دمشق تسقط طائرة أميركية وواشنطن ترسل إشارات ملتبسة تلوّح بالخيار العسكري

بلغت اهتمامات مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية بالانتخابات «الاسرائيلية» معدّلات غير مسبوقة، على خلفية تأزّم العلاقة الشخصية بين الرئيس أوباما وبنيامين نتنياهو.

إسقاط سورية لطائرة دورنز أميركية متطورة يستوجب البحث في مدلولاته وأبعاده السياسية والاستراتيجية، والتفاعلات المترتبة إقليمياً عليه.

سيتناول قسم التحليل سلاح طائرات الدرونز الاميركية، ببعديه السياسي والتقني ومواكبة التصريحات السياسية «الملتبسة» لوزير الخارجية جون كيري بإعادته الاولوية للحلّ السياسي في سورية. في البعد التقني، نسلط الأضواء على مفاضلة القيادات الاميركية لسلاح طائرات الدرونز وما يتركه من تداعيات على شحّ الطواقم البشرية المطلوبة لتشغيله، فضلاً عن تسخير طائرات حربية مقاتلة لحمايته أثناء تنفيذه المهام المرسومة.

سورية

حذر مركز الدراسات الاستراتيجية صناع القرار السياسي في الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، من استفحال خلافاتهما السياسية وابتعادهم عن «تحقيق الأهداف السامية»، مما ساهم في «إخفاق الجهود لبسط الاستقرار في العراق وسورية بل أدّت إلى بروز فراغ فكري في البعد الاستراتيجي». وأوضح أنّ الطرفين يتقاسمان المسؤولية في «عدم بذل جهود حقيقية لتحديد المطلوب استراتيجياً وتوفير الموارد اللازمة… إذ انّ استخدام القوة العسكرية هو خيار في أفضل الأحوال لا يتجاوز ثمة وسائل جزئية توظف لتحقيق بعض النتائج » كما انّ الطرفين «إدارة الرئيس اوباما والكونغرس… أثبتا فشلهما الذريع في إدارة الأزمات».

في الذكرى الرابعة لإشعال فتيل الحرب وتدمير مرافق الدولة السورية، لفت معهد كارنيغي الأنظار إلى فشل الأطراف المنخرطة في الصراع في تحقيق أهدافها، نظراً إلى سلسة «أخطاء ارتكبتها السياسة الخارجية الأميركية والتي تاريخياً أسفرت عن نهايات فوضوية» للحروب التي قادتها الولايات المتحدة. وأضاف انّ من أهمّ العوامل هي ما حذر منها بعض النخب الفكرية، لا سيما شهرية «فورين أفيرز،» عام 2010 بأنّ «عاملي مركزية الأنا الاميركية المتنامية وثقتها المفرطة» بقوتها العسكرية، واللذين أدّيا إلى غياب القيود الداخلية والخارجية لكبح مسلكها. وأوضح أنّ «مغالاة أميركا في طموحها أدّى إلى انخراطها في حروب من دون توفر خطة طويلة الأمد لوضع نهايات لها… ونتائجها الكارثية» على البلدان المستهدفة، إذ «دخل الصراع في سورية عامه الخامس… وتحوّل إلى حرب من أكثر الحروب دموية وتعقيداً في التاريخ الحديث للشرق الأوسط». وأقرّ المعهد متأخراً بارتكاب «اللاعبين الخليجيين وتركيا… حسابات خاطئة وبالغوا في قدرة «المجموعات الجهادية» واصطدموا بقدرة النظام السوري على الصمود».

فلسطين

جدّد المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي اهتمامه بدراسة «الآثار العسكرية التي ترتبت على العدوان الإسرائيلي على غزة»، العام الماضي، معتبراً انّ استراتيجية المقاومة الفلسطينية ممثلة بحركة حماس كما وصفها شكلت «نمطاً قتالياً جديداً يهدّد بتقويض فعالية استراتيجية القوات العسكرية التقليدية». وناشد صناع القرار الأميركي «سياسيين وعسكريين ضرورة أخذ ذلك بعين الاعتبار واتخاذ التدابير المطلوبة لدرء العواقب الخطيرة التي تهدّد الأمن القومي الأميركي».

تونس

اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية انّ الهجوم الإرهابي الذي تعرّض له متحف باردو في العاصمة التونسية ينبغي ان «يذكّر الجميع بأنّ البلاد لا تزال عرضة لمساعي المجموعات المتطرفة تجنيد» عناصرها، لا سيما أنّ «ضعف الإجراءات الأمنية المتبعة وتخبّط الحكومة بعد الثورة التونسية أسهمت في إيجاد هامش حركة للمجموعات المحلية المتطرفة مكنها من توسيع قدراتها وساحات نشاطاتها». وأضاف أنه على الرغم من اعتقال الحكومة لنحو 1.500 عنصر متطرف العام الماضي، الا ان «تونس تواجه عدداً من التهديدات من جبهات عدة.»

إيران

ناشد المجلس الأميركي للسياسة الخارجية أعضاء الكونغرس التدخل العاجل لمنع الإدارة الأميركية من إبرام اتفاق نووي مع إيران، معللاً انّ «القلق يساور أغلبية الأميركيين… الذين يميلون إلى مطالبة الإدارة باتخاذ سبل مراقبة متشددة»، كما باستطاعة «الكونغرس الضغط على البيت الأبيض للتقيّد بشفافية أكبر والإفصاح بدقة عما تعهّد به للجمهورية الاسلامية، وتداعيات ذلك على أمن الولايات المتحدة وحلفائها». وطالبهم بوضوح «التحلي بالإرادة السياسية ومطالبة الإدارة بإفساح مقعد خاص بالكونغرس على طاولة طاقم السياسة الايرانية…»

تركيا

توجُّه تركيا إلى عقد صفقة صواريخ مع الصين أثار قلق العديد من أنصارها في واشنطن، مما حفز صندوق مارشال الالماني على التشكيك في «أهداف أنقرة النهائية، خاصة في ظلّ مطاطية خطابها السياسي في السياسات الدولية مؤخراً… فضلاً عن عدم إدراك ساستها حقيقة التداعيات السياسية…» وأضاف أنّ ما تقوم به تركيا يمكن وصفه بانتهاج «استراتيجية مزدوجة لتحصين» النفس على حساب دول حلف الناتو «بغية الضغط على الدول الغربية لعرض افضل». كما اعتبر الصندوق أنّ القرار التركي له أبعاد داخلية تتمحور حول «النية لانتهاج سياسة خارجية مستقلة… بيد انّ السؤال الحقيقي هو الى أيّ مدى تستطيع انقرة الذهاب في لعبة المقايضة في ظلّ امتناع حلفائها الغربيين عن الرضوخ لمطالبها وأولوياتها الخاصة». وأضاف محذراً انّ «المشروع يمثل نقطة التقاطع بين أولويات تركيا لتحديث دفاعاتها وتوجهها السياسي والتزاماتها نحو حلف الناتو».

الصين وأفغانستان

لفت معهد كارنيغي أنظار صنّاع القرار السياسي الأميركي الى «تكثيف الصين لجهودها الديبلوماسية» وتواصلها مع أفغانستان لدعم إرساء الاستقرار، مناشداً «البحث في حقيقة المصالح المحفزة للصين» في هذا الصدد. وقال انّ الصين «لا تنوي ملء فراغ سياسي جراء انسحاب القوات الاميركية فحسب، بل التمهيد للعب دور مثمر في المسار التصالحي بين الحكومة الافغانية وحركة طالبان في المستقبل».

سورية تفرض خطوطها الحُمر

يلخص العنوان أعلاه تغطية وسائل الإعلام الأميركية، بشكل خاص، لإسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة أميركية من دون طيار، درون، ربما مسلحة فوق أجوائها، في 17 آذار الجاري رافقت ذلك تصريحات سياسية مثيرة للجدل لوزير الخارجية جون كيري يرجح فيها الحلّ السياسي التفاوضي، اعتبرها العديد من المراقبين ومناهضي الحرب بأنها إيجابية وإقرار بالمأزق الأميركي هناك. جملة تساؤلات تثيرها الحادثة، قد تبدو متناقضة في بعض جوانبها، لكنها تعبّر عن حقيقة الموقف الاميركي المراوغ الذي ما انفك يسعى إلى تطبيق «الخيار العسكري،» كما اصطلح على تسمية غزو وتدمير الدولة السورية.

أبرز تلك التساؤلات تتعلق بطبيعة الردّ الأميركي على «جرأة سورية وتحدّيها» للمشيئة الأميركية، لا سيما في ظلّ تصاعد مطالب ورغبة المسؤولين الأميركيين، خاصة في الكونغرس، بشنّ حرب شاملة على سورية لا تبقي ولا تذرّ.

النواحي العسكرية لطبيعة العملية وأهدافها والتسليح المستخدم الخ… قضايا هامة ومتشعّبة، وتقتضي الإلمام التامّ بهذا الجانب فضلاً عن امتلاك قدرة القرار او الإرادة للإفصاح عن تلك المعلومات. ما يهمّنا في هذا الصدد الإشارة إلى بعض الجوانب والأبعاد السياسية «لأول حادثة من نوعها بين سورية وأميركا» منذ أفول القرن الماضي والاستدلال على ما تختزنه القيادات الأميركية، السياسية والعسكرية، من نوايا مبيّتة.

تريثت القيادة العسكرية الأميركية للإقرار «بفقدانها» طائرة درونز، وما لبثت ان اعترفت بسقوطها لاحقاً بصاروخ سام-3، على الأرجح، عقب انتشار صور احتراقها على وسائل التواصل الاجتماعي واكبه جدل حول نقطة انطلاقها، أهي قاعدة الأزرق في الصحراء الأردنية؟ ام قاعدة أنجيرليك الأميركية في تركيا؟ وهل اتخذ القرار من قبل القيادة المركزية، التي تدير المعركة في سورية والعراق؟ ام من قبل قيادة أوروبا للقوات الأميركية؟

أدبيات وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون توضح المهام التي تستدعي استخدام طائرات الدرونز، في ثلاث حالات أساسية: توفير الدعم للقوات الأرضية انْ تعرّضت لهجوم بإطلاقها صواريخ وقنابل جو ارض توفير سبل استكشاف ومراقبة على مدار الساعة لبقعة جغرافية محددة والقيام بشنّ عمليات اغتيال من الجو ضدّ أفراد معينيين. التحكم بالطائرة يتمّ بشرياً عن بعد أو آلياً ببرمجة مسبقة لأجهزة الإطلاق.

تسليح طائرة الدرونز، من طراز ام كيو-9، الجيل الثاني، يشمل أسلحة مختلفة، من بينها قنابل ضدّ التحصينات موجهة بأشعة الليزر، بطرازيْها GBU-12 و GBU-38 صواريخ «هيل فاير،» صواريخ حرارية جو أرض صواريخ «سايدوايندر » وصواريخ «ستينغر» جو جو من طراز AIM-92 التي دخلت مرحلة التجارب الحية.

الناطق باسم قيادة القوات الجوية، بينجامين نوويل، القى مزيداً من التفاصيل حول القدرة التسليحية لهذا النموذج من طائرات الدرونز، ريبر ام كيو9، بالقول إنها تتفوّق على جيلها السابق بقدرتها على حمولة تصل الى ثمانية أضعاف حمولة طراز «بريداتور.» وأضاف انها ايضاً مزوّدة بجهاز استشعار «رادار ذي الفتحة الاصطناعية،» الذي يتميّز بدقته والتقاط صور لأهداف أرضية في كافة الظروف المناخية، لا سيما ليلاً. كما تتميّز «الريبر» بمدى تحليق أطول مرة ونصف عن سابقتها، وسرعة تحليق أعلى بمعدل ثلاث مرات، وحمل كمية أكبر من الوقود بمعدل ستة أضعاف.

الأبعاد المترتبة على إسقاطها أوجزها بعض مسؤولي البنتاغون بالتالي: بداية، تشكل طائرة الدرونز دليل جلي على استمرار العمليات الأميركية بجمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع «على الشواطئ الغربية لسورية… ومراقبة الشحنات المتعدّدة التي تصل إلى سورية عبر البحر»، ودليل ايضاً على فاعلية الدفاعات الجوية السورية التي «قد» تشكل تهديداً للطائرات المقاتلة وتلك بدون طيار العاملة داخل الأجواء السورية وانها «سقطت في نفس المنطقة الجغرافية التي أسقطت فيها المقاتلة التركية، 22 حزيران 2012.

البعض الآخر، في البنتاغون، أشار اليها كدلالة تصميم لاستخدام الضغط العسكري على سورية، بالتزامن مع بدء الولايات المتحدة وتركيا تدريب عناصر سورية جرى انتقاؤها بدقة أكبر من السابق. اللافت ايضاً انّ العملية نفذت مباشرة عقب انفضاض لقاء المبعوث الأميركي جون آلان مع المسؤولين الأتراك، وتأكيد الأول انّ الأهداف والاستراتيجية الأميركية في سورية لم تتغيّر، وتسعى بلاده للتوصل الى تسوية بالتفاوض في سورية اي استمرار المراهنة على إسقاط النظام.

إسقاط الطائرة تمّ في أجواء مدينة اللاذقية التي لم يسجل دخول ايّ عناصر لتنظيم «داعش»، او اي من تفرّعاته وتابعيه، مما ينفي بأنّ العملية تمّت في سياق جهود تحالف واشنطن ضدّ «داعش». ويرجح انّ مهمتها الحقيقية تكمن في أمرين: الأول، القيام بعملية استطلاع مكثفة في منطقة تدرك واشنطن أنها خاضعة لسيطرة الجيش العربي السوري بحماية مظلة الدفاعات الجوية، وتعزيز «سمعة» الصناعات الجوية الأميركية تجارياً أو الإعداد لشنّ عملية اغتيال ضدّ هدف او جملة أهداف مخطط لها مسبقاً.

تصريحات كيري: مراوغة أم حقيقية؟

في مقابلة متلفزة أجرتها شبكة سي بي اس مع وزير الخارجية، جون كيري، 15 آذار، أوضح أنّ بلاده تسعى إى تحقيق تسوية سياسية في سورية مما يستدعي إجراء مفاوضات مع الرئيس الاسد. كيري الديبلوماسي المتمرّس، يزن كلماته ومصطلحاته بدقة، بخلاف نائب الرئيس جو بايدن، ولا يجوز اعتبارها «زلة لسان» عابرة.

وقال كيري: «ليس هناك من حل إلا الحلّ السياسي. لكن من أجل حث نظام الأسد للموافقة على التفاوض، يتعيّن علينا إبلاغه بكلّ وضوح بأنّ هناك تصميماً من جميع الأطراف للتوصل الى تلك النتيجة السياسية، وعليه تعديل حساباته في ما يخصّ التفاوض. وهذا ما هو قيد التنفيذ الآن. ايضاً، انني على قناعة بفضل جهود حلفائنا وآخرين سنتوصل لزيادة الضغط على الرئيس الأسد».

تصريحاته كان لها وقع «المفاجأة» على حلفاء واشنطن، لا سيما الدول الخليجية، معربة عن امتعاضها لما اعتبرته «تبدّلاً في بوصلة السياسة الأميركية» حيال سورية، بيد انّ نظرة فاحصة على تصريحه الأخير والأخذ بعين الاعتبار لما تجنّب الاشارة اليه، تدلّ على استمرارية الولايات المتحدة في سياستها الرامية الى الاستمرار في استهداف سورية وقيادتها المتمثلة بالرئيس الأسد»، للدلالة، تفادى كيري القول انه يتعيّن على الولايات المتحدة الاعتراف بالرئيس الأسد كرئيس شرعي لسورية، كمقدمة للتفاوض. بل أسبق تصريحه الأخير بالإشارة الى لجوء أميركا إلى توظيف «ضغط عسكري» ضدّ الرئيس الأسد.

قال جون كيري عقب حضوره اجتماع وزراء خارجية الدول الخليجية في قاعدة جوية بالرياض، يوم 5 آذار، «في محصلة الأمر سيتمّ استخدام مزيج من السبل الديبلوماسية والضغوط الأخرى لبلوغ المرحلة الانتقالية سياسياً». وأوضح بما لا يدع مجالاً للشك انّ «الضغط العسكري بشكل خاص قد يكون ضرورياً نظرا إلى تردّد الرئيس الأسد الدخول في مفاوضات جدية…»

تجدر الإشارة في هذا السياق الى «توسل» بعض الدول الغربية لإعادة مياه العلاقات مع سورية الى مجاريها الطبيعية مؤخراً، ابرزها وفد برلماني فرنسي التقى الرئيس الأسد في قصر المهاجرين «مشترطاً عدم تصوير كافة أعضاء الوفد». وفور عودته إلى باريس أعلن الوفد أنّ الرئيس الأسد جزء من الحل أعقبه تصريح جون كيري المشار إليه. الثابت في تجليات السياسة الأميركية انّ الوفود الأوروبية لا تلج المنطقة من دون استشعار الموقف الأميركي والحصول على موافقة إما ضمنية أو صريحة لذلك.

معهد كارنيغي للأبحاث اعتبر «تصريح جون كيري بضرورة التفاوض مع الرئيس الأسد» ثمرة اخفاق السياسة الأميركية «نتيجة قصر نظرها،» مما يتعيّن عليها دفع أثمان باهظة في نهاية المطاف وفق توصيفات المعهد.

اذن هل باستطاعتنا القول إنّ هناك ترابطاً وثيقاً، أو بعض الشيء على الاقلّ، بين قرار «تحليق» الطائرة وتصريحات وزير الخارجية الأميركي السابقة واللاحقة لإسقاطها؟ أم انّ القرار الاميركي نحو سورية هو قرار عسكري في الأساس؟ وما السبل الديبلوماسية سوى شن حرب بوسيلة أخرى وفق نظرية كلاوس فيتز؟

نظرة على طائرة الدرونز وعيوبها

يعتبر طراز «ريبر» احدث ما لدى الترسانة الاميركية، وهي التي أسقطتها سورية أيضاً. واوردت نشرة «اير فورس تايمز،» الخاصة بشؤون سلاح الجو، انّ قيادة السلاح الجوي عازمة على استبدال الجيل القديم، بريداتور، بالجيل الأحدث، ريبر ام كيو 9،» تدريجياً، نظراً إلى المواصفات المميّزة سالفة الذكر وتخصيص أموال اضافية في الميزانية العسكرية لذلك.

توظيف القيادة العسكرية الأميركية طائرات الدرونز، بمختلف أنواعها، لحصد مكاسب سياسية وميدانية تستند بالدرجة الأولى الى التيقن من قدرة سلاحها الجوي توفير الحماية والإسناد، أو استخدامها ضدّ بلدان ونظم متواضعة القدرة الدفاعية.

تجدر الإشارة إلى أهمية التحذيرات التي أطلقها قادة عدة في سلاح الجو الأميركي بعدم قدرة الأجيال الحالية من طائرات الدرونز تنفيذ مهام في أجواء معادية تحميها تغطية طائرات مقاتلة ودفاعات جوية متطورة. في هذا الصدد، أوضحت يومية «ديفينس نيوز،» الخاصة بالشؤون العسكرية، انّ مواجهة جوية تمّت عام 2003 بين احدى طائرات «بريداتور» المسلحة بصواريخ «ستينغر» ومقاتلات عراقية، كانت الغلبة فيها للأخيرة. يذكر انّ اميركا استخدمت الجيل الاول من «بريداتور ار كيو-1 ل،» ضدّ العراق عام 1996.

كما أوضح ناطق باسم القيادة المركزية للقوات الاميركية سهولة استهداف طائرات الدرونز، عام 2013، محذراً من ضرورة توفير حماية جوية لها من قبل طائرات مقاتلة اي سلاح بكلفة بضع مئات ملايين الدولارات يمضي لحماية سلاح لا تتعدّى كلفته 20 مليون دولار. وسخر قائد هيئة أركان سلاح الجو الأميركي، مارك ويلش، من حادث تحليق طائرة مقاتلة من طراز اف-22 لحماية طائرة درونز اميركية كانت ملاحقة من مقاتلتين لإيران من طراز فانتوم-4 اس، فوق مياه الخليج العربي، في شهر ايلول 2013.

بعيداً عن سخرية ويلش، أوضح رئيس قيادة القتال الجوي، مايك هوستاج، امام مؤتمر لجمعية القوات الجوية، 17 ايلول 2013، انّ طائرات بريداتور وريبر «عديمتا الفائدة» فوق أجواء معادية. وأردف انه «لا يستطيع إرسال اي منها للتحليق فوق أجواء مضيق هرمز دون تخصيص مقاتلات أخرى لحمايتها».

تصريحات قادة سلاح الجو انْ دلّت على شيء فهي تدلّ على أفول المراهنة لتحليق طائرات الدرونز في أجواء معادية، خارج ساحات استخدامها السابقة بنجاح في الصومال وأفغانستان والعراق واليمن.

نقص الطواقم البشرية المسيّرة لطائرات الدرونز هو أهمّ ما يعانية برنامج استخدامها، اذ انّ العدد الأكبر من الطيارين يتمّ تدريبه على الطائرات المقاتلة، والتي تستغرق فترة زمنية طويلة نسبياً.

بالعودة إلى رئيس هيئة اركان سلاح الجو، مارك ويلش، أوضح لعدد من الصحف المتخصصة بالشؤون العسكرية انّ «المعضلة الأكبر التي نواجهها هي في سرعة تدريب» الطواقم المطلوبة «اذ تتراوح قدراتنا التدريبية على استيعاب نحو 180 منتسب سنوياً، مقابل ما تقتضيه احتياجاتنا لنحو 300 منتسب سنوياً فضلاً عن خسارتنا لنحو 240 عنصر مدرب سنوياً لأسباب خاصة.

تتفاقم المسألة بصورة أشدّ مما أتى ذكره عند الأخذ بعين الاعتبار تنامي الطلعات الجوية والقتالية للطيران الأميركي فوق الأجواء العراقية والسورية، مما يرهق كاهل الطواقم العاملة. بل حذر ويلش صناع القرار من عدم قدرة سلاح الجو الحفاظ على وتيرة الطلعات الجوية الحالية لطائرات الدرونز لفترة زمنية طويلة.

يشار الى انّ الطواقم المسيّرة لطائرات الدرونز تعمل بمعدل 14 ساعة متواصلة يومياً، لمدة ستة أيام في الاسبوع. في المقابل، طيار الطائرات المقاتلة، اف-16 مثالاً، قد يحلق بمعدل 200-300 ساعة طيران في السنة بينما طيار الدرونز يخصص نحو 900-1100 ساعة طيران سنوياً. كثافة المسؤولية الملقاة على عاتق مسيّر طائرة الدرونز وبطء إجراءات الترقية المهنية يدفع به وزملائه الى طلب الخروج المبكر من الخدمة.

طواقم الطائرات المقاتلة أيضاً اضطروا إلى تخصيص مزيد من الجهد وساعات الطيران، وأرسلتهم قيادة سلاح الجو للتدريب مجدداً على تسيير الدرونز في قاعدة جوية بولاية نيفادا. الأرقام المتوفرة تشير إلى نحو 38 طيار تمّ استدراجهم للتدريب على الدرونز، ومن المقرّر بدء مهامهم الجديدة في وقت لاحق من فصل الصيف المقبل. استدركت قيادة سلاح الجو الضغوط المهنية الإضافية على المتدرّبين، وناشدتهم عدم العودة «تلقائيا» الى تشكيلات الطائرات المقاتلة، او الالتحاق بشركات الطيران المدني.

يتضح عمق أزمة الاحتفاظ بالأطقم البشرية عند الأخذ في عين الاعتبار الطواقم المساندة المطلوبة من مهنيين وأخصائيّي صيانة يسهرون على تطبيق سياسات البيت الأبيض وتزايد اعتماده على طائرات الدرونز. يبلغ عدد الطواقم المطلوبة لتشغيل أربع طائرات درونز نحو 186 عنصر. تسع وخمسون 59 اخصائي يشرفون على مهام الاطلاق والعودة وصيانة الطائرات في ساحات القتال الفعلية افغانستان، باكستان وجيبوتي وخمسة واربعين 45 عنصرا آخر يقيمون ويعملون في قواعد جوية داخل الأراضي الاميركية.

من الجائز القول انّ وزارة الدفاع الاميركية، البنتاغون، أقحمت نفسها في مأزق «توفير غطاء جوي في الحرب على داعش»، وتيقّنها في وقت متأخر لعدم توفر العدد الكافي من الدرونز وضرورة حمايتها بطائرات مقاتلة ومساندة، مما يضاعف الكلفة الإجمالية لمهامها إضافة إلى ما سبق من معاناة في توفر الطواقم البشرية المطلوبة. سورية تحديداً شكلت ولا تزال تحدياً جاداً للاستراتيجية الأميركية التي تخشى مظلة دفاعاتها الجوية المتقدّمة، خاصة بعد تيقّنها في حادثتي المقاتلة التركية والدرونز الأميركية.

الحادثة الأخيرة تنذر بما هو أخطر منها في مقبل الأيام، لا سيما في ظلّ مرافقة الطائرات المقاتلة الاميركية لطائرات الدرونز وما يشكله من تنامي احتمالات الاشتباك الجوي بين الطرفين. القيادة العسكرية الاميركية غير متيقنة، على ما يبدو، من النوايا السورية التي لا تصرّح بما قد تقوم به: هل ستسمح سورية بتحليق مقاتلات أميركية، اف-16، فوق أجواء اللاذقية لحماية طلعات الدرونز، ام ستعمد إلى إسقاطها؟ والخيار المحتمل تنفيذه من قبل الطائرات المقاتلة عند إطلاق صاروخ ارض جو، سام، على الدرونز؟

وعليه، تأتي وتيرة الرسائل الاميركية المتعددة لطمأنة سورية من ناحية، بأولوية الحلّ السياسي واستعداداتها العسكرية التي لم تغادر حيّز المراهنة على التدخل عسكرياً هناك، إما مباشرة او دعماً لقوات برية من حلفائها، عرباً واقليميين، لتعويض خسائر المراهنة الشاملة!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى