الانفجار النقابي يسابق الفراغ الرئاسي
كتب المحرر السياسي
لا شيء سيجعل اللبنانيين، غير البحث عن التسلية يتابعون جلسة اليوم المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، بعدما صار معلوماً أن المسار المفتوح للتكرار منذ نهاية الجلسة الأولى صار مختصراً بعناوين ثلاثة، هي أن المرشح سمير جعجع مصرّ على عدم إفساح الطريق لزملائه في كتل الرابع عشر من آذار التداول بأسماء أخرى للرئاسة من جهة، وإحجام قوى الثامن من آذار عن تقديم أي مرشح قبل التوافق اللازم لتأمين فوز المرشح التوافقي بأصوات ثلثي أعضاء مجلس النواب، الذين سيكون وجودهم ضرورياً لتأمين النصاب ولو لم يكن لازماً للفوز في ما بعد الجولة الأولى، أما من جهة ثالثة فالثابت أن الجلسات المتكررة لن تخرج برئيس للبلاد لأن النصاب لن يتوافر.
من جلسة اليوم وصاعداً سيحضر نواب الرابع عشر من آذار ونواب جبهة النضال النيابية، وهم ما حصيلته التصويت الذي ناله كل من المرشحين سمير جعجع وهنري حلو أي ما مجموعة أربعة وستين نائباً، سيضاف إليهم نواب كتلة التنمية والتحرير التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تكريساً لحرصه على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ليصير المجموع سبعة وسبعين نائباً، وفي كل الأحوال دون الثمانين نائباً، مما سيجعل توفير النصاب متعذراً ما لم يحدث تحول دراماتيكي يعدل خريطة الحضور، في استجلاب نواب الثامن من آذار الموزعين على كتل تجمع على المقاطعة لحين تبلور التوافق على الرئيس العتيد.
البحث عن التوافق هو المعضلة التي لم تجد حلاً لها بعد، طالما الخارج المعني وخصوصاً المنتظر منه على خط طهران الرياض، لم يصل بعد إلى خط النهاية والوصول.
اللقاءات والاتصالات المستمرة منعت مناخ التشنج لكنها عاجزة عن منع الفراغ، هذه هي الحصيلة الحاكمة حتى اليوم، فلا لقاءات الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل ولا زيارة الوزير وائل أبو فاعور للسعودية موفداً من النائب وليد جنبلاط، نجحتا بتحقيق أي اختراق، ولا البحث عن آلية من نوع اجتماع رؤساء الكتل السبعة للبدء بتحديد دورة يترك فيها المجال لمرشح بعينه من المرشحين المحتملين، لاستكشاف فرص التوافق حوله أو كسر الجمود المتصل بتأمين النصاب اللازم لبدء الانتخاب، حقق التقدم الذي يبشر بقرب الدخول في معادلة تحتمل انتظار المفاجآت أو الحلول.
على ضفة مقابلة وبينما التركيز على الاستحقاق الرئاسي خشية الوقوع في الفراغ، بدا أن الانفجار الاجتماعي الذي يستخف كثير من المعنيين باعتباره خطراً داهماً يقترب من لحظة الغليان أكثر فأكثر، يسابق الفراغ خلال المتبقي من عمر ولاية الرئيس الحالي.
السلسلة والاستحقاق الرئاسي
وفي ظل هذه الأجواء، وسط استمرار المساعي حول الاستحقاق الرئاسي إذ ينتظر ألا يكتمل نصاب الجلسة العامة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، شكّل الإضراب العام والتظاهرة الكبرى التي نفّذتها هيئة التنسيق النقابية أمس «جرس إنذار» للدولة بكل مؤسساتها، وبالأخص للكتل النيابية التي تسعى إلى الانقلاب على حقوق المعلمين والموظفين والعسكريين، من خلال ما سرّب من معلومات عن أن اللجنة النيابية تعمل على تخفيض أرقام السلسلة أكثر من ألف مليار ليرة في مقابل تخفيض الضرائب على أصحاب الريوع العقارية والمصرفية والمخالفات البحرية، ما يعني وفق تأكيد مصادر قيادية في هيئة التنسيق أن هذا التوجّه من قِبل اللجنة النيابية في حال جرى تبنّيه في مجلس النواب، سيفتح المعركة الاجتماعية من أوسع أبوابها، بحيث ستضطر الهيئة للجوء إلى كل أنواع التصعيد النقابي.
إضراب وتظاهرة حاشدة لهيئة التنسيق
وشهد يوم أمس إضراباً شاملاً في القطاع التربوي الرسمي ومعظم القطاع الخاص إضافة إلى الإدارات العامة، ونظمت تظاهرة ضمت أعداداً كبيرة من المعلمين والموظفين المتعاقدين والمتقاعدين من أمام مصرف لبنان باتجاه غرفة التجارة والصناعة وصولاً إلى رياض الصلح، حيث أُلقيت كلمات لحركات هيئة التنسيق هددت بتصعيد غير مسبوق في تاريخ لبنان، إذا جرى الانقلاب على الحقوق التي تضمّنتها السلسلة.
وأكد رئيس الهيئة حنا غريب أن المطالب خط أحمر ولا تراجع عنها، مشدداً على أن الهيئة لن تقبل تمويل السلسلة من جيوب الفقراء، موجهاً انتقادات لمواقف بعض الكتل النيابية وحاكم مصرف لبنان والهيئات الاقتصادية، وقال إن تقرير لجنة السلسلة مولود ميت، محذّراً من الانفجار العظيم.
ورفض نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض بشكل مطلق أي مسّ بالمكتسبات وحمّل الدولة مسؤولية انفجار الشارع، بينما اعتبر رئيس رابطة موظفي الدولة محمود حيدر أن الهيئة لن تخضع للترهيب والتهويل والتهديد.
مصادر الهيئة: أرقام السلسلة خط أحمر
وفيما اجتمعت اللجنة النيابية المعنية بالسلسلة أمس بحضور حاكم مصرف لبنان، حذّرت مصادر هيئة التنسيق من خطورة ما يسرّب عن مداولات اللجنة النيابية حول ما توصّلت إليه من تخفيض يصل إلى 50 في المئة من أرقام السلسلة. وقالت إن أي مسّ بالحقوق التي تضمّنتها السلسلة سيؤدي حكماً إلى تصعيد غير مسبوق لدى القطاعات المعنية. وأوضحت المصادر أن الهيئة لن تقبل بالزيادة أقل من 121 في المئة، وهي أيضاً لن تقبل المس بمكتسبات المعلّمين والمتعاقدين والمتقاعدين والعسكريين بما في ذلك المنح المدرسية. وأضافت إن ما رشح عمّا توصلت إليه اللجنة النيابية ينذر ليس فقط بتصعيد في الشارع لم يَشهد مثله لبنان طوال السنوات الماضية، بل يهدّد الاستقرار في البلاد وسيؤدي إلى أزمة بنيوية ـ اجتماعية. ولاحظت أن التخفيضات التي أدخلتها اللجنة النيابية على أرقام السلسلة يظهر مدى ارتباط هذه اللجنة ومن يرعاها من أصحاب الريوع العقارية والمصرفية والاحتكارات المتوحشة.
…بري ينتظر وخليل يدعو إلى إقرارها
وفيما كرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس أنه ينتظر تقرير اللجنة النيابية ليحدّد الخطوة المقبلة حول مسار السلسلة، شدّد المعاون السياسي للرئيس بري وزير المال علي حسن خليل أمس على «إقرار السلسلة وإعطاء الحقوق لأصحابها، على ألاّ تكون أي زيادة مضرّة بالاقتصاد». وقال: «يجب ألا يتحمّل أعباء السلسلة أصحاب الدخل المحدود».
إضراب تحذيري للاتحاد العمالي
وفي الشأن الاجتماعي، يشهد لبنان إضراباً تحذيرياً اليوم بدعوة من الاتحاد العمالي العام، رفضاً لأي ضرائب على أصحاب الدخل المحدود والفئات الفقيرة. وأعلنت عشرات المؤسسات المستقلة المشاركة في الإضراب اليوم بما في ذلك توقّف الطيران في مطار بيروت لمدة ساعتين.
لا نصابَ في جلسة الانتخاب اليوم
أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فعلى رغم الاتصالات والمشاورات المكثفة التي تُجرى على غير صعيد وبالأخص تلك التي أجراها كل من الوزيرين جبران باسيل ووائل أبو فاعور مع رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، لم يتضح شيء حتى الآن بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية، ولذلك من المؤكد أن جلسة الانتخاب المقررة ظهر اليوم لن تحمل أي جديد، بل إنها لن تُعقد لعدم اكتمال النصاب، فمن المتوقّع أن يتكرّر مشهد الدورة الثانية في جلسة الانتخاب الأولى.
غياب عناصر التوافق
إذاً، وقبل ساعات قليلة من موعد جلسة الانتخاب اليوم، بدا مشهد الاستحقاق الرئاسي قاتماً، إذ لا وجود لعناصر توافق حتى ليل أمس، كما نُقل عن الرئيس بري.
ومن المقرر أن يحضر رئيس المجلس وكتلته اليوم الجلسة ولن ينسحبوا منها، بل سيكونون أول الداخلين وآخر الخارجين، مع العلم أنه في حال لم يتوافر النصاب بعد نصف ساعة فإن الرئيس بري سيرفعها إلى موعد آخر.
ووفق معلومات لـ«البناء» فإن هذه الآلية في تحديد الجلسات ستستمر إلى 15 أيار، تليها آلية أخرى متسارعة سيعتمدها الرئيس بري كل يوم أو يومين يواكبها تحرّك من قِبَله من أجل انتخاب رئيس الجمهورية قبل المهلة الدستورية.
لا تقدّم في الاجتماعات
ولوحظ أن موقف كتلة «المستقبل» مساء أمس عكس أجواء عدم الاتفاق بين عون والحريري وعدم حصول تقدّم في الاجتماع الذي حصل بين الأخير وموفد عون الوزير جبران باسيل، وبالتالي فإن المشهد اليوم هو كمشهد الجلسة الأولى، وهذا يعني أن هذه الأجواء تدفع باتجاه عدم انعقاد الجلسة اليوم بسبب عدم اكتمال النصاب، ولذلك فإن الجلسة سترفع إلى موعد آخر يرجّح بعد أسبوع.
وما يذكر في هذا السياق، أن الحريري اجتمع أمس في باريس مع الوزير باسيل، فيما عاد إلى بيروت الوزير وائل أبو فاعور من السعودية بعد أن كان قد اجتمع أول من أمس مع الحريري أيضاً.
ووفق معطيات توافرت لغير مصدر مطلع فإن هذه الاجتماعات لم تنته إلى أي شيء حاسم يتعلّق بانتخابات رئاسة الجمهورية. ولاحظت مصادر مطلعة أن المعلومات التي سربت عن الاجتماعين تؤكد أن الأمور لم تنضج بعد، وأن الأمور تسير في المسار الحالي نفسه، على صعيد جلسات الانتخاب، وأوضحت أن هذه المراوحة مردها إلى الوضع الخارجي لم ينضج حيال دفع بعض الأطراف للسير بمرشح توافقي وبالأخص تيار «المستقبل» الذي ينتظر على ما يبدو كلمة «السر» السعودية.
بلطجة «إسرائيلية» ضد بليدا والوزاني
في سياق آخر، عمدت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» إلى منع أهالي بلدتي بليدا والوزاني من القيام بأعمال التنظيف في بئر شعيب على الخط الأزرق العائد تاريخياً لأهالي بليدا، ومن تنظيف الأتربة والحصى من نهر الوزاني.
ومارس العدو «الإسرائيلي» ما أكده الرئيس بري «البلطجة» بحق الأهالي عندما قامت قواته عبر القوات الدولية بمنع أهالي بليدا من تنظيف بئر شعيب والينابيع الموجودة في داخله، الذي كان قسّمه الخط الأزرق قسمين وتحت طائلة إطلاق النار على من يحاول تنظيف البئر. مع العلم أن البلدة تعاني من شح كبير للمياه، كما هي حال المنطقة.
وفي منتزهات نهر الوزاني، عمدت قوات اليونيفيل إلى منع أصحاب المنتزهات من تنظيف النهر بحجة عدم إثارة المشاكل مع العدو «الإسرائيلي».
وقد دفعت هذه الممارسات من قِبل العدو وقوات الطوارئ وأهالي بليدا وأصحاب المنتزهات إلى رفع الصوت ومطالبة الدولة اللبنانية بوقف غطرسة العدو الصهيوني وإذعان قوات «اليونيفيل» لإملاءاته.
وسعياً لحل هذه «البلطجة» الصهيونية، اجتمع رئيس فرع المخابرات في الجنوب العميد علي شحرور مع قائد القوات الدولية باولو سييرا وجرى البحث في المشكلتين. إضافة إلى إغلاق الطريق بين بلدتي العباسية والوزاني التي تمر بالقرب من بلدة الغجر.