هل يشتري القاهرة مَن باع القدس وبغداد وبيروت ودمشق؟
جمال العفلق
منذ اندلاع الصراعات والحروب على دول المنطقة، بغطاء الربيع العربي الذي لم يحمل إلى المنطقة إلا الدماء والقتل والدمار والتقسيم، وتصدُّر التنظيمات السلفية للمشهد السياسي في أكثر من بلد عربي، والتي كان أشدّها سوءاً «داعش» والنصرة» في سورية و«الإخوان المسلمين» في مصر، هناك خلايا يُعتقد أنها موجودة في عموم المغرب العربي، لكنها ما زالت نائمة لأنّ دورها لم يحن بعد.
كان وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، متسللين من بين جموع المصريين في ميدان التحرير بدعم قطري وتركي، خطأ تاريخياً ما زالت مصر تدفع ثمنه حتى اليوم. فما وقعت فيه مصر أسوأ من حرب معلنة فيها خصم واضح المعالم له هدف معروف، لأنّ الإخوان، ومن خلفهم القوى الداعمة، استطاعوا خلال أقلّ من عامين إحباط ملايين الناس وتدمير أحلامهم في التغيير الذي لم يتحقق منه شيء، فبلد التسعين مليوناً يعاني اقتصادياً والحكم المخلوع ترك خلفه آلاف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المعلقة. فكيف ستخرج مصر من الزجاجة التي وضعت فيها نتيجة اتفاق سلام مزعوم لم يحصد المصريون منه إلا الفقر والجوع، ومعدلات تنمية ليست مشجعة، بلغة الأرقام، بالإضافة إلى ارتهان اقتصاد كبرى الدول العربية للمساعدات والديون الخارجية، ما أدى إلى عزلها عن المحيط الدولي والإقليمي ورهن سياستها الخارجية للمال المدفوع لها أميركياً أو عربياً؟
جاء المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ «مصر المستقبل» لتفرض لغة الأرقام نفسها بقوة، لأنّ حجم المشاريع المطروحة كان كبيراً جداً، فهل سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مؤشر التنمية؟ وهل سيشعر فقراء مصر، وما أكثرهم، بهذه الهبات أو المشاريع، بحيث تنعكس على حياتهم اليومية؟
هذا ما قد يستطيع الإجابة عنه من هم أهل اختصاص في علوم الاقتصاد والتنمية. ولكن يبقى السؤال: لماذا هذا المدّ الاقتصادي الكبير لمصر؟ هل هو مكافأة لقرارها حظر حركة الإخوان المسلمين ومن في فلكها؟
إذا كان هذا هو المقصود فالحرب في سورية والعراق على الإرهاب واضحة وضوح الشمس، فلماذا تُحاصر سورية في وقت يحارب فيه جيشها والمقاومة الإرهاب بالنيابة عن العالم بأسره، في وقت تطالعنا فيه التنظيمات الإرهابية كلّ يوم بعشرات التسجيلات عن جرائمها في حقّ الإنسانية، عدا عن التوثيقات الصحفية والأمنية التي في حوزة السوريين والتي تثبت مدى توغل تلك التنظيمات في الإرهاب والقتل؟
يدرك الداعمون لمصر اليوم أهميتها الجغرافية ودورها السياسي المحوري في المنطقة، فهي مجاورة لفلسطين المحتلة وليبيا ولها عمق بحري في المتوسط والبحر الأحمر، وهذا ما دفع الممولين إلى استيعابها، ولا أبالغ إن قلت تكبيلها اقتصادياً، وإذا كان من حقّ المصريين البحث عن حلول إسعافية لاقتصادهم المنهك، إلا أنّ الثمن السياسي الذي قد تدفعه مصر لاحقاً ليس بالقليل، فحسب كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي فإنّ الفضل في انعقاد هذا المؤتمر يعود إلى السعودية التي أصبح مشروعها واضحاً اليوم، ولا يحتاج إلى فكّ ألغاز فهي تحارب بالمال والسلاح كلّ من يخالفها أو لا يوافق على نهجها وموقفها حيال القضايا العربية، كما أنها تتحمل جزءاً كبيراً من نتائج الدمار الذي حصل في العراق وسورية والأعمال الإرهابية التي استهدفت لبنان.
إنّ الدور السعودي، في المنطقة، لا يقلّ خطراً عن الدور التركي ولا عن الدور «الإسرائيلي» في تهديد أمن الدول العربية. فالرياض هي التي ساهمت في تشكيل تحالف ضدّ المقاومة إبان العداوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، وهي التي دفعت بالأمور إلى التعقيد في العراق من خلال محاولاتها إثارة الفتن الطائفية، وهي التي أعلنت مراراً عن رغبتها في تدمير الدولة السورية، بالإضافة إلى دورها في لبنان واليمن وهيمنتها على القرار الخليجي في ما يخصّ القضايا الإقليمية.
بعد كلّ ذلك، هل ستكون السعودية رحيمة مع مصر وتدعم اقتصادها فعلاً لكي ينهض من جديد، مع المحافظة على استقلال قرار القاهرة السياسي؟ تساؤل برسم المسؤولين المصريين الذين وقعوا على الاتفاقيات الاقتصادية في مؤتمر شرم الشيخ.