سلاح البترول العربي… الخديعة الكبرى
فراس محمد
يذكر إريك لوران في كتابه المثير: «الوجه المخفي للبترول» la face cach e du p trole ditions pocket 2006 ، معلومات مثيرة جداً عن تاريخ البترول منذ اكتشافه واستثماره من قبل الشركات العالميه الكبرى ويشرح أهميته الاستراتيجية بالنسبة إلى الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية واستخدامها للبترول السعودي لتحريض وتسريع انهيار الاتحاد السوفياتي.
الكتاب هو عبارة عن تحقيقات مهمّة لصحافي محترف جال بقاع الأرض، والتقى شخصيات محورية واطلع على تقارير ومعلومات أساسية وخاصة عن حربي الخليج واحتلال العراق.
تفاصيل، منها معروف، تبيّن طريقة تعامل مشايخ الخليج وشاه إيران مع البترول كثروات خاصة، وتفاصيل أخرى أقلّ انتشاراً…
ففي الصفحة 189 يذكر الكاتب أنّ البترول يمثل 95 في المئة من دخل السعودية منها 20 في المئة مخصّصة للعائلة المالكة التي تتشكل من 8 آلاف أمير تخلط بين مصالحها الخاصة ومصالح الدولة.
ويذكر لوران أنه في عام 2001، دُعي بندر بن سلطان، الذي كان حينها سفير المملكة في واشنطن، إلى مؤتمر سينقل مباشرة على التلفزيون الأمريكي. ويقول: «هذا الشخص المسمّى بندر بوش، بسبب علاقاته القوية مع الرئيسين بوش الأب والابن، وبإجابته على سؤال عن اتهامات فساد تطال العائلة المالكة يجيب بلا تردّد: «هذه العائلة صرفت حوالي 400 مليار دولار لتطوير المملكة، فإن قلتم لي إنّ 50 ملياراً ضاع في عمليات فساد، أجيبكم: وما أهمية ذلك؟»
هناك الكثير من المعلومات المهمّة والوقائع المثيرة التي تستحق الرجوع إليها، لكنني وجدت من الضروري التركيز على قضية تركت أثراً عميقاً في وجدان المواطن العربي البسيط، مثلي، لا بل كانت من أسباب فخره وأحد أسباب الجدال والدفاع عن هذه العائلة، ألا وهي ما سُمي «استخدام سلاح البترول في حرب تشرين 1973» وموقف المملكة، في شكل أساسي، منها.
وإليكم التفاصيل:
في 14 تشرين الأول، أخفقت المفاوضات بين دول منظمة OPEP الدول المصدرة للبترول وبين شركات البترول صفحه 15 .
في 16 منه، قرّرت 6 دول السعودية، إيران، الكويت، العراق، أبو ظبي وقطر ومن طرف واحد، رفع أسعار البترول من 2 إلى 3.65 دولار.
بعد عشرة أيام، اندلعت حرب تشرين بمهاجمة الجيوش المصرية والسورية «دولة إسرائيل».
في 17 تشرين الأول، وكانت حينها الحرب لا تزال مستمرة، قرّر وزراء بترول الدول العربية الأعضاء في OPEC فرض حظر على الشكل التالي: تخفيض 5 في المئة من الإنتاج. وحدّد الإعلان النهائي والذي كتب فقط بالعربية، أنّ هذه النسبة ستطبّق كلّ شهر على الشهر الذي سبقه وبالتالي نسبة 5 لا تبقى 5 حتى خروج «الإسرائيليين» من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 والاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني.
بالنسبة إلى الكاتب، يتوافق الحدثان زمنياً، بالرغم من عدم وجود أي علاقة مباشرة بينهما. فرفع الأسعار هو نتيجة لمفاوضات طويلة وصعبة بينما الحظر، ووفق كلام الأمين العام للدول العربية المنتجة هو «للفت انتباه الرأي العام العالمي والشعوب الغربية إلى مشكلة الشعوب العربية مع إسرائيل».
الموضوعان ليسا مترابطين ولكنها كانت فرصة لفرض رفع الأسعار!
في 19 تشرين الأول، صار الحظر نافذاً، وأعلنت السعودية تخفيض إنتاجها بنسبة 10 في المئة وإيقاف تصديره إلى الولايات المتحدة وهولندا، بسبب مساندتهما لـ«إسرائيل».
لكنّ الكاتب يثبت أنّ ما سمي «صدمة البترول» عام 1973، هو في جزء كبير منه مصطنع: «إنّ صدمة البترول ونتائجها هي في الحقيقة مصطنعة وفي جزء كبير منها خديعة كبرى نظمت في شكل ناجح جداً»، وفق الكاتب.
لنفحص الحقائق:
في 19 تشرين الأول، وعند دخول الحظر حيز التنفيذ، أعلن الرئيس الأميركي نيكسون عن مساعدة عسكرية لـ«إسرائيل» بقيمة 2.2 مليار دولار، وكان قد سمح منذ الثامن منه، بجسر جوي عسكري لمساعدتها. جسر جوي كثيف بالرغم من عدم التوصل إلى وقف إطلاق نار. كان ذلك كافياً ليثير غضب الدول العربية ويدفعها إلى التصعيد ولكن للأسف، هذا لم يحصل!
رفع الحظر بعد 3 أشهر وكأنّ شيئاً لم يكن، ومن بدون معرفة مدته وحقيقة تطبيقه وسبب رفعه، وخصوصاً في ظلّ عدم تحقيق أي مكاسب سياسية من تطبيقه.
يضيف الكاتب، أنه وبعد تحقيقات وزيارات للدول المنتجة والولايات المتحدة، توصل إلى حقائق امتنعت الصحافة عن ذكرها في شكل مريب، وأكثرها إثارة للدهشة هو أنّ الملك فيصل كان دائماً معارضاً لاستخدام البترول كسلاح سياسي ولم يوافق على هذا القرار إلا بعد تردّد شديد حتى لا يجد نفسه معزولاً. أكثر من ذلك، يقول الكاتب إنّ أشخاصاً في شركات البترول أخبروه أنّ السعودية لم تطبق قرار الحظر أبداً، حيث كانت تبيع البترول للدول المحظورة من خلال شركات مستقلة
الحقيقة بعيدة كلّ البعد عن الأسطورة، ففي 1973 لم يكن هناك حظر حقيقي ولم يحصل نقص حاد في البترول إلا بلعبة من الدول المنتجة والشركات الكبرى. وهي ليست إلا خديعة أضاعت فلسطين وتستمر في إضاعة ما تبقّى!
مغترب سوري