النفط غبي لا يستحي والحوثيون حكماء ولا يخافون
ناصر قنديل
– في سجل النفط الخليجي من الجرائم والخيانات ما تسوَدّ له الوجوه، لكن النفط بطبيعته وأصل وجوده وجهه أسود، وأصحابه بعدما تحوّلت حياتهم إلى اعتماده بديلاً للدم يجري في شرايينهم، صارت وجوههم سوداء، بما لا يغيّر فيه تغيّر المناخ العالمي، وانتقالهم إلى بلاد تكسوها الثلوج مدى أيام السنة. والنفط يمتهن القتل، ولذلك لا يخجله أن يكون المموّل والمشغّل لحرب إبادة العراق قبل أكثر من عقد، ولا أن يتحمّل عبء المآسي التي لا يزال أطفال العراق يتناقلونها، منذ ذلك الحين، والنفط لا يخجل من كونه قد باع فلسطين، وهو يباهي باستقبال أصحابه لمدير الاستخبارات «الإسرائيلية»، تحت عنوان التنسيق، ولا في أن يكون قد نطق أثناء حرب تموز على لبنان، بمناشدة «الإسرائيليين»، اسحقوا عظامهم واضربوهم بلا هوادة ولا توقفوا الحرب، كما فضحته تسيبي ليفني يومها، والنفط لا يستحي من أنه موّل ويموّل حرب القتل العشوائي والدمار والخراب في سورية، ولا من أنه سلّم ما فوق الأرض وما تحتها للأجنبي، ومعهما سلّم لحيته وشرفه وقراره وسيادته، والنفط يتباهى عندما يخلع ثوبه التقليدي وينفق ماله في الأندية الليلية للمدن الغربية فجوراً وقماراً وموبقات. لكن النفط صار محترف رؤية مشهد الدم الأحمر القاني يسيل في شوارع المدن الأصيلة، مستخدماً من نشر في عقولهم جراثيمه وبراغيثه، وزنّرهم بعبوات الموت ووزعهم بالتساوي على كلّ البلاد، للتمتع برؤيتهم ينشرون الموت بلا حساب، ودرّب بعضاً من مرتزقة الغرب المحترفين لاستعمال السكاكين المبهرة، في مشاهد مصوّرة لعمليات ذبح «شرعي»، ترافقها صرخات التكبير، ليصير أكل لحم البشر حلالاً، لمن أدمنوا الانتماء لأكلة لحوم البشر، للتيقن فقط من أنهم ليسوا من جنس البشر.
– لكن النفط غبي، فهو مجرّد رقم في البورصة، يستأنس بالمضاربة صعوداً وهبوطاً، فيظنّ نفسه يرى العالم من فوق ومن تحت، ولا يرى تحت السعر الذي يبلغه ولا فوقه، فيتوهّم أنّ الحبر شقيقه الصغير، لأنّ لونه الأسود، وهو لا يعرف أنّ للحبر ألواناً، وأنّ قيمة المحابر بالريشة واليد التي تمسكها، فكلما سوّدَ له بعض محترفي فرك الكفوف، كلاماً يرضيه توهّم أنه فك عقدة نقصه مع الثقافة، وصارت ملك يمينه، وهو غبي لما يظنّ كلّ شيء في الدنيا مثله، له سعر في البورصة، فأقام بورصته الخاصة للأسماء والبلدان، وحدّد لها أسعاراً، وراح يعرض للبيع والشراء، فحيث جرّب حظه تكسّرت أنيابه، وتفجّمت جمجمته، فلم يفلح منذ وجد في خوض حرب وربحها، ولم يتخذ قراراً بتثبيت حاكم وبقي، ولا قرّر إطاحة حاكم ورحل، ولا رسم خطة فتنة وأصابت. لقد مسّه إبليس لكنه حرمه من سحره وسرّ قوته، هو عفريت الشرّ المسخ، وليس فيه من قوّته المزمجرة ولا من ريحه العاتية، فلذلك ينظر إليه زملاء السوء بازدراء باعتباره أتفههم، وأكثرهم مدعاة للسخرية والضحك، وهو طبل فارغ كبرميل يملأ للبيع من روحه.
– يقرّر النفط أنّ معاركه الفاشلة قد فقدت بريقها، ويدرك أنّ لحيته الصفراء علامة شيخوخة وعجز، فيقرّر أن ينكفئ لأقرب الساحات لينطفئ بإشعال النيران، ولا ينسى أن صاحبه الحقيقي هو يماني، سُلبت منه أرضه، وسُرق بعض من لسانه العربي، وانتُحلت صفته في الحسب والنسب، فيصير طريق الانتقام من التاريخ اليمن، وباب الثأر من الجغرافيا اليمن، وعنوان اللعنة على العدد والماء والخضرة والسوق هو اليمن، فيفخخ بهلولاً تلو بهلول ويدير محركاتهم الخلفية، كعقارب الساعة، ويتركهم يتجهون نحو اليمن، فلم يبق في اليد سوى الموت بلا سبب وبلا ثمن وبلا قيمة ولا هدف، الموت للموت، لأنّ النفط برائحته الكريهة يحسد كلّ شيء يوحي بالحياة، فقد شعر بدنوّ الأجل، وتعويذة الموت يمنية.
– يسقط الشهداء، في صنعاء، فتقوم المواكب، وتنهض بهم بهدوء وسلام، فلا مكان للفتنة، ولا مكان للعشوائية في الثأر، والانتقام، فكلاهما آتٍ وحده، بلا تخصيص، الحوثيون ينزفون وهم واقفين، فهم قوم شجعان، ينزفون ولا يبكون ولا ينتحبون، يدفنون شهداءهم ويمضون، فالطريق طويل، والهدف بعيد، وسموّ الطريق من سموّ الهدف، فقد آن أوان أن يستردّ أصحاب نجد ونجران أرضهم السليبة، وأن تعترف التجارة لأسيادها، وأن يعود العبيد إلى سوق النخاسة، وصار الوقت لإطلاق صرخة بلوغ الهدف، من دون الالتفات إلى التضحيات، الوقت للعقل وليس للغريزة ولا للعاطفة ولا للعصبية والأعصاب، والعقل حكمة والحكمة يمانية. والحكمة اليمانية تقول: إنْ كنت نائماً وسقط في فراشك خنجر فلا تتحرك، وتعلم النظر بأذنيك، وأغمض عينيك جيداً وتمعّن بصوت الأقدام، وعندما تدنو أنفاس الغدر من وجهك بادر إلى الطعن في الصدر. والحوثيون يعرفون ما يفعلون، حكماء هم، وهم لا يخافون، يسقطون مئة تلو مئة ويكملون الطريق إلى يثرب، وبعدها تعود رسالة نبي العرب رحلة في الصيف ورحلة في الشتاء، وتستقيم البوصلة إلى الشام.