سقوط «لبننة» الاستحقاق وعودة «شبح» التدخل العسكري في سورية
محمد شمس الدين
لم يفاجأ أحد بعدم اكتمال النصاب في مجلس النواب اللبناني في جلسته الثانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ذاك ما كان متوقعاً في ظل عدم الإتفاق على اسم محدد يستطيع اجتياز التحفظات كافة لدى فرقاء من جهة، وتأمين «ضمانات» لآخرين من جهة ثانية. في حين أن من يطلب تلك الضمانات يطلب بشكل صريح ممن سيؤيده للرئاسة أن يخوض معركته ومن ورائه ضد أخصامه في البلد حول قضايا تمتد من عمق الداخل إلى المحيط الخارجي الواسع.
من أحد مقرّات منفاه الاختياري في باريس، حيث اجتمع بوزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل موفداً من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، سرّب رئيس «حزب المستقبل» أنه لن يدعم «الجنرال» في ترشحه للرئاسة، ذلك أن الأخير لم يستطع تقديم ضمانات حيال «سلاح حزب الله»، كما لم يقدم رؤية موضوعية حول التعامل مع الأزمة في سورية التي تشكل عنوان الخلاف الإقليمي وأبعد من ذلك. لكنّ الواضح تماماً شد أن الحريري الإبن لا يملك أيّ إمكان فعليّ لجهة أخذ القرار في دعم هذا المرشح أو ذاك، لكون قراره مرتبطاً بقرار الممكلة السعودية التي لم تحسم إلى الآن خياراتها في ظل أمرين:
الأول، لم تستكمل بعد تشكيلاتها داخل جهاز الحكم الذي تعرض في الآونة الأخيرة لكثير من التغييرات والخضات، على خلفيات متعددة، منها الفساد المالي والإداري، فضلاً عن الصراعات بين أقطاب السلطة الحاكمة وأفراد العائلة.
الثاني، لم تحدد المملكة بعد شكل التعامل مع الأزمة السورية إذ تلقت العديد من الضربات الموجعة على مدى أكثر من عام منذ تسلمها الملف مباشرة، وقبل ذلك عندما تولته دولة قطر وفشلت في إيصاله إلى نهايته المتوخاة.
لم يكن الحريري ليقرر في الاستحقاق الرئاسي وحده حين تطلع اللبنانيون وبينهم حزب الله والتيار الحر ودعوه إلى لبننته للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وكانت العادة أن يحصل توافق إقليمي قوامه السعودية وسورية، ويباركه الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية وجزئياً فرنسا، لكن مسار الحوادث في سورية، وبالتالي لبنان وما حققه هذا البلد من تموضع أساسي في المنطقة منذ انتصاره على «إسرائيل» في 2006 وفي الأزمة السورية عبر مشاركة حزب الله في القتال الدائر فيها، إلى جانب قوات الحكومة السورية في حربها على الإرهاب، سيعيد حكماً لسورية دورها الطبيعي والرئيسي في صوغ الرئاسة اللبنانية، وهذه المرة ربما بشكل أقوى من خلال حضور حزب الله القوي على الساحة اللبنانية ومنظومة التحالفات التي يقيمها في الداخل، ناهيك عن امتداده الخارجي بعد الإنجازات التي حققها مع حليفه الجيش السوري ميدانياً في بقعة واسعة من الأرض السورية، ما يمهد بوضوح لإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة في بلاده.
لعلّه السبب الرئيسي الذي يعوق اتخاذ القرار السعودي بتسهيل وصول رئيس جديد للبنان لا يمكن توظيفه في معركة الرياض وحلفائها في سورية وفي المنطقة ضد حلف الممانعة، ومن هنا عجز الحريري وفريقه السياسي داخلياً على المشاركة في صوغ الرئاسة و«لبننتها» قبل أن تحل بركة المملكة على الاستحقاق والتي لم تتوافر حتى الآن، ما يعني أنه لا يمكن في أي شكل من الأشكال، وتحديداً هذه المرة، إنجازها خارج المؤثرات الإقليمية.
بناء على ذلك، تسلّط الأنظار على ما سيستجدّ في سورية ميدانياً في ظل الحديث مجدداً لدى دوائر الاستخبارات الأميركية والأوروبية عن إمكان التدخل العسكري المباشر المدفوع ثمنه سعودياً في القتال في سورية – بحسب مصادر سياسية واسعة الإطلاع على خلفية الأنباء عن استخدام غاز الكلور، في سيناريو مشابه للتحقيقات التي جرت حول استخدام غاز السارين وأدت إلى رفع التهديد بشن عدوان عسكري تصدرته الولايات المتحدة وأفضى إلى الاتفاق الدولي على سحب جميع الأسلحة الكيميائية من البلاد.
تشير المصادر إلى أن التحرك الجديد الذي تتولاه بريطانيا وفرنسا يتمحور حول استغلال الاتهامات من دون الاستناد إلى لجنة تقصي الحقائق التي وافقت الحكومة السورية على مباشرتها التحقيقات، في محاولة لقلب موازين القوى على الأرض ومنع تنفيذ الاستحقاق الدستوري السوري الذي بات قاب قوسين أو أدنى، فلو فاز به الرئيس الأسد فإن أزمة من نوع آخر ستنشأ لمدة لا يعلم إلاّ الله مداها، وستكون لها مفاعيلها على محور الممانعة على نحو يغيّر اتجاه خريطة الشرق الأوسط التي وضعها الغرب وحلفاؤه له.