«نتنياهو كان على صواب!»
يوسف المصري
حينما كان والد بنيامين نتنياهو على فراش الموت، أوصاه بأن يقسم أمامه بأنه لن يتخلى عن الضفة الغربية. داخل العائلة توجد عقيدة شقيق نتنياهو الذي قتل أثناء عملية الكوماندوس «الإسرائيلية» في أوغندا، وبهذا المعنى فإنّ مفهوم اليمين الصهيوني عند نتنياهو ليس فقط قضية «أيديولوجية عقائدية دينية» بل أيضاً شخصية.
ثمة في الواقع عدة تفسيرات لتحليل مفاجأة عودة نتنياهو كرئيس متوقع بحظوظ عالية لتشكيل الحكومة «الإسرائيلية» للمرة الرابعة، وهي أطول فترة في تاريخ رؤساء حكومات «إسرائيل». أبرز هذه التحليلات تقول إنّ بيبي اسم الدلع له ، اعتمد على أخطاء ارتكبها في التكتيك الانتخابي قطبا المعسكر الصهيوني هرتسوغ وليفني، وبخاصة لجهة أن الأخيرة أضرّت بعصب جماعتها الانتخابي عندما تنازلت عن مشاركتها مع هرتسوغ نصف ولاية رئاسة الحكومة، إضافة إلى أسباب أخرى يتمّ إيرادها وكلها تحتمل التأويل، ومنها أن الجسم اليميني في «إسرائيل» تصرف على نحو أوحى للجمهور الاستيطاني بأن نتنياهو «شهيد» دسائس عليه تمتدّ من أميركا بزعامة أوباما وتمرّ باليمين «الإسرائيلي» بزعامة ليبرمان، وتصل إلى معسكر يسار الوسط الذي اتحد على هدف إسقاطه.
حتى هذه اللحظة هناك مغامرة بإطلاق حكم مبرم حول لماذا أعاد «الإسرائيليون» انتخاب نتنياهو، على رغم أنّ معظم استطلاعات الرأي العام التي أجريت عشية الانتخابات كانت توقعت تراجعه أو أقله عدم تمكنه من حصد مقاعد تخوله تولي رئاسة حكومة يمينية قوية. أضف إلى ذلك أن نتنياهو ظل لفترة غير قصيرة يوصف من قبل كل من اليمين واليسار في «إسرائيل» بأنه رئيس حكومة الشلل، وظل يعتبر أيضاً شخصية غير مبادرة وغير جذابة وفيها الكثير من ملامح الفشل العسكري والأمني والسياسي على السواء.
وفي الواقع فان شخصية نتياهو السياسي مرت بمرحلتين في «إسرائيل»، إحداها سجلت كبوة في نجوميتها خلال السنوات الأخيرة من حكمه، ولكن قبل هذه الفترة، وتحديداً عند بدايات بروز نجمه كمنافس قوي على زعامة الليكود، فان شخصيته كانت محط إعجاب على ضفتي اليمين واليسار. لقد نجح العاملون في فريقه آنذاك أن يقدموه للمجتمع «الإسرائيلي» بوصفه اليهودي الذي يحاكي النموذج الأميركي. وتوقعت دعايته حينها أن يرسي في عهده فيما لو وصل لرئاسة الحكومة أفضل العلاقات بين تل أبيب وواشنطن لأن بيبي يعرف أميركا جيداً ويعرف كيف يخاطب نخبها ومراكز القرار فيها، وهذه أهميته قياساً بباقي زعماء اليمين في «إسرائيل» الذين معظمهم جاء إلى «أرض الميعاد» من دول أوروبا الشرقية.
وخلال المواجهة الأخيرة عشية الانتخابات في الكونغرس التي بادر إليها «بيبي» مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، قال الكثيرون من «الإسرائيليين» إن نتنياهو أخطا وأساء للعلاقة الأميركية «الإسرائيلية»، وأنه لو كان بن غوريون لا يزال حيّاً لكان ضربه على أطراف أصابعه وذكره بوصيته بخصوص أن على «إسرائيل» ألا تستفز الدولة التي تلعب دور الحليفة الاستراتيجية لضمان أمنها.
… ولكن اليوم وبعد فوزه في الانتخابات «الإسرائيلية»، فربما توافرت فرصة لإعادة التفكير بوجهة النظر الآنفة التي خطأت نتنياهو. ربما الأكثر قرباً للمنطق في «إسرائيل» القول إن بيبي لم يخطئ وإنه أثبت أنه يعرف جيداً أميركا ويعرف جيداً كيف يخاطبها وكيف يدير لعبة اللوبي اليهودي داخلها لمصلحة وجهة النظر «الإسرائيلية» حينما تختلف مع وجهة نظر البيت الأبيض.
يقول أصحاب هذه النظرية إن جزءاً كبيراً من تعاضد اليمين الصهيوني وراء نتنياهو في هذه الانتخابات، كان سببه إحساس جمهور اليمين بأن نتنياهو الذي تحدى أوباما في عقر داره احتجاجاً على سياسته تجاه إيران، يمكن الرهان عليه بقوة لجهة أنه سيتحدى أي رئيس أميركي يطلب منه الانسحاب من المناطق العربية المحتلة وتفكيك المستوطنات.
بلا شك أدى نجاح نتنياهو الذي رفع عقيرته قبل أيام بوجه الرئيس الأميركي إلى تعزيز قناعة موجودة في «إسرائيل» منذ انهيار نظام الرئيس المصري حسني مبارك، ومفادها أن أميركا لم تعد إمبراطورية وأصبحت أقل قدرة على التأثير في أحداث الشرق الأوسط العامة، وغير العامة. يتذكر هؤلاء بهذه المناسبة أن الانقلاب الأبيض الذي قام به مناحيم بيغن نهايات سبعينات القرن الماضي وأدى للمرة الأولى إلى خروج حزب العمل من الحكم، كان وراءه الأصابع الأميركية. والسؤال الآن هل فقدت واشنطن ناصية تحريك خيوط اللعبة الداخلية في «إسرائيل»، وبدل ذلك أصبحت تل أبيب هي الأقدر على التدخل في اللعبة الداخلية الأميركية وعكس نتائجها عندها داخلياً.
يستدرج هذا السؤال المتوقع أن يكون مدار نقاش في «إسرائيل» خلال الفترة التالية استنتاج عريض حول الانتخابات «الإسرائيلية» يقول: ليس نتيناهو من هزم التوقعات وربح، بل أميركا هي التي تتغير.