أيتها الأم… أنت الحياة وربّة الشِّعرِ بالفطرة والتكوين!
نصار إبراهيم
الأم شاعرة الوجود بفطرة الدور والتكوين والطبيعة…! وإلا كيف كان لها أن تواصل بدأب مدهش تقديم الحنان لنا كلّ صباح وكلّ مساء، وعلى مدار العمر، على رغم تفاهاتنا وسخافاتنا وحماقاتنا ومشاكساتنا… كيف لها ذلك لو لم تكن تشعر بحسّها الأنثوي الأقصى بتوازن نصّ الحياة ومعناه… إيقاع الموسيقى في ملحمة الولادة والرضاعة وخصب العطاء، كيف تكون كذلك لو لم تدرك كنه الحالة الشعرية الأزلية للوجود… ولهذا فهي ومنذ الخلق الأول تواصل كتابة الشعر على طريقتها… هي ربة الشعر الأولى… وبسبب هذه الخافية الأزلية في سرّ الوجود، فما أن يبدأ أحدنا أولى خربشاته أو خطواته الشعرية أو الأدبية حتى يعود أولاً وقبل أي شيء إلى تلك البئر الأولى وفضائها الذاهب نحو البدايات، ليغرف منها شحنة إحساس تشكل الدفعة الابتدائية لأبجدية الشعر وأسراره… لهذا فنحن ننكص أولاً ونعود إليها ومن هناك نبدأ رحلة الصعود والقيامة…
يورق قلبها ويزهر لتعيد دورة البقاء… تنهض فينهض معها الفرح… تتألم وتنهض… تسمع… تصغي… تصمت… تطرق… لكنها لا تحيد عن ذاتها… وعندما تعاندها الحياة واللحظة والسلوك… تهمس: سيأتي يوم ما وستفهمون…
نكبر… ونبدأ بمحاولة الفهم… حينها تبتسم فتفيض عذوبة… بأفراحها وأحزانها وأمنياتها وآمالها… لكن الكثيرين لا ينتبهون… بأنّ الأم… ليست إنساناً فوق الطبيعة… لأنها هي إنسان الحياة… وما لم ندرك ذلك… ستبقى الأم تحوم في عقولنا ما بين الخيال والمقدس من دون أن نخفف عليها… هي تريدنا أن نراها كإنسان بكلّ أبعادها… هي ليست معبداً… أو أيقونة… بل إنسان يفيض بالمشاعر في كلّ اللحظات… إذن هي ليست رمزاً لمناسبة… نقوم بتذكرها لنخفف من شعورنا بعقدة النقص والعجز تجاهها… بل هي تفاصيل الحياة اليومية المستمرة كنهر دائم الجريان… هناك تجد ذاتها… ولكي نبهج الأم وننعش قلبها علينا أن نتعلم التعامل معها كأم، زوجة، حبيبة، شقيقة، ابنة، صديقة، زميلة، عاملة، مقاومة، موظفة، معلمة، طالبة… لأنها كلّ ذلك مرة واحدة وليس بالتقسيط… عندما نتعلم كلّ ذلك حينها سنعرف معنى الأم الشمولي… وغير ذلك هي مجرّد لحظات عاطفية لن تخفف على الأم/المرأة أحزانها وتعبها… ولن نرتقي إلى مستوى أحلامها وطموحاتها التي ليس لها حدود… ولن ندرك سرّها كأصل البداية والصيرورة… بكلّ ما لها وما عليها…
فهل نتعلم!؟