤلف مجهول، كذلك كتاب «مختصر ذكر تاريخ الأمويين» لمؤلف مجهول أيضاً. وتوصي الأميرة بديعة في الختام بجمع نسخ الكتابين وإحراقها، راجية أن تقوم مؤسسة الأمير عبد القادر في الجزائر بهذه المهمة، وضرورة نفي نسب هذه الكتب إلى الأمير في جميع وسائل الاعلام، ليس خدمة لجدها لأنه لا يحتاجها، بل خدمة للحقيقة والدين والأمة.