ميزان عدالة… وديكتاتورية؟

د. سلوى الخليل الأمين

قيل في صفات العدل ما لم يقله مالك في الخمرة، فالعدل هو أساس الملك، وهو من أسس الصراط المستقيم بين الناس، وهو الصفة الإنسانية التي تعلو بجوهرها ومضامينها جميع الشعائر والبيانات، لذا اعتمدت الدول عند نشؤئها على القوانين التي أساسها العدل والمساواة بين المواطنين، ولذلك تميّزت الدول عبر شرائعها التنظيمية ومناهجها المستندة إلى تطبيق الدساتير المنوطة بمفاهيم العدالة والإنصاف وحفظ حقوق الناس وصونها والاستقامة والفعل القويم والمسار الحسن الصواب والمسيرة المعتمدة منهجية التطبيق التي لا تخلخلها الشوائب ولا طموحات الإنسان التي تعتمد الشرّ دستوراً وميثاقاً.

العدالة صانتها الشرائع السماوية بداية، وطبقتها الأمم بمختلف عناصرها الحكومية المتطورة والأحزاب الطامحة دوماً إلى مأسَسة العدالة عبر المناداة والعمل على تطبيق المساواة في الحقوق والواجبات بين بني البشر، وصولاً إلى دولة العدالة التي لا مكان فيها لظالم أو مظلوم.

لكن ما يؤسف له وما هو جار في ظهرانينا أنّ العدالة ممنوعة من التطبيق على شعوب هذه المنطقة العربية، وغيرها من دول العالم التي تعتبر مستضعفة، علماً أنّ الرسل خرجوا من هذا الشرق، ومن صلبه تماهت الأحزاب الوطنية والقومية التي تنادي بالقيم والمبادئ وحقوق الإنسان.

لكن ما يحزّ في باطن العقل أنّ الواقع مختلف تماماً، إذ انّ الاستعمار الذي عانينا منه سابقاً يتجدّد راهناً بأشكال وألوان مخلتفة، فمن ثورات عربية سُمّيت «ربيعية»، إلى حرب كونية على سورية، إلى التصدي لسلاح المقاومة في لبنان عبر أصوات أقلّ ما يُقال فيها إنها تمثل سياسة العدو الصهيوني، إلى القبول بإمرار ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية اللبنانية في مجلس النواب، إلى ملاحقة حرية الإعلام في لبنان عبر استدعاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، رئيس مجلس إدارة جريدة «الأخبار» اللبنانية ابراهيم الأمين ونائبة رئيس مجلس إدارة قناة «الجديد» الإعلامية كرمى خياط. هذا الاستدعاء، الذي تمّ تخطيطه انسجاماً مع سياسة استعمارية جديدة، ترسمها بدقة دوائر القرار في الولايات المتحدة الأميركية الموقعة بأقلام بني صهيون وحلفائهم من حكام النفط والغاز، يهدف إلى كمّ الأصوات الوطنية التي لم تمالئ السياسات المبنية على تنفيذ المخطط الصهيوني، فمنذ اغتيال الحريري والمؤامرة قائمة بكامل مفاعيلها وأبعادها التي لا تخفى على الوطنيّين المتنوّرين، فمنذ انطلاق قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بدأ تنفيذ المخطط الموقع من منظمة الأمم المتحدة والآيل إلى إهمال فاعلية تطبيق الدستور اللبناني، الذي يمنح الحق لرئيس الجمهورية بتوقيع المعاهدات وغيرها من الاتفاقات الدولية، ومَن من اللبنانيين لا يعرف أنّ المحكمة تمّ تهريبها من دون توقيع رئيس الجمهورية آنذاك القائد إميل لحّود، ولذلك اعتبرها معظم اللبنانيين غير شرعية بحكم القانون، وقيامها خرقاً للدستور اللبناني الذي لا يجوز أن يُمسّ بأحقاد والتباسات ومؤامرات مُوّلت من خارج الحدود، ولهذا السبب فإنّ هذه المحكمة لا يحق لها اختراق حرية الإعلام في لبنان ولا حرية الإعلاميين المؤتمنين على إيصال معلوماتهم إلى القارئ، وأخيراً لا آخراً كيف يحق للدولة اللبنانية تمويل المحكمة المزوّرة من تعب اللبناني الذي يرزح تحت خط الفقر.

إنّ التأييد الكامل لحرية الصحافة اللبنانية التي تتقن حدود مسؤولياتها الوطنية، خاصة في المواقف الصعبة، ينبغي أن يشمل سائر اللبنانيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ومناطقهم، فهذا الفعل يُعتبر تعدياً صارخاً على ما يتمتع به اللبناني من حرية صانها القانون وتُخرق عبر محكمة غير شرعية غايتها كمّ الأفواه وإخراس الكلمة المناضلة، وهذا الفعل يعتبر ربما من باب جسّ النبض لأفعال كيدية مستقبلية قد تجرّ على لبنان حوادث لا طاقة للبناني على احتمالها والتصدي لها، لذا ليس مطلوباً تطبيق العدالة فحسب والتفتيش عن الحقيقة التي رفعتها تلك المحكمة اللاشرعية شعاراً منذ بدء انطلاقتها ولم تتحفنا حتى اليوم باستدعاء الشهود الزور المدعومين من بعض المتنفّذين لمحاكمتهم على تضليل العدالة، خاصة أنهم ما زالوا إلى الآن يحملون ورقة المحكمة قميصاً أحمر يلوّحون به عند الممرات الصعبة المسار.

لا بدّ من تذكير السلطة الأميركية، خاصة رئيسها السيد باراك أوباما خريج جامعة هارفارد الأميركية التي تعدّ من أعرق الجامعات في العالم عبر احتلالها المركز الخامس عالمياً ومنها تخرّج العديد من حملة جائزة نوبل إضافة إلى سبعة رؤساء أميركيين آخرهم الرئيس الحالي باراك أوباما: إنّ جامعتك هذه، أيها السيد الرئيس قد اتخذت درس العدالة شعاراً قائماً تعلّمه لخرّيجيها على أساس الممارسة مستقبلاً، وعمدت إلى تزيين جدرانها بأعظم ما قيل في العدالة عبر التاريخ وأهمّها الآية القرانية 135 من سورة النساء التي نقشت على الجدار المقابل لمدخل كلية الرئيس وترجمت إلى الإنكليزية بأمر من القائمين على الأمر لاقتناعهم بأن هذه الآية «من أعظم عبارات العدالة في العالم وعبر التاريخ».

«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهم فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا. وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا».

بعدما تلقيناه وقرأناه وعرفناه وما يجب أن يعرفه كلّ قارئ، هل يجوز للسلطة الأميركية حماية محكمة لا تتوخى العدالة وتعتمد الديكتاتورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى