سورية وإيران: التبادلية في الخطاب الأميركي

حميدي العبدالله

دأب الأميركيون، عبر تصريحات المسؤولين في الإدارات الأميركية المتعاقبة، أو عبر ما تكتبه وتنشره وتبثه وسائل إعلامهم ومراكز أبحاثهم المختلفة، على توجيه الانتقادات لسورية لأنها حليف لإيران وحزب الله، ويبرّرون مواقفهم العدائية منها، واستهدافهم لها بسبب ذلك.

اليوم مع اقتراب موعد توقيع الاتفاق حول النووي الإيراني تتغيّر مواقف الولايات المتحدة، وتحتلّ إيران الموقع الذي كانت تحتله سورية، أيّ يوجّه الانتقاد واللوم، وتهاجم إيران لأنها تقيم علاقات مع الدولة السورية وتدعم هذه الدولة. فقد جاء في التقرير السنوي الذي أعدّته وكالة الاستخبارات القومية الأميركية الذي صدر بتاريخ 26 شباط 2015 حرفياً: «إنّ الجمهورية الإسلامية هي تهديد متصاعد للمصالح القومية الأميركية بسبب دعمها لنظام الرئيس بشار الأسد، وسياستها المعادية لإسرائيل، وتطوير قدرات حديثة».

واضح أنّ هذا التوصيف ينسجم مع واقع السياسة الأميركية الجديدة إزاء إيران، بمعنى آخر عندما كانت الولايات المتحدة تخوض مواجهة مفتوحة مع إيران، تعتبر طهران هي العدو الأول، وتحدّد مواقفها من الدول الأخرى بناءً على مدى قربها أو ابتعادها عن إيران. اليوم في ظلّ التغيير الذي طرأ على المواقف الأميركية من إيران مع اقتراب موعد توقيع الاتفاق بدأت عملية تهيئة الرأي العام الأميركي والغربي لتقبّل هذا الاتفاق وتقبّل التعامل مع إيران بطريقة تختلف عما ساد منذ انتصار الثورة الإيرانية وكنس النفوذ الأميركي من إيران. واقتضت هذه العملية أولاً حذف صفة الإرهاب ودعم الإرهاب عن إيران وعن حزب الله في تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية القومية، لأنّ إلصاق تهمة الإرهاب أو دعم الإرهاب بإيران وحزب الله لم تعد ممكنة، وهما اللذان يخوضان أشرس المعارك ضدّ التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق إلى جانب التحالف الغربي، بل إنهما يقومان بجهد يفوق جهد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تقتصر أعماله على توجيه ضربات جوية إلى مواقع «داعش» لم تؤثر أبداً على مواقع سيطرته، وتهديده لمصالح الغرب والولايات المتحدة، والدول الحليفة لـه. فتقرير الاستخبارات القومية عام 2015 له وظيفة مزدوجة، فهو من جهة معدّ لتهيئة الرأي العام الأميركي والغربي لتقبّل الاتفاق مع إيران، والتخلي عن سياسة المواجهة المفتوحة معها، ومن جهة أخرى يعكس حقيقة أنه بات من الصعب وصف إيران وحزب الله بالإرهاب في الوقت الذي يحاربانه أيّ الإرهاب بقوة أكبر من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

والاستبدالية في الخطاب الأميركي حول سورية وإيران، حيث باتت سورية تحتلّ اليوم موقع إيران، تأتي في سياق هذه السياسة الجديدة، لكن مثلما فشل التركيز على إيران وحزب الله من النيل من قوة وفعالية منظومة المقاومة والممانعة وتحقيق هذه المنظومة المزيد من التقدّم رغم المعارك القاسية التي خاضتها والتضحيات الكثيرة التي قدّمتها، فإنّ المنظومة قادرة بوحدتها ودعمها المتبادل على إفشال الحلقة الجديدة من السياسة الأميركية العدائية لهذه المنظومة التي وضعت سورية في موقع إيران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى