من المستفيد من بيع الآثار السورية

مرفان شيخموس

توثق المعالم الأثرية حياة وثقافة وطريقة عيش الشعوب عبر العصور، فمن خلال ما خلفوه من آثار نستطيع أن نستدلّ إلى تفاصيل حياتهم اليومية وطقوسهم وشعائرهم وعاداتهم وتقاليدهم والمهن التي كانوا يمارسونها.

تزخر منطقة المشرق بالآثار التي تعود إلى العصور الغابرة الفينيقية والكنعانية والرومانية والبيزنطية والسومرية وغيرها من الحضارات الإنسانية. وتعدّ دمشق من أعظم مدن المنطقة والأقدم في التاريخ بروعة معمارها القديم من مساجد وكنائس وقصور وأبواب وأسواق وخانات وأزقة عتيقة، بالإضافة إلى مواقع تاريخية ممتدة من الجنوب السوري حيث آثار محافظة درعا ومدينة بصرى وإزرع والصنمين، وآثار محافظة السويداء، وصلخد وقنوات، وبلدات شقا وسليم وعتيل، إلى جبل الشيخ والقنيطرة، إلى الصروح الرائعة في ريف دمشق في وادي بردى وتل منين والنبك ومعلولا وصيدنايا ويبرود ودير عطية وقارة والضمير، إلى مدينة تدمر، وقصر الحير الغربي وقصر الحير الشرقي إلى أفاميا وقصر ابن وردان، وكلّ القلاع السورية التاريخية العريقة، بالإضافة إلى آثار مدن الشمال السوري، من البارا وسرجيلا وشيخ بركات إلى معرة النعمان، وإبلا، إلى مواقع حضارات الفرات ودجلة والخابور دورا أروبوس والرصافة وماري ومنبج وعين دارا وإيمار، وتلال حلف وعربيد، حتى مواقع الساحل الكنعاني السوري في محافظتي اللاذقية وطرطوس وأوغاريت ورأس ابن هاني وجبلة وعمريت وأرواد.

لم يكتفِ الإرهاب الذي يضرب سورية منذ أربع سنوات، بتدمير ما فوق أرضها، بل تعدّاه إلى ما تحت ترابها من كنوز وثروات فسرق الآثار وهرّبها ودمّر المتاحف ودور العبادة من مساجد وكنائس، وارتفعت في البلدان المجاورة لسورية نسبة تجار الآثار الذين يأتون خصيصاً إليها لاقتناء الآثار المهربة، وقد أضافت سرقة الآثار أزمة إلى الأزمة التي تمرّ بها سورية التي يتعرض إرثها الحضاري لأكبر عملية سرقة ممنهجة عالمياً.

ولكن يبقى السؤال الأهم: من المستفيد الأكبر من جرائم السرقة الممنهجة للآثار السورية؟

يقول مايكل دانتي، وهو من أكبر علماء الآثار في الولايات المتحدة الأميركية وأستاذ في جامعة بوسطن، والذي قام بتوثيق ما جرى من دمار ونهب للكنوز الأثرية في كلّ من العراق وسورية، في تقرير: «لقد اكتشفنا أولاً من خلال الأقمار الصناعية عمليات نهب الآثار في كلّ أنحاء سورية، ما يستوجب سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ذلك». ويضيف: «إنّ ما تمّ اكتشافه من قيام تنظيم «داعش» بعمليات تدمير ونهب واتجار بالآثار المهربة إلى الخارج، يعتبر أمراً غير مسبوق ولم يحدث بهذه الطريقة من قبل».

ويشير دانتي في تقريره إلى «أنّ بيع الآثار المنهوبة يتم عن طريق وسطاء، يقومون بتهريبها عبر الدول المجاورة، مثل تركيا ولبنان وغيرها. وبعض هؤلاء الوسطاء هم من أعضاء عصابات الجريمة المنظمة الذين يتاجرون في كلّ شيء، لكنّ تنظيم «داعش» وجد فيهم حليفاً يفيده مادياً ويزيد دخله وحجم تمويله، بالإضافة إلى أنّ عصابات الجريمة المنظمة تعتبر بالنسبة إلى «داعش» مصدراً أساسياً لتوريد الأسلحة إليه».

ويشير ريك هيلير، وهو محام وناشط في مجال التراث الثقافي إلى «أنّ قيمة بيع الآثار المهربة فى الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، قد زادت بمقدار 500 مرة». وفي المقابل، يقول براندون مونتجومري، المتحدث باسم إدارة الهجرة والجمارك الأميركية: «لا بدّ أن تردّ إدارة حماية الحدود على التساؤلات المتكرّرة عن عمليات تهريب الآثار التي تصل إلى السوق الأميركية».

وكانت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، قد كشفت سابقاً أنّ «تنظيم داعش يجني أرباحاً تقدر بالملايين من خلال بيع التحف والقطع الأثرية السورية القديمة إلى أغنياء الغرب، من خلال نظام معقد من التهريب والوسطاء».

ويباع التمثال الواحد، بحسب الصحيفة، «بما يعادل مليون دولار، ويعود تاريخ الآثار إلى حوالى 10 آلاف سنة على الأقلّ، ويتم تهريبها، غالباً، عبر البحار». وهناك أيضاً «عمليات تنقيب عن الآثار وتهريبها وبيعها في السوق السوداء، وخصوصاً في تركيا بعد أن عثر تنظيم «داعش» على مجموعة ضخمة من الآثار في الرقة.

حذر علماء آثار وخبراء مكافحة جرائم الفنون، من أنّ أكثر من 100 قطعة أثرية منهوبة من سورية، على يد عناصر تنظيم «داعش» ، جرى تهريبها إلى المملكة المتحدة وبيعها. وقالت صحيفة واشنطن بوست، إنّ تنظيم «داعش» في سورية يستطيع جمع مزيد من الأموال من خلال بيع القطع الأثرية النادرة لمهربي الآثار في بريطانيا، وغيرها من الدول الأوروبية.

وبحسب صحيفة التايمز البريطانية، فإنّ القطع السورية، التي تمّ بيعها فى لندن، تتضمن نقوداً ذهبية وفضية تعود إلى العصر البيزنطي، بالإضافة إلى قطع فخارية وزجاجية رومانية، بيعت بمبالغ طائلة.

وقال كريستوفر مارينيلو، مدير منظمة «أرت ريكفري إنترناشونال»، المعنية بالتعرف على الآثار المسروقة واستعادتها، إنّ واحدة من الآثار السورية المنهوبة تستحق عشرات آلاف الدولارات، موضحاً أنّ جامعي الآثار غالبًا ما يتجنبون تلك الأكثر قيمة وشهرة، لذا تقتصر الآثار المهربة على ذات القيمة المتوسطة.

وكشف مراسل صحيفة التايمز البريطانية، عن تعرض الكنوز التدمرية إلى السرقة، حيث تمّ العثور على جزء منها في العاصمة اللبنانية بيروت، وهي عبارة عن ثماثيل ومنحوتات ومزهريات ومقابر رومانية قديمة، كانت ستباع في السوق السوداء. وفي السياق نفسه، أكد مدير مركز الثراث الثقافي في ولاية نيويورك، أنه شاهد هذه السلع معروضة للبيع في الأسواق في بلدة حدودية في تركيا.

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قد أجرت تحقيقاً في هذا الشأن، حيث التقت مع عدد من كبار ضباط ما يسمى بالجيش السوري الحرّ الذين أكدوا للصحيفة، أنّ مصدر تمويلهم الخاص من بيع القطع الأثرية لا يقدر بثمن.

وبحسب خبراء، فإنّ عملية التهريب تتم عبر طرق في تركيا والأردن ولبنان، معروفة للمهربين وتجار السلاح والمخدرات.

ويبقى السؤال الأهم والذي يطرحه كلّ مواطن سوري: هل ستعود تلك الآثار يوماً إلى أرض الوطن؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى