هولاكو يحاول طمس معالم التاريخ والإتجار به

مرفان شيخموس

دفع قرار مجلس الأمن الدولي بتجفيف المصادر المالية لتنظيم «داعش» عدداً من المحللين والمتابعين للشأن الاقتصادي للتنظيم إلى طرح العديد من الأسئلة.

ما هو مدى إمكانية المجتمع الدولي لمحاربة التنظيم اقتصادياً؟ وهل توجد أسس وقواعد وبيانات واضحة ومتفق عليها دولياً للتضييق المالي والاقتصادي على التنظيم؟

لا يختلف الكثير من المحللين الاقتصاديين على المصادر المالية للتنظيم، لكنّ التركيز الأهم في الوسائل الإعلامية هو على الأرباح الهائلة التي يحققها التنظيم من عمليات نهب وبيع البترول السوري والعراقي، وقد حظيت التقارير عن هذه الأرباح بأهمية بالغة في الوسائل الإعلامية والملتقيات والمؤتمرات الدولية كافة.

ولكنّ المحللين تناسوا أنّ تنظيم «داعش» يقوم بنهب كميات كبيرة من الآثار في كلّ من سورية والعراق ويتاجر بها وأنّ هذه التجارة تحقق له الملايين من الدولارات في كلّ صفقة، لذلك أصبح أغنى تنظيم إرهابي، على المستوى العالمي، فى الوقت الذى ما زالت فيه الولايات المتحدة تضع خططاً لقطع التمويل عنه.

أثار الشريط المصور الذي تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي وكثير من الوسائل الإعلامية والذي يظهر عناصر من التنظيم يدمرون، بالمعاول، محتويات متحف مدينة الموصل التي تعود إلى الحضارتيين الآشورية والأكادية موجة غضب في الأوساط السياسية والشعبية والدولية، مع العلم أنّ الأمم المتحدة كانت قد أصدرت قراراً فى عام 2003، يجرّم المتاجرة بآثار العراق، بعد أن اتسعت عمليات النهب عقب الغزو الأميركي، وقد استطاع «داعش» خلال السنتين الأخيرتين، تمويل نفسه من تهريب الآثار التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين. فكيف تطورت عمليات التنقيب وبيع الآثار من قبل عناصر التنظيم؟

فى البداية كان تنظيم «داعش» يطلب من أشخاص يقيمون فى المناطق التي يوجد فيها آثار، بالتنقيب عنها وتسليمها إليه مقابل إعطائهم خمس قيمتها، بعد ذلك طور التنظيم عمليات النهب بأن كلف مقاولين بالتنقيب عن الآثار لحسابهم، وفي النهاية استغنى التنظيم عن الوسطاء وبدأ يقوم من خلال أفراد تابعين له باستئجار عمال يقومون بالحفر لاستخراج الآثار من الأرض، وبدأت تظهر معظم القطع الأثرية التي نهبها التنظيم في الأسواق الدولية حيث يتم بيعها بمبالغ خيالية.

أظهر الخبراء زيادة في الواردات الأميركية للممتلكات الثقافية العراقية بنسبة 61 في المئة بين عامي 2011 و 2013، ما يوحي بزيادة الاتجار بالقطع الأثرية العراقية في أميركا.

وفي هذا السياق، بثت هيئة الإذاعة الألمانية NDR تحقيقاً يوثق، بالأدلة، أنّ الآثار العراقية في الشمال نهبت من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة، وبيعت في ألمانيا بعد إيصالها عن طريق تركيا. وكشف التحقيق، كيفية تهريب هذه الآثار، وخصوصاً تلك المصنوعة من يدوياً والتي خضعت لعملية غسل وتعقيم وتنظيف لإزالة الأتربة عنها ومن ثم بيعها في السوق المفتوح.

وكان لدول الخليج نصيب ليس بالقليل في هذا المجال، حيث وصلت دفعة من القطع النادرة، بحسب التحقيق المنشور، إلى دول خليجية هي في الأساس مشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ التنظيم.

وقال ميشيل فان راين، وهو أحد أكبر مهربي القطع الأثرية في العالم وصاحب أكبر مجمع للقطع الأثرية والمطلوب للشرطة الدولية «إنتربول»: «نجح تنظيم داعش في تمويل نشاطه بواسطة التجارة بالقطع الأثرية النادرة التي يعود عمرها إلى القرون القديمة».

وأشارت وكالة المخابرات العراقية إلى أنّ تنظيم «الدولة الاسلامية» جمع 36 مليون دولار من مبيعات التحف التي يعود عمرها إلى آلاف السنين، في حين لفتت منظمة «يونسكو»، إلى «أنّ العراق لديه 4500 موقع أثري قديم، يضمّ أكثر القطع الأثرية القديمة النادرة التي تعود إلى آلاف السنين، وقد تعرض بعضها للنهب بعد هجمات الجماعات الإرهابية.»

هنا يطرح السؤال الأهمّ: هل ستبقى محاربة التنظيم اقتصادياً حبراً على ورق ومجرد ردود أفعال إعلامية لا غير، أم أنّ السياسة لدى الأوساط كافة تبقى أهمّ من الدلائل والحقائق المثبتة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى