هل تعوّض ليبيا خسارة الموصل؟!
محمد محمود مرتضى
إنّ ما يقوم به تنظيم «داعش» من تسريع في وتيرة عملياته في ليبيا ومن استعراض لقوته هناك، لا يمكن فصله عن المشهد السائد في العراق وسورية، لا سيما لناحية الاستعدادات الحثيثة لمعركة الموصل. فالتنظيم الذي بات يعلم تماماً أنّ خسارته للموصل هي مسألة وقت فقط، يسعى إلى تعويض خسارته المتوقعة لعاصمة الخلافة.
لقد استطاع «داعش» تحقيق توسّع سريع في سورية والعراق مستفيداً من الفوضى التي سادت في الأولى بعد انطلاق الازمة فيها، ومن سياسات عقيمة في الثانية منذ تسلّم بول بريمر للحكم الحاكم المدني للعراق إبان الإطاحة بالطاغية صدام حسين.
لكن التنظيم الذي أعلن عن قيام «خلافته الإسلامية» منتصف العام الماضي ما لبث أن أدرك أنّ ما حققه من مكتسبات لن يستمرّ، خصوصاً بعد بدء تخريج دفعات من المتدرّبين سواء من الحشد الشعبي والعشائر العراق او الدفاع الوطني سورية .
والواقع أنّ اختيار ليبيا لم يكن عملاً عشوائياً، فهذا البلد الكبير يعاني من فوضى السلاح منذ الإطاحة برئيسه معمر القذافي فيما مخازنه كانت مليئة بالسلاح الذي سيطرت عليه الجماعات المسلحة ومنها «داعش»، دون الإغفال عن أنّ ليبيا كانت مركزاً رئيسياً منذ مدة لتدريب المقاتلين قبل إرسالهم الى سورية والعراق. لكن الأهمية الأساس لليبيا لا تقتصر على هذه الجوانب اللوجستية وحسب، بل لعلّ الأهمّ من ذلك كله هو الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به. فمساحة هذه الدولة المترامية الأطراف على حدود بلدان عدة تجعلها منطلقاً مركزياً للاستقطاب باتجاه مصر وتونس شرقاً وغرباً، اضافة الى الجزائر في أقصى الغرب والجنوب الغربي، والنيجر في الجنوب، دون ان ننسى تشاد. وهذا يعني انّ الحدود الجنوبية لليبيا قد تمثل نوعاً من التواصل مع جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا الطامحة للتوسع الى النيجر.
ولعله ليس مصادفة ان يقوم هذا الأخير «بوكو حرام» بمبايعة البغدادي طمعاً بالتواصل معه بعد ان شهد التنظيم تمدّداً كبيراً في ليبيا. ويُضاف إلى ذلك عشرات الآبار النفطية التي سيطر عليها التنظيم ما يعوّض له تراجع إمداداته المالية الناتجة عن خسارته للعديد من الآبار في سورية والعراق. دون أن نغفل عن الإطلالة المهمة لليبيا على حوض البحر المتوسط ما يؤمّن له إمكانية إيصال العشرات من أنصاره الى أوروبا عبر بوابة الهجرة المتصاعدة بالقوارب البحرية.
من هنا تبرز أهمية ليبيا في استراتيجية التنظيم، لا سيما مع طموحاته الكبيرة في التوسّع واستقطاب العناصر والمؤيدين له في مصر، أكبر الدول العربية من حيث العدد السكاني، وتونس، الدولة التي ينحدر منها العدد الأكبر من المهاجرين الملتحقين بالتنظيم.
صحيح أنّ الموصل هي «عاصمة الخلافة» وهي من هذه الناحية المعنوية لا يعوّضها شيء، خصوصاً إذا اقترب الإطباق على الرقة من عدة جهات بشكل او بآخر، لكن في الوقت نفسه فإنّ الحصول على موطئ قدم كبير في ليبيا سيؤدّي حتماً الى انتقال لعبة «الاستقطاب» من العراق الى ليبيا، وهذا الأمر أي الاستقطاب يبقى ضرورة كبيرة للتنظيم وإلا يفقد شعار «الخلافة» أثره لأنه يمثل جوهر مفهوم «الهجرة» في «الفكر السلفي الجهادي».
وسواء استطاع «داعش» ترسيخ أقدامه في ليبيا أو لم يستطع، فإنّ القدر المتيقّن من دخوله الى الساحة هناك، هو أنّ الفوضى آتية، ليس فقط الى ليبيا، التي تجتاحها الفوضى أصلاً، وإنما إلى مجمل القارة الأفريقية. وبهذا المعنى يظهر «داعش» على أنه مشروع ووسيلة لنشر الفوضى «غب الطلب» حسبما تقتضية المصالح الغربية وبعض المصالح العربية.
من هنا فإنه من المتوقع أن تزداد وتيرة العنف في ليبيا وتزداد عمليات التفجير التي يقوم بها «داعش» في المدن الكبرى من أجل إتعاب القوى الأمنية وإضعاف قبضتها على المدن المستهدفة تمهيداً للسيطرة عليها وهذه هي العمدة الرئيسية في استراتيجية التنظيم التي تعتمد دائماً على ما يسمّى «النكاية والإنهاك».