مدارات اليمن ومعركة التحرر
بقلم: أحمد الخزان – اليمن
من يراقب الوضع في اليمن عبر وسائل الإعلام المظللة يجد حرباً أهلية تلتهم الأرض والإنسان، رئيس يقدم استقالته بمحض إرادته ومن ثم يهرب إلى عدن ويعلن تراجعه عن قرار الاستقالة! الثوار يرفضون تراجع الرئيس عن قرار الاستقالة ويعلنون عن بيان دستوري ينظم للناس حياتهم وأمنهم واستقرارهم، اضطرابات هنا وأزمة هناك، حوارات واتفاقات في الليل واختلافات ومجازر بالنهار، رائحة الدماء تملأ الشمال والجنوب، قرابة 140 شهيداً ومئات الجرحى بصنعاء ومئات الشهداء من منتسبي القوات المسلحة والأمن في عدن ولحج وغيرها الأسبوع الماضي.
القاتل يرتدي أكثر من وجه والضحية واحده هو اليمني بتعريفه الوطني العام وليس بلونه المذهبي أو الطائفي.
الوضع مشوش ومربك أمام المراقبين وحملات إعلامية وشحن طائفي شرس وتحشيد للجماعات التكفيرية في الداخل والخارج وبإشراف إقليمي وأممي مفضوح.
وكلما اقتربنا أكثر من أرض الواقع تتضح الصورة أمامنا أكثر ويكتشف الباحث عن الحقيقة أن ما يحدث ليست حرباً أهليه..!!
بل هي أكثر من حرب شاملة تقودها السعودية وأميركا ومن ورائهم «إسرائيل» وبمباركة وتأييد دولي هدفها الرئيسي هو معاقبة الشعب اليمني الذي أراد له الله وأراد لنفسه أن يتحرر ويخرج من تحت عباءة العبودية والتبعية والوصاية الخارجية ولكن للأسف الشديد معاقبته تتم بأدوات محلية لا تتورع عن استخدام كافة الوسائل الإجرامية القذرة متجاوزة كل القيم والأعراف والقوانين السماوية والإنسانية.
فلم يكن مجرد مصادفة تصريح تركي الفيصل مؤخراً من لندن الذي قال فيه: أن بلاده مستعدة لتقديم الدعم المالي والسياسي وللتدخل العسكري للمحافظة على شرعية هادي الرئيس المستقيل والهارب من صنعاء ليقود العقاب الجماعي على اليمن أرضاً وإنساناً وإلى جانبه بعض القوى السياسية التقليدية المترهلة من خلال نشر «القاعدة» في الجنوب تحت مسمى اللجان الشعبية، وتسليمهم المعسكرات وإرسال أدواتهم لقتل الأبرياء في الشمال، ويمدونهم بالسلاح والمال ويطلقون عناصرهم من سجون عدن في لعبة قذرة باتت مكشوفة، وتبادل للادوار فريق يفاوض في الموفمبيك وفريق يعرقل ويماطل محاولاً إطالة الحوار لمنح تلك العناصر الإجرامية الوقت الكافي لترتيب أوضاعها، بالإضافة إلى فريق يحرض في المساجد، وآخر يعطيهم الغطاء الاعلامي والسياسي، وكل هذا يأتي في استهداف واضح وممنهج للثورة اليمنية وإعلان حرب شاملة ضد الشعب الذي لن يسكت طويلاً.
فتسليم هادي معسكرات القوات الخاصة لـ«القاعدة» في عدن جريمة ستكون لعنة أبدية تضاف الى لعنات اصابته والتي سلم خلالها لـ«القاعدة» في العام الماضي معسكرات ومؤسسات أمنية وعسكرية سابقة في الشمال والجنوب فحاضر هادي يفضح ماضيه ومن يصطف إلى جانبه.
عقول فارغة وبالونيه تلك التي تعتبر هروبه نصراً بعد أن انتحر مرتين الأولى عند تقديم استقالته والثانية هي بهروبه بعد أن انتهاء شرعيتة والذي أصبح من يومها قائداً لفصيل من فصائل «القاعدة» التي هدفها الأساسي تدمير اليمن عموماً والجنوب خصوصاً والقضاء على قضيته العادلة والمحقة.
وبالعودة إلى حديث الفيصل عن استعداد بلاده للتدخل العسكري فباعتقادي أنه بالغ كثيراً في ذلك فلقد جربت الجارة المواجهه العسكرية مع أبناء الشعب اليمني وخسرتها مراراً ولذلك فهي اليوم تلجأ إلى أساليبها المعتادة، وورقتها الأخيرة بعد خسارتها لجميع أوراقها ولحلفائها التقليديين الذين لفظهم الشعب في الـ21 من أيلول وتتمثل ورقتها الأخيرة في إثارة الفوضى والتفخيخ والتفجير والاغتيال واستهداف السياسيين والمفكرين والعلماء والأكاديميين والكوادر والرموز الوطنية وكل من يرفض الركوع لجلالتها الورقية التي ستذروها الرياح في حال إستمرارها في تجبرها وغطرستها وتسخيرها لمال شعبها وخيراته في سبيل خدمة أهواء حكامها ومن ورائهم أميركا و»إسرائيل»، وتحويل وسائل إعلامها إلى غرفة عمليات تدير منها الأزمات وتوجه من خلالها عملائها وعناصرها الإجرامية لسحق هويات الشعوب ذات الهوية المتأصلة، فهي تحمل العداء لكل شعب عريق له تاريخ وحضارة لافتقارها إلى ذلك.
كل هذا يأتي في محاولة منها لتضع الشعب اليمني أمام خيارين: إما أن يعود إلى أحضان رقها والقبول بالعبودية المطلقة لها والرضا بالحكومة التي تمنحها شرعيتها أو أن يواجه ما يواجه.
فعن أي شرعية لهادي يتحدث الفيصل، فلا شرعية اليوم سوى الشرعية الثورية الشعبية التي لن يتمكن أحد من الالتفاف عليها أو قهرها أو مصادرتها. فالشعب اليمني أصبح يعي ويدرك كل ما يحاك ضده من مؤامرات وأضحى يعرف واجبه ومسؤوليته ومستعداً للتصدي لها، فمعركته القادمة هي معركة عسكرية وفكرية واقتصادية.
فالمعطيات تشير إلى أنه بات مهيئاً لاستكمال خياراته الثورية في أسرع وقت لإنقاذ الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره، والتي ستصفع المتآمرون بمفاجئاتها ولن يحصدوا معها الا مزيداً من الهزائم، وأن محاربة هؤلاء في عقر ديارهم بات أمراً حتمياً وضرورياً لا تراجع عنه مهما بلغت التضحيات، فلم يعد سفك دمه يثنيه عن مواصلة ما بدأه وإنما يكسبه قوه ومناعة وعزيمة للتصدي لأي مؤامرات تحاك ضده.
فالشعب اليمني دائماً ينتصر بدمه، فمثلما كانت كل الدماء التي سقطت سابقاً وبالاً على المجرمين ومن يخدمهم فستكون الدماء التي سفكت مؤخراً في الشمال والجنوب ايذاناً ببدء مرحلة جديدة من الانتكاسات المؤكده للمشروع الاميركي السعودي الصهيوني في اليمن…
صحيح هناك اصطفاف دولي واقليمي ضد الشعب اليمني يهدف لجره الى صراع طائفي
والشعب اليمني سيصطف مع نفسه والله معه لدحر هذا التآمر … والله غالب على أمره.