الأكراد السوريون… وعيد «نوروز»

لورا محمود

يعتبر عيد «نوروز» من أقدم الأعياد التي يحتفل بها الأكراد، ويعتبرونه عيداً قومياً لهم. وهناك شعوب أخرى أيضاً مثل الفرس والأفغان والطاجيك والآذاريين والبلوش، التي تنحدر أصولها من هضبة إيران وحتى الأوزبك والقرغيز، تحتفل بعيد «نوروز». وهؤلاء جميعاً لا يختلفون في تسمية هذه الذكرى وأهميتها، ولا يختلفون كذلك في توقيتها المصادف في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل سنة، كما لا يختلفون كثيراً في طريقة الاحتفال وطقوسه، وإن كان إشعال النيران لدى الأكراد بشكل خاص يعتبر ركناً أساسياً يسبق الاحتفال بالعيد ليلة العيد . تروى قصة «نوروز» لدى كل قوم، بحيث تخدم تاريخه وثقافته ونهضته على وجه التحديد. ولكن لا أحد يقدم وثائق تاريخية تبيّن واقعة اسمها «نوروز»، محددة بالزمان والمكان مثل سقوط روما مثلاً. فكل ما يروى عن «نوروز» شحيح بعض الشيء، ولا يرقى إلى مستوى حدث تاريخي موثق بالزمان والمكان.

أسطورة البطل الكردي «كاوا»

تشير الأسطورة إلى أن إشعال النار، هو بمثابة رمز للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين. ومن هنا، كانت قصة «كاوا حداد»، البطل الكردي. فأسطورة «كاوا تقول» إن ملكاً آشورياً قد لُعن هو ومملكته لظلمه الشديد، حتى أن الشمس رفضت الشروق على أرضه. لذا كان من المستحيل نموّ أيّ نبات فيها. وكان للملك ثعبانان على كتفه. كلما جاعا شعر بألم شديد، ولا يرضيان طعاماً إلا أدمغة الأطفال، لذا فكان يقتل طفلين من القرى المحلية كل يوم.

«الحدّاد كاوا» كان قد فقد 15 طفلاً من أطفاله الـ16 لإرضاء أفاعي الملك ولعنته. وعندما وصله الخبر بأن طفلته الأخيرة ستُقتل، قرّر انقاذها بأن يضحّي بخروف ويعطي دماغ الخروف للملك، ثمّ يخبّئ ابنته. وعندما علم أهل القرى أن خدعة «كاوا» نجحت، بدأوا تطبيقها وإرسال أطفالهم إلى الجبال مع «كاوا». وبعد مدة من الزمن، صار عدد الأطفال الذين برفقة «كاوا» كبيراً، فشكل من الأطفال جيشاً ونزل من الجبال واقتحموا القلعة. وقتل «كاوا» الملك بيده. ولإيصال البشرى إلى الأهالي، أوقد «كاوا» ناراً عظيمة في مشعل كبير جداً، فأضاء السماء وأشرقت الشمس من جديد وأزهرت الأرض، وكان يوم «نوروز».

طقوس «نوروز» عند الأكراد

تفسير كلمة «نوروز» هو «يوم جديد»، أو «ضوء الصباح». وهذه الكلمة لها المعنى نفسه بالفارسية نو:جديد ـ روز: يوم أي يوم جديد . و من الاعمال المحبّب إجراؤها في عيد «نوروز»، والتي تعتبر من الطقوس الجميلة، وضع سُفرة أو مائدة تتضمن سبعة أشياء تبدأ بحرف السين: هافت سين مثل سير: ثوم ، سكة: عملة نقدية ، سنجر: فاكهة مجففة ، سبزي:خضار ، سبيكة: سبيكة من الذهب ، ساهون: نوع من الحلويات ، و سماق ، إضافة إلى مرآة وقرآن وسمك أحمر ومكسرات.

ويعتبر عيد «نوروز» في الوقت نفسه رأس السنة الكردية الجديدة. ويحتفل الأكرد بالخروج إلى الطبيعة والتجمّع وإحياء الفولكلور والرقصات الكردية، وإشعال الشموع على الشرفات وأسطح المنازل تيمّناً بنار «كاوا». فلعيد «نوروز» عند الأكراد بعد قوميّ وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم. «نوروز» في ثقافة الأكراد مأثرة قومية ومعلم إنساني يجسد شموخهم في وجه الظلم. إنّه دعوة إلى الالتقاء، ورمز لانتصار الحق على الباطل، وبداية لعهد الخير والحرية والازدهار.

والأجيال ترسخ «نوروز» في ثقافة الشعب الكردي، وتحوّله إلى كرنفال سنويّ يجسد حبّ الكردي للطبيعة وشوقه إلى الحرية وحاجته إلى لقاء الناس والخلان على دفء شمس آذار من كل سنة. ويكتب بالنار التي يشعلونها كلمة يعشقها الاكراد وهي ازادي أي الحرية وفي المدن الكبرى ككردستان مثلاً يحتفل بـ«نوروز» في أماكن محددة يجتمع فيها الناس بمئات الآلاف، حيث العروض الممتعة من الرقص والأغاني والأناشيد الكردية الشجية والدبكة. ويدوم ذلك حتى مغيب شمس العيد يوم الحادي والعشرين من آذار. ويظل الأطفال من بعده أياماً ينشدون أغاني العشق والحرية التي سمعوها يوم العيد. ويظل الأكراد ينتظرون من جديد بطلهم «كاوا» وعيد «نوروز»، وشعلة الحرية .

و«نوروز»، سواء كان حقيقة أم خيالاً أدبياً، فإنه جاء تعبيراً عن متطلبات واقع معيشيّ في زمان ما ومكان ما. وفي كل الروايات، ثمة مشتركات هامة، كوجود حاكم ظالم، وبروز بطل مغوار من بين صفوف الشعب، يعتمد على الشجاعة والحكمة لينقل الناس إلى عهد جديد ويبدأ عهد الخير والأمان.

أكراد سورية

السوريون الأكراد، يقدّرعددهم بأكثر من مليونين 9 في المئة تقريباً من الشعب السوري . معظمهم يقيمون في محافظة الحسكة وريف حلب. والباقون يتوزعون على باقي المحافظات السورية. ويشكّلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج السوري. وبصماتهم واضحة جليّة في كتابة تاريخ هذا الوطن وحاضره. فابتداءً من القائد صلاح الدين إلى البطل إبراهيم هنانو، والشهيد يوسف العظمة، كان الأكراد رمزاً للشجاعة والتضحية. وكما هي حال باقي الألوان في النسيج السوري المتماسك، لا تكاد تميّز بين الشخصيات الكردية وغيرها.

وعبر تاريخ سورية ثمّة شخصيات كردية تركت بصماتها الحاضرة في وجدان كل السوريين، كالدكتور سعيد رمضان البوطي، ومفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو، والرئيس محمد علي العابد، ومؤسس مجمع اللغة العربية في دمشق المفكّر محمد كرد علي.

ومؤخراً، برز الدور الكردي في الأزمة السورية ودفاعهم المستميت عن أرضهم في معركة عين العرب. هذه المعركة التي خطفت أنظار العالم طوال أسابيع. ولعل ما زاد من لفت الأنظار إليها، الصمود الأسطوري للمقاتلين الأكراد على رغم الفارق الكبير بينهم وبين مقاتلي «داعش» في العدد والعتاد. إذ حاصر التنظيم الإرهابي المدينة، شرقاً وجنوباً وغرباً، ووضعها في مرمى نيرانه الكثيفة، فيما بقيت شمالاً تحت رحمة الجانب التركي الذي حشد قواته على الحدود لمواجهة تداعيات نزوح عشرات الآلاف من عين العرب، فضلاً عن التأهب لمعالجة أيّ طارئ أمنيّ. وعليه، فإن المعركة بالنسبة إلى الأكراد كانت معركة وجود وهوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى