المشروع سقط… سمير جعجع لن يكون بشير الجميّل الجديد

ماهر الخطيب

منذ دخوله الحياة السياسية من البوابة العسكرية، يحلم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بأن يكون الوريث الشرعي لمشروع بشير الجميل، الذي كان قائماً خلال الحرب الأهلية، لكنّ فرص تكراره تجربة الجميل في هذه المرحلة تبدو معدومة بشكل مطلق، نظراً إلى تبدل الظروف والمعطيات الداخلية والخارجية بشكل مطلق، وبالتالي لن تكون الحركة التي يقوم بها في هذه الأيام أكثر من صراخ في واد لا يسمعه أحد.

من حقّ جعجع أن يحلم وأن يذهب بعيداً في الحلم، لكن عند العودة إلى واقعه المرير سيكتشف أنّ أبرز من هم إلى جانبه اليوم، غير مؤمنين بقدرته على تكرار التجربة التي سقطت بالضربة القاضية سابقاً، ومع الأيام تبين أنّ فرص نجاحها لم تعد قائمة على رغم أنها عادت إلى الحياة بعد خروجه من السجن بقانون العفو الصادر عن المجلس النيابي.

وبغضّ النظر عن تاريخ جعجع، الذي يرى قسم كبير من اللبنانيين أنه لا يؤهله للترشح إلى رئاسة الجمهورية حتى، لا الوصول إلى الكرسي الرئاسي فقط، يقول المنطق بأنّ رئيس حزب القوات اللبنانية لا يملك المعادلات التي توصله إلى قصر بعبدا في هذه المرحلة، وهو لن يكون قادراً على الاستمرار بالترشح طويلاً، كون قوى الرابع عشر من آذار تدرك جيداً منذ البداية أنّ هذا «الحصان» خاسر.

موازين القوى مختلفة كلياً

من وجهة نظر إحدى الشخصيات السياسية التي عايشت الفترة التي وصل فيها بشير الجميل إلى سدّة الرئاسة، فإنّ موازين القوى في هذه المرحلة مختلفة كلياً، وبالتالي لا يمكن تكرار التجربة اليوم بأي شكل من الأشكال، لا بل إنها ترى أنّ الزمن تبدّل كثيراً ولا يمكن العودة إلى الوراء من جديد.

وتنطلق هذه الشخصية من المعطيات الداخلية لتشير إلى أنّ البلاد كانت في ذلك الوقت تعيش حالة من الحرب الأهلية، في ظلّ انقسام واضح بين مشروعين، الأول يمثله الجميل مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» والدول الأوروبية، والثاني تمثله الحركة الوطنية مدعومة من سورية وبعض الدول العربية الأخرى.

وتلفت هذه الشخصية إلى أنّ «الإسرائيلي» في ذلك الوقت دعم ترشيح الجميل بشكل قوي من خلال اجتياحه بيروت، وبالتالي كان صاحب القرار الأول في وصوله إلى قصر بعبدا، الأمر الذي كان واضحاً من خلال الضغوط الكبيرة التي مورست على النواب الذين كانوا يعارضون ذلك، إضافة إلى نقل بعض النواب من مناطقهم البعيدة إلى المجلس النيابي عبر الطوافات العسكرية.

كما توضح أنّ وصول الجميل إلى الرئاسة الأولى في ذلك الوقت كان مدعوماً من قبل بعض القوى والشخصيات السياسية المتنوعة طائفياً بسبب ارتباط مصالحها بالمشروع الذي كان يحمله، في حين أنّ جعجع لا يملك تأييد معظم القوى السياسية الفاعلة في البلاد اليوم، وهو لا يملك أصلاً تأييد جميع الأفرقاء الموجودين في قوى الرابع عشر من آذار بشكل جدي، إذ يدعمه بعض من منطلق الحفاظ على وحدة هذه القوى لا أكثر، وعندما تحين ساعة الحقيقة سيكتشف ذلك، بسبب التنافس القائم في ما بينها على الكرسي الرئاسي.

في المحصلة، ترى هذه الشخصية أنّ العامل «الإسرائيلي» كان هو الأساس في وصول بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية في تلك المرحلة، في حين أنّ هذا العامل، على رغم وجوده في البلاد في هذه المرحلة، لا يملك القوة نفسها التي تسمح له بإيصال أي مرشح يدعمه إلى رئاسة الجمهورية، حتى لو كان يتوافق مع مشروعه في المنطقة إلى حدّ بعيد. وبالتالي هي لا تؤمن بقدرة جعجع، الذي ترى من وجهة نظرها أنّ مشروعه ليس بعيداً عن هذا المشروع، قادراً على النجاح في السباق الرئاسي، وتعتبر أنّ أمراً كهذا بات من الماضي، على رغم أنّ «الحكيم» يعتبر أنّ الظروف الصّعبة التي تمرّ بها بعض الدول الإقليمية تساعده على إعادة طرح مشروعه من جديد.

الفارق كبير جداً

إضافة إلى ذلك، تؤكد إحدى الشخصيات التي كانت مقربة من الجميل في ذلك الوقت أنّ الفارق بين الرجلين كبير جداً، وتشير إلى أنّ رئيس الجمهورية الراحل كان يتمتع بشخصية ساعدته على أن يكون الرجل الأول على الساحة المسيحية في ذلك الوقت، نظراً إلى الصعاب الكبيرة التي كانت تمرّ بها تلك الساحة، ونظراً إلى المخاوف التي كانت لدى المواطنين على الوجود المسيحي، لكنّ شخصية جعجع مختلفة كلياً فهو لا يمكنه الادعاء بأنه الأقوى على هذه الساحة اليوم، نظراً إلى الشعبية الكبيرة التي يملكها كلّ من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل، وهو بكل تأكيد لا يأتي في المرتبة الأولى شعبياً.

من ناحية أخرى، تشير إلى أنّ لدى جعجع كثيراً من الخلافات مع الشخصيات التاريخية التي كانت إلى جانب الجميل في ذلك الوقت، وهي شخصيات لها كلمتها في صفوف المحازبين القدامى بشكل واسع. وتلفت إلى أنّ جعجع من وجهة نظر هؤلاء سعى إلى إلغاء كلّ من هو قوي منهم بهدف السيطرة على القوات اللبنانية، وتؤكد أنّ هناك دعاوى قضائية بين الجانبين لا يمكن إغفالها على الإطلاق.

وعلى صعيد متصل، توضح هذه الشخصية أنّ هناك أزمة ثقة بين جعجع والشارع المسيحي الذي لا يرى في الأخير أنه «المخلص»، على عكس الواقع الذي كان قائماً مع الجميل. هناك نظرة سيئة ناتجة من تجربة جعجع التي لم تكن جيدة في أيام الحرب الأهلية، بالإضافة إلى اتهامه بتصفية العديد من القيادات المسيحية التي تحظى باحترام هذا الشارع، أبرزها الوزير السابق طوني فرنجية وداني شمعون وعائلته، بالإضافة إلى بعض رفاق جعجع في القوات اللبنانية.

وتلفت هذه الشخصية إلى أنّ الشارع المسيحي يعيش هذه الأيام خوفاً على وجوده، كما كان الوضع لدى وصول الجميل إلى رئاسة الجمهورية. لكنها تشير إلى أنّ الفارق اليوم هو أنّ الخطر يأتي من القوى التكفيرية التي يتحالف معها جعجع، على الأقل بطريقة غير مباشرة، وهو ينكر الاعتداءات التي تقوم بها على المسيحيين في كل من العراق وسورية. وبالتالي يجد الشارع المسيحي نفسه في لبنان بعيداً عنه، لا سيما أنّ عبارة «فليحكم الإخوان»، التي اشتهر بها جعجع خلال فترة تولي حركة الإخوان المسلمين الحكم في مصر، ما تزال حاضرة أمامه.

وتستغرب هذه الشخصية كيف أنّ من كان يقول أنه يحمل لواء الدفاع عن الوجود المسيحي في لبنان، يقف اليوم إلى جانب من يهدد هذا الوجود في المنطقة، وترى أنّ هذا الأمر نابع من المصالح الشخصية المرتبطة بالتحالفات التي ينسجها رئيس حزب القوات اللبنانية، والتي لا يمكن له الخروج منها، خصوصاً أنّ ذلك سوف يؤدي إلى عزلته بشكل كامل، وتحجيم دوره في الحياة السياسية اللبنانية.

وصول جعجع إلى قصر بعبدا مستحيل

على صعيد متصل، وانطلاقاً من المعادلات القائمة في البلاد على صعيد توزع القوى في المجلس النيابي، تؤكد مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار أنّ وصول رئيس القوات اللبنانية إلى رئاسة الجمهورية أمر مستحيل، وتشير إلى أنّ أي جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل، لن تعقد طالما أنّ قوى الرابع عشر من آذار لا تزال تتبنى ترشيح جعجع.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ من غير المنطقي أن يتصور بعض أنّ فريقنا السياسي سوف يقبل بوصول جعجع إلى القصر الجمهوري، في حين أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين لم يهضم حتى الآن فكرة ترشحه حتى. وتؤكد أنّ الموضوع غير خاضع لأي نقاش على الصعيد السياسي، كون جعجع يشكل استفزازاً كبيراً لغالبية المواطنين اللبنانيين.

وتشدد هذه المصادر على أنّ وصول رئيس حزب القوات اللبنانية إلى الرئاسة الأولى من الممكن أن يحصل فيما لو انقلبت كل موازين القوى بشكل كامل، في حين أنّ هذا الأمر لا يحصل، لا بل إنّ المشروع الذي ننتمي إليه هو المنتصر في لبنان والمنطقة، وبالتالي لا يمكن أن نقبل برئيس للجمهورية بمواصفات تُفرض علينا، لأنّ كل الانتصارات السابقة التي تحققت تكون بلا قيمة أمام هزيمة كهذه.

وتلفت المصادر إلى أنّ وصول شخصية تحمل المشروع الذي يمثله جعجع في لبنان حالياً، يحصل فيما لو كانت الدولة السورية قد انهارت كلياً، وفيما لو نجح العدو «الإسرائيلي» في شنّ عدوان على المقاومة يقضي عليها بشكل كامل، لكنّ هذا الأمر بات من الأحلام. وتشدد على ضرورة فهم مقولة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي أعلن «أنّ زمن الهزائم قد ولى» بشكل جيد، لأنّ من خلالها يمكن فهم كيفية التعاطي مع ترشيح جعجع.

وفي قراءة سريعة لموازين القوى، توضح أنّ «الإسرائيلي» لم يعد قادراً على إيصال أي مرشح من الممكن أن يحقق أهدافه في أي يوم من الأيام، والمعطيات التي تساهم في أخذ القرار السياسي في لبنان ليست إلى جانب هذا المشروع، وبالتالي من هنا ينبغي البحث عن الشخصيات التي من الممكن القبول بها في رئاسة الجمهورية.

وتشير إلى أنّ على قوى الرابع عشر من آذار، إذا كانت تريد حصول الاستحقاق الرئاسي فعلياً، التخلي عن تبني ترشيح رئيس القوات اللبنانية، والذهاب نحو طرح الأسماء التوافقية التي من الممكن القبول بها منطقياً، وإلا لن يكون هناك رئيس جديد للبنان في وقت قريب، وتؤكد أنّ سقف فريقها السياسي في هذا الاستحقاق عالياً لن يتم التراجع عن مبادئه الأساسية تحت الضغوط.

ومن هذا المنطلق، تؤكد المصادر ألا داعي لعقد أي جلسة مقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية في حال استمرت الوقائع على ما هي عليه، وتصف الأمر بـ«الوقت الضائع»، وتشدد على أنّ النصاب لن يتأمن إلا لانتخاب رئيس يحافظ على مكتسبات لبنان في مواجهة الأطماع «الإسرائيلية»، لا يسلم البلاد من أجل تحقيق مصالحه الخاصة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى