اليمن إلى السلاح
ناصر قنديل
– عشية اللحظات الحاسمة للتفاهم الإيراني مع الغرب، كتفاهم لم يعد ثمة وسيلة لمنع حدوثه، تلجأ «إسرائيل» إلى الداخل الفلسطيني هرباً من الحرب والسلام، وتطلق قطعان المستوطنين، ولكل ميليشيا منهم وزير في الحكومة، ويتضح مسار السياق السوري والعراقي حيث يتكرس عنوان انتصار يشق طريقه بعد استنفاد «داعش» قدرة الصعود، واستنفاد الابتزاز السعودي التركي للعناوين المذهبية، فماذا عساها تفعل السعودية؟
– كان المسار اليمني فرصة السعودية للتشبيك مع الحقائق الجديدة في المنطقة، حيث أنتجت الانتفاضة التي سيطر عبرها الثوار على صنعاء بلا قطرة دم، معادلة وتوازنات تتيحان إنتاج تسوية، تجعل التفاوض السعودي الإيراني، واقعياً ومتوازناً وفرصة صناعة للاستقرار في المنطقة، فقررت السعودية اللجوء إلى الخراب بلا خريطة طريق، وسلوك العناد والكيد والحقد بلا سيناريو، واعتماد الدم بلا غاية، وبعد اشتغال كل محركاتها وتفعيل كل مقدراتها وعلاقاتها وخزائن مالها، نجحت بتأمين منصور هادي في عدن ومعه بضعة ضباط ومواقع عسكرية لـ«القاعدة» ونقلت إلى عدن سفارات دول الخليج، وتوجت الرياض عنواناً مستحيلاً لحوار مستحيل.
– النفخ بنار الحرب في اليمن، لن ينجح بجلب تدخل مصري ولا تركي ولا أميركي ولا فرنسي، ولا بين دول الخليج وفي مقدمهم السعودية من يجرؤ على التدخل، وسقف ما يمكن أن يحصل، قرارات دولية لا تصل حد التدخل، وبالتالي لا تغير شيئاً في المعادلات، وها هو قرار مجلس الأمن يدين عدم قبول الحوثيين بالمبادرة الخليجية وشرعية منصور هادي، وماذا بعد؟
– مجلس الأمن يعطي من يملك القدرة على التدخل غطاء سياسياً، ليستطيع الإدعاء أنه يؤدب جماعة خارجة على القانون الدولي، ومتمردة على قرارات مجلس الأمن، فمن هي يا ترى هذه الجهة، حتى الآن منصور هادي ومن معه يشبهون قيادة المعارضة السورية، مجموعة واجهات سياسية وإعلامية، والحراك الجنوبي الذي يلحس المبرد بفرحه بانفصال الجنوب سيكتشف أنه ضحية خدعة سرقت منه الجنوب، ولا يبقى من ينفذ قرار مجلس الأمن إلا تنظيم «القاعدة»، بمعنى القتال ضد الحوثيين.
– نجحت السعودية بخلق ظروف حرب في اليمن، وإغلاق الأبواب أمام التسوية بتحويلها استسلاماً لن يحدث، وفرضت على الحوثيين المواجهة والحسم عسكرياً حيث تستطيع قواتهم أن تصل، وإعلان شرعية ثورية تدير المناطق التي تدخلها قواتهم، تماماً كما حدث يوم ولد جنوب اليمن من عدن كدولة منفصلة عن الشمال.
– حكومتان تتسابقان على محافظات اليمن، والواضح أنها حرب فعلية بين الحوثيين من جهة و«القاعدة» من جهة أخرى، وأن الشرعية الثورية صارت ضرورة للحوثيين لمواصلة الصمود وإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتنظيم وضع المناطق التي يدخلونها.
– الخريطة اليمنية ستقرر الكثير، وحتى الآن حدود السعودية تحت سيطرة الحوثيين، على رغم سعي السعودية لحزام أمني في حضرموت، عبر مجاميع تابعة لها، ومنصور هادي بات محاصراً وجماعته في عدن، مع تقدم الثوار في تعز، وعزلهم لمأرب عن لحج والضالع وإب، ويبقى عزل عدن عن مأرب بدخول شبوة من البيضاء لتلاقي القوات التي أحكمت السيطرة على مشارف عدن من طليعة القوات المتقدمة من تعز، شبوة ستقول الكلمة الفصل لأنها تربط عدن بحضرموت وتربط عدن بمأرب، فمن شبوة تحسم عدن وتصان وحدة اليمن.
– الكلمة للسلاح وللسلاح فقط، وقد أظهر الثوار منذ دخولهم صنعاء كل الحكمة والمرونة لفتح طريق الحل السياسي، ولم يقابلوا إلا بالمراوغة والمناورة، وتقطيع الوقت تمهيداً لمؤامرة تلو مؤامرة، والساعة هي لمن يفرض الأمر الواقع بقوة السلاح، فتلك حرب لم يطلبها الثوار لكنهم لا يخشوها، وطالما أراد السعوديون حرباً مفتوحة سيرد الثوار فلتكن حرباً مفتوحة، وإلا فاليمن يذهب للتآكل والهريان والتفكك، حتى من يريد التفاوض والحل السياسي صار طريقه الإلزامي هو السلاح، لتفرض معادلات تقول إن لا مناص من القبول بالحقائق الجديدة.