دلالات الانتخابات «الإسرائيلية» وعبرها

العميد د. أمين محمد حطيط

ظهر من البعض اهتمام بما اسمي انتخابات في «إسرائيل» مترافقة مع ما أشيع من تحذير بأن الأخيرة ستكون على أبواب حرب تبادر إليها ضد محور المقاومة وغزة في السنة الأولى من عهد الحكومة التي تفرزها الانتخابات التي انتهت كما يبدو إلى تقدم الليكود مع إمكانية تشكيله حكومة يراها نتنياهو ملائمة أكثر لخياراته، خصوصاً تلك التي فشل في تحقيقها حتى الآن على الصعد الاستراتيجية والأمنية والعقائدية. فهل الانتخابات ستغير المشهد «الإسرائيلي» وهل أن الحرب ستكون خياراً واقعياً للعدو بعد انتخاباته؟

المدخل للإجابة على السؤال يكمن في أمرين، الأول يتعلق بخطة نتنياهو وما آل أمره إليه والثاني يتعلق بطبيعة «إسرائيل» ذاتها وما آلت إليه في ظل أوضاع المنطقة بعد الحرب الكونية التي استهدفت محور المقاومة الحرب التي انخرطت «إسرائيل» فيها للعمق.

أما عن الأمر الأول فإننا نرى بأن نتنياهو لجأ إلى صناديق الاقتراع ليستمد قوة أكبر تتيح له الخروج من مأزقه الذي قاد نفسه وكيانه إليه عبر سياسة حقد عدوانية كيدية مارسها في الداخل وفي المنطقة، حتى وحيال حلفائه في الخارج سياسة انتهت إلى تأكيد العجز عن التحكم بملفات أو مسائل أساسية تدعي «إسرائيل» أنها ذات صلة وثيقة بوجودها ومصيرها. واعتبر نتنياهو أن قدراته كافية للعب بالورقتين الأساسيتين اللتين تحركان الرأي العام «الإسرائيلي» وتجعلانه يقترع له، وهما ورقة الأمن وورقة الرفاه الاجتماعي، المرتبطان في شكل وثيق بالعامل العقائدي والعامل الاستراتيجي الذي تقوم عليهما «إسرائيل».

وإذا كانت ورقة الرفاه الاجتماعي أو في شكل عام السياسة الداخلية بعناوينها الاجتماعية والاقتصادية شكلت موطن وهن وضعف لسياسة نتنياهو لا يستطيع أن يتغلب عليه أو سد ثغراته في المدى المنظور، فانه راهن على الورقة الأمنية معطوفة على الشأن العقائدي والاستراتيجي لذلك اختار ملفات أساسية ثلاثة راهن عليها ليمتلك عناصر التأثير وعصا القيادة التي تؤثر في الشارع الصهيوني.

وبهذه القناعة تصدى نتنياهو للموضوع النووي الإيراني محاولاً لي ذراع أوباما لمنعه من الوصول إلى اتفاق في شأنه مع إيران، وارتكب جريمة القنيطرة متصوراً أنه سيخيف محور المقاومة ويرسم بوجهه خطوطاً حمراً تمنعه عن الدفاع الفاعل في الحرب الكونية التي تشن عليه بعد أن يسقط معادلة توازن الردع مع المقاومة، فضلاً عما سعى إليه في العام الماضي من محاولة خنق المقاومة الفلسطينية في غزة وتصوره بأنه سيدخل تهديداتها للأمن «الإسرائيلي» في عالم النسيان.

وعلى المقلب العقائدي الاستراتيجي فان نتنياهو ومستفيداً من فظائع العصابات الإرهابية التي عملت تحت تسمية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش فقد خطط لإعلان يهودية الدولة الصهيونية، وأمعن في تكثيف الاستيطان الاستعماري اليهودي في القدس والضفة الغربية ليستجيب للعامل العقائدي والاستراتيجي، ثم ليصرخ بوجه الجميع لا دولة فلسطينية ولا حق عودة ولا حق لأي فلسطيني بشيء من فلسطين.

بهذا الوجه والمشهد خاض نتنياهو الانتخابات وظن الكثير من المتابعين أن الشارع الصهيوني سيخيب ظن نتنياهو وأمله ويعاقبه على إخفاقاته وعلى ما تسبب به لـ«إسرائيل» من مآزق ومصاعب سواء في الداخل وما يتصل بتراجع النمو وتصاعد الهجرة المعاكسة أو في الخارج وما وصل إليه من حال تآكل قدرة الردع في مواجهة المقاومة أو العجز عن الذهاب إلى حرب مضمونة النتائج أو في العلاقة مع أميركا، خصوصاً التدهور على الصعيد الشخصي فيها بينه وبين أوباما الذي بات يكن ضغينة وحقداً ضده لا مجال لحجبها أو تجاوزها على رغم أن العلاقة الاستراتيجية بين أميركا و«إسرائيل» علاقة لا تمس بصرف النظر عن أشخاص المسؤولين الذين يتقلبون المناصب القيادية في كل من الدولتين.

ثم جاءت نتائج استطلاعات الرأي قبل الانتخابات لتؤكد كلها احتمال خسارة نتنياهو للانتخابات حتى أنه شخصياً وضع نفسه وفي شكل جدي أمام هذا الاحتمال الذي بدا لديه كأنه مرجح أو شبه أكيد.

لكن صناديق الاقتراع كذبت التوقع واستطلاعات الرأي والاحتمال المرجح وأعطت نتنياهو نصيباً من الأصوات مكنه من وصف ما ناله بأنه نصر عظيم، وحمل خصومه في المعسكر الصهيوني على الإقرار بالهزيمة أمامه وهنا يكمن جوهر البحث عما يريده الصهاينة في «إسرائيل»، إذ أنهم وعلى رغم كل ما سببه لهم من ضرر وإخفاق عادوا واحتضنوا نتنياهو وبهذه القوة وبهذا الشكل، وجعلوه الأول على رأس القوائم الانتخابية كلها في رسالة أرادوا توجيهها للعالم، تقول إن أي بحث في حل سلمي يعطي شيئاً للفلسطينيين من قبيل الدولة أو شبه الدولة أو حتى مجلس بلدي ذو صلاحية إنما هو وهم وخداع نفس. وإن الاستيطان والقضم المتدرج وصولاً إلى ابتلاع الضفة الغربية كلها بدءاً من القدس هي السياسة الوحيدة التي تعمل بها «إسرائيل» ولم يكن صدفة أن يضع المستعمرون اليد على عقارات فلسطينية في القدس الشرقية فور معرفة النتائج المبدئية للانتخابات ليقدموا هدية لنتنياهو على مواقفه العنصرية.

في ظل هذا المشهد نرى أن الصفعة التي وجهتها الانتخابات «الإسرائيلية» كانت لكل المراهنين على الحل السلمي والتفاوض وما إليه، ما يؤكد على أن مواجهة «إسرائيل» لا تكون على طاولة المفاوضات والحوار ولا في الأروقة الدولية ولا المحاكم ولا أي شيء سوى الميدان، فمواجهة «إسرائيل» لكي تعيد الحقوق إلى أصحابها هي فقط بالمقاومة التي حررت الأرض في عام 2000 وأخرجت جيشها من غزة في عام 2005 ومنعت الاحتلال من العودة إلى الجنوب أو غزة بعد ذلك بدءاً بعام 2006 وصولاً إلى عام 2014.

أن الصهاينة الذين صوتوا لنتنياهو صوتوا له على رغم فشله في أكثر من ملف اجتماعي واقتصادي، وعلى رغم انه قاد «إسرائيل» إلى أكثر من إخفاق ومع هذا عادوا وصوتوا له ليؤكدوا على سياسته الرافضة للدولة الفلسطينية والرافضة لحق العودة والمؤكدة على استمرار الاستيطان والمعتمدة للنهج العدواني الحربي باستراتيجيتيه القوة لناعمة والقوة الصلبة، وبالتالي إن منطقاً هذا جوهره ومضمونه لا يمكن أن يكون صاحبه مؤهلاً للمجالسة على طاولة التفاوض إن لم تكسر شوكته وتخلع أنيابه في الميدان، وأي حديث غير ذلك هراء.

أما محور المقاومة فلم يفاجأ ولم يكن يتوقع خلاف ما حصل، ولا تعنيه أصلاً ما تسمى «ديمقراطية الاحتلال والمحتل» و انتخاباته، لأنه ينظر إلى أصل الموضوع ويرى أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ بإعطاء الحق لأصحابه وعودة أهل فلسطين إلى أرضهم، أما عن السؤال حول الحرب، فإن الأمر البديهي بحسب قناعاتنا هو أن «إسرائيل» تذهب إلى الحرب عندما توقن بالانتصار والقدرة على صرفه سياسياً الأمر غير المتشكل الآن ولا يبدو أن تشكله في المستقبل القريب محتمل، أما إذا حصل فإنها ستكون الحرب الأخيرة التي تغير وجه المنطقة كما وعد يوماً سيد المقاومة.

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى