متخلّفون… عن الحضور
شهناز صبحي فاكوش
أخذوهم إلى «جنيف 2» وبدأت الفقاعات الملوّنة تنطلق من أفواه امتلأت بالصابون، لتلوّن مواقف تظن أنّ فيها إحراجاً للوفد السوري… ما يجعله ينسحب أو يسلّم كرسي الدولة لهم، كما حاولوا تسليمهم مقعد الجامعة المدعوّة بالعربية زوراً فاضحاَ.
قالوا عنها معارضة وقالوا ثورة وحرية وديمقراطية، ولم ير الشعب غير القبح في التدمير والبشاعة في أساليب القتل، والسمّ الذي ينضح ممّن دعوا بـ«الجهاديين والثوار»، من أرادوا بث الرعب فأصبح كرهاً وحقداً ضدّهم، مع كلّ صرخة تكبير…
لملم مصنعوهم أنصاراً لهم دولاً تنوف على المائة في البداية، في مواجهة ما تحدّث عنه الرئيس بشار الأسد من أنّ ما يحدث هو حرب على العرب وتشويه للإسلام الحنيف، وأنه لو كان ثورة لكان سيادته أول الثائرين.
وفي المرة الثانية وبعد تكشف بعض الأمور مما يحدث لم يناصرهم إلا العشرات الذين دفعت لهم الأموال بأساليب مختلفة، إما لأجل دعايات انتخابية كما حدث مع فرنسا، أو لدعم اقتصادي كما الأردن، أو تلك التي نأت بالنفس أو التزمت الصمت.
لما كشرت ثورتهم الربيعية عن أنيابها في الأقطار العربية، تمّت تنحية لجنة الدابي وفشل المبعوث الأممي وتحيّز الإبراهيمي، قال الأسد ما يحدث لأجل «إسرائيل» وضرب المقاومة وإضعاف الأمة وتصفية القضية الفلسطينية، ومحو الهوية.
تخلّف المعارضون عن اللقاء التشاوري الوطني في سورية، وعن لقاء «موسكو1»، وضعوا شروطاً وحاولوا تجميل صورهم، رغم تشظيهم وتفكك ما أسموها مكونات معارضة. ولم يكونوا وما زالوا سوى أشخاص لكلّ مشروعه الخاص وحلمه بالسلطة. حتى لو كان الثمن صحبة الصهاينة أو دماء الأبرياء.
لو تبصروا لما تخلفوا. من تستخدمه أميركا والغرب وظيفياً تنهيه بنهاية دوره. أين من دخلوا العراق على الدبابات الأميركية على أنهم معارضة عراقية… لا تتخلفوا فالفخ واحد لكن مواقع وأساليب نصب الشرك تختلف وتتلوّن كما فقاعات الهواء…
«موسكو 2» المقبل تباركه الدولة السورية كما «موسكو1»، إرادة الحوار والحلّ السياسي خيار سورية منذ البدايات… القناعة الروسية تتزايد نحو الحوار بين السوريين… المتغيّرات الدولية تنحى نحو الرضوخ لإرادة الشعب السوري، التعنّت لن يجدي…
كيري يتغيّر في خطابه يريد التحدّث مع الأسد، يصرّح وإنْ كانت المراوغة طبعه، إلا أنّ سورية متنبّهة لأنّ مؤشرات الرئيس الأسد بدأت تظهر للعيان لمن يتبصّر وينعتق من التخلف المطلوب.
نتنياهو يضرب بحلّ الدولتين عرض الحائط… هو يكتب بهذا نعي الدولة الفلسطينية. تفكيك دول المنطقة أصبح جليّاً، ما عادت مواقف الدول العربية واحدة بل حتى القلوب اختلفت، لأنّ أمن «إسرائيل» يقتضي عدم قوة أي دولة في المنطقة.
إيران تواجه لؤم العالم الذي يتملق أميركا، والمدّ والجزر في ملفها النووي مع الخمسة زائد واحد. لكن الحركة الرعناء التي قام بها نتنياهو في الكونغرس الأميركي ضدّ إرادة أوباما وإدارته وعلى أرضه. كسب بها نتنياهو الانتخابات.
خسر الجمهوريون وسيذهب أوباما لتوقيع الاتفاق مع إيران والشرخ الحزبي الأميركي سيزداد… ولم يحصد الجمهوريون إلا الخيبة، ولات ينفع الندم.
تخلف العقل الجمهوري وسيجني خسارته لاحقاً. تتخلف المعارضة عن «موسكو2» فماذا يمكنها أن تجني، غير الخسارة المزدوجة؟ تزداد تشظياً وهي تتآكل من ذاتها، وتخسر آخر من يمكن أن يبقي عليها وهي تبارك لنتنياهو بفوزه في الانتخابات.
هي «إسرائيل» العدو الذي يسرق الأرض، أية معارضة هذه التي تعارض وطنها وشعبها لتصالح العدو وتهديه أرضها… أي زمن متخلف هذا الذي نعيشه؟ وأيّ متخلفين هؤلاء الذين يتخلفون عن درب الحوار نحو إنهاء الحرب على بلادهم؟
من يمثل الشعب السوري عليه أن لا يكون متلوّناً، وأن لا يركب فقاعات الهواء الملوّنة التي تطلقها أفواه المأمورين، الذين يشرون عبوديتهم ببترولهم، لأنها في النهاية فقاعة ترقص مع الهواء قليلاً ثم تفرقع بل تفقأ.
أميركا لا تريد إنهاء الحرب على سورية والعراق، لأنها هي من خلقت «داعش» ولو كانت جادّة في القضاء عليها، لمنعت بقرار أممي ضاغط تزويد «داعش» بأي دعم، مهماً كان مادياً أم معنوياً. هي تريد إضعاف قوى المنطقة لمئات السنين لتعيش «إسرائيل».
تضحّي بالبعض من مستوطنيها لتثبت أنها باتت مهدّدة من «داعش» وهذا ليس بجديد عليها. تبرز اليوم قوائم باسم 100 جندي من البحرية الأميركية، على أنهم مستهدفون من «داعش». لو حصل فلن يكونوا أغلى ممّن قضوا في 11 أيلول.
هي صنّعت، درّبت، نظمّت، سهّلت، دعمت، وأدخلت «داعش» إلى سورية والعراق، واليوم إلى ليبيا واليمن وبثوب «الإخوان» إلى مصر. وخلايا نائمة تفكك في المغرب وموريتانيا.
لن تسلم السعودية من تذوّق لسعات قنديل البحر الداعشي. بشّرتها أميركا عندما أغلقت سفارتها في السعودية ليومين بحجة أمنية. محدّداتها أصبحت اليوم واضحة.
تبارك أميركا جهود موسكو، ولا تضغط على أدواتها من المتخلفين لحضوره. لأنها في الخفاء ترفض حضورهم، هي ومشغلوهم في الدوحة واسطنبول والرياض، تحب عبثيتهم لأنها تحقق مآربها.
لكلّ المعارضة… إنْ أردتم التخلف عن حضور «موسكو 2» فعلى الأقلّ حصّنوا أدمغتكم من تخلف يودي بكم إلى التهلكة.