نتنياهو وأوباما: الصفعة وحدود التأثير
عامر نعيم الياس
إذا صحَّ ما نقلته مجلة «بوليتيكو» عن مسؤول في إدارة أوباما من إرسال الأخير أحد مستشاريه الانتخابيين السابقين إلى الكيان الصهيوني للتشجيع على «عدم انتخاب نتنياهو» كون الرئيس «يكرهه ويريد تركه السلطة»، فإن النتائج الحالية للانتخابات التشريعية في الكيان المحتل، والتي أعادت نتنياهو إلى رأس السلطة لتشكيل حكومة رابعة تضعه في سباق لتجاوز بن غوريون كأطول فترة حكم في الكيان الصهيوني، فإنه يتوجب الاعتراف أن نتائج الانتخابات الصهيونية وجّهت صفعةً سياسية وشخصية للرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته، التي ردّت مهنئةً بالفوز في بيان مقتضب عن البيت الأبيض يركز على النقاط الخلافية وأولها حلّ الدولتين الذي قامت حملة نتنياهو «الألتراـ يمينية» على رفضه إلى جانب رفض الاستيطان ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. لاءات ثلات صهيونية لا عربية.
يدرك الرئيس الأميركي باراك أوباما أن انتصار نتنياهو سيجلب له المزيد من المشاكل على مستويين. الأول عدم القدرة على تحريك الجمود في العملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الصهيونية، فالتعقيد في العلاقة بين «تل أبيب» وواشنطن بدأ منذ إخفاق الإدارة الأميركية الحالية في حلّ القضية الفلسطينية، فالفشل كان مصير التعامل بين أوباما ونتنياهو في هذا الملف بدءاً من عام 2009 وتعيين جورج ميتشل مبعوثاً أميركياً للسلام بين الطرفين، وليس انتهاءً بجولات وزير الخارجية جون كيري المكوكية من دون أيّ فائدة تذكر. فالمفاوضات وصلت إلى طريق مسدودة ونتنياهو يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية وفق رؤية أوباما. أما المستوى الثاني فيتعلق بالعلاقات داخل النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية. فالجمهوريون الذين سيطروا على الكونغرس بمجلسيه، واستقبلوا نتنياهو قبل أسبوعين من الانتخابات وسط مقاطعة من أوباما وبعضٍ من نواب حزبه، استطاعوا دفع رهان نتنياهو الانتخابي حينذاك قدماً، وقلب الرجل استطلاعات الرأي لمصلحته، متجهاً نحو تشكيل حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني. ولعلّ في ردّ فعل الجمهوريين على فوز نتنياهو ما يعكس حجم الشماتة بسياسات الرئيس أوباما. ففور الإعلان عن الفوز، كتب السيناتور جيب بوش المرشح الجمهوري الأبرز للسباق نحو البيت الأبيض: «أهنّئ رئيس الوزراء نتنياهو، إنه قائد حقيقي يعمل على أمن إسرائيل وقوتها».
إن ردّ فعل الحزب الجمهوري على انتخاب نتنياهو، إذا ما قورن بردّ فعل البيت الأبيض، يطرح تساؤلاً هاماً، ألا وهو كيف ستتعامل الدولتان الحليفتان في ظل المعركة السياسية المفتوحة بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو؟
مما لا شك فيه أن التعامل بين واشنطن و«تل أبيب»، لن يشوبه الكثير من التغيير خلال السنتين الباقيتين من عمر إدارة أوباما، فالملفات العالقة بين الرجلين ستبقى على حالها، خصوصاً في ما تعلّق بعملية السلام بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، والمبادرات الخاصة بها، والتي يبدو أنها وضعت على الرفّ في انتظار سيّد البيت الأبيض الجديد. وملف النووي الإيراني الذي يتوقع البعض تعقيده، مفصول عن هذا الصراع بدليل تحرّك إدارة أوباما على مستوى الصلاحيات الدستورية الخاصة بالرئيس أولاً، وعلى مستوى مجلس الأمن ثانياً، لضرب أيّ جهد داخلي أميركي أو خارجي لعرقلة الاتفاق النووي مع إيران إن تمّ التوقيع عليه. وعلى رغم الصفعة التي وجّهتها الانتخابات «الإسرائيلية» إلى إدارة أوباما يمكن القول إن هذا الأخير بإمكانه المراهنة على شكل الائتلاف الحكومي في الكيان الصهيوني، والتناقضات داخله، خصوصاً في ظل استبعاد حكومة «وحدة قومية»، واللجوء إلى خيار تشكيل حكومة يمين «ضيّقة» بمعنى أنها تحت رحمة تفوّق هشّ داخل «الكنيست» أولاً، وتحت رحمة تناقضات داخلية يمينية من شأنها أن تنفجر في أيّ لحظة هي الأخرى. وهنا تحضر العلاقات المتوترة بين أوباما ونتنياهو لتلقي بظلالها على حجم الدعم الذي يحوزه رئيس «الليكود» في أوساط النخبة الأميركية.
كاتب ومترجم سوري