إلى مَن تتوجه محكمة الحريري الدولية؟
روزانا رمّال
منذ أشهر والمحكمة الدولية تستمع بشكل متتال إلى شهادات شخصيات سياسية لبنانية عاصرت أو عايشت الرئيس رفيق الحريري، وترتبط بطريقة أو بأخرى بملف الاغتيال بين شهود وأصدقاء، وكان آخرها شهادة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة.
لطالما شكلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نقطة خلاف وانقسام بين اللبنانيين الذين يعتبر جزء كبير منهم أنها محكمة مسيّسة بامتياز، فيما يرى فيها جزء آخر الأمل الوحيد لمعرفة حقيقة مَن اغتال الحريري الأب، ومَن أبعده جسدياً عن الساحة السياسية.
لم تحمل المحكمة الدولية بالنسبة لمن يتمسكون بها الكثير من الطمأنينة او الاستقرار في تتبّع سير أعمالها ونتائجها، فقد غيّرت وبدّلت أكثر من مرة ادّعاءاتها ونوعية شهودها، والدلائل التي تستند إليها، فبعدما كانت سورية المتهم الأول بالاغتيال فضبط في لبنان وأوقف كلّ من له علاقة بالنظام السوري، بما في ذلك اعتقال الضباط الأربعة رؤساء الأجهزة الأمنية، وشُنّت حملة على رئيس البلاد حينذاك العماد إميل لحود…
تبدّل الموقف فجأة، وثبتت براءة كلّ هؤلاء، وخرجوا من دائرة الاشتباه، كما خرج الضباط من الاعتقال وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، لكن من دون الالتفات الى الضرر النفسي والاجتماعي والعملي الذي لحق بهم، ومن دون محاكمة الشهود الزور الذين تسبّبوا بهذا التضليل وما ترتب عليه من أثمان دفعها أناس أبرياء، ثم لتأتي زيارة سعد الحريري إلى دمشق خير دليل على تبدّل موقف المحكمة منها.
موقف المحكمة الأخير أو لائحة المشتبه فيهم تبدّلت لتتجه مباشرة نحو اتهام حزب الله أو عناصر رئيسية فيه بالاغتيال.
هذا المشهد جعل مصداقية المحكمة الدولية على المحك مجدّداً، خصوصاً أنه لم يسبق لمحاكم دولية في العالم ان توصلت إلى نتائج غير مسيّسة أو شفافة، هذا عدا عن أنها تستغرق سنوات وسنوات لكي تغلق الملف او تتوصل الى نتائج نهائية، وهذا ما اعتبر من جهة اخرى عبئاً مالياً على الدول النامية التي غالباً هي من يلجأ إلى محاكم كهذه، لا الدول الكبرى التي تتمتع بالقدرة الكافية على البت بأمورها وكشف ملابسات الحوادث التي تحصل فيها، وبالتالي لا شيء يؤكد انّ التحكم بالدول الصغيرة والفقيرة كلبنان من قبل المحكمة غير ممكن أو وارد.
كلّ هذا طبيعي بين انقسامات وأخذ وردّ وشهادات وروايات في القضايا عامة، لكن الى من تتوجه المحكمة الدولية اليوم؟
في الواقع لا يهمّ سورية اليوم سير المحكمة الدولية، الأمور التي آلت إليها وهي التي جرى اتهامها منذ البداية، ثم تبرئتها بطريقة أو بأخرى، أو إبعاد الشبهة أو استبدالها موقتاً حسب المتغيّرات السياسية، إلا أنّ النظام الحالي في سورية الذي يصبّ كامل تركيزه على الأزمة في البلاد ومواجهة المدّ التكفيري لا يعنيه كثيراً اتهاماً لم يعد له تأثير بعدما تعرّض لأقسى منه بكثير من مجتمع دولي بأكمله طالب بإسقاطه، وبالتالي فإن قضية الحريري أو البحث فيها عن طريق هذه المحكمة بالنسبة لسورية هو آخر ما يمكن أن تفكر فيه بعد سيل الدماء الذي أغرق البلاد وسيل الاغتيالات هناك.
أما حزب الله المصنّف إرهابياً، والمعتاد على الملاحقة والتتبع والذي تعيش كوادره أسلوب حياة خاصاً ودقيقاً بسبب تتبع كلّ من يهمّه أمرهم من «إسرائيليين» وأميركيين وكلّ جهاز استخبارات موال للحركات الصهيونية، والذي يعمد كوادره على عدم الظهور العلني بين الناس، ويعيشون حياة سرية ودقيقة بسبب العدو التاريخي «إسرائيل»، لن يأبه كثيراً باستدعاء محكمة دولية، أو بمعنى آخر لن يمثل أساساً، وهذا مؤكد ويشبه الاستحالة التي يعرفها من شكل وأسّس ودعم هذا الاشتباه، وبالتالي لا تعني حزب الله فعلياً هذه المحكمة ولا تؤثر عليه لا سياسياً حيث علاقته الوطيدة بجمهوره، ولا مادياً ولا معنوياً ولا عسكرياً، إضافة إلى انخراطه التامّ في الصراع السوري، ومعارك العراق.
أما بالنسبة إلى إيران… فهي بيت القصيد، وهي اليوم في صدد توقيع اتفاق مع الغرب، وهي التي تحاور وتتفاوض وتلتقي وتعمل شركاتها وشركات أميركية وأوروبية على تعزيز التعاون الاقتصادي وتعزيز محاولات التطبيع، وهي التي على ما يبدو على موعد مع اتفاق إقليمي يتوّجها امبراطورية حقيقية ذات نفوذ كبير في عدة دول إقليمية رئيسية، وإيران التي لا يعنيها من قريب او بعيد التدخل بباقي الدول «بالتصريحات الاعلامية»، هي غير معنية بأيّ اتهام لحزب الله قد يغمز من خلاله اليها، وهي تبدو متصدّرة او تستعدّ لتتزعّم ملفات المنطقة مع الأميركيين…
فلماذا هذه المحكمة؟ وإلى مَن تتوجه؟ إذا كان أحد من المعنيين لا يبالي ولا يتأثر، وإذا كانت فقدت قدرتها على افتعال فتنة مذهبية بين اللبنانيين…
بعد المتغيّرات الإقليمية تبدو المحكمة الدولية أضعف حضوراً مما يمكن ان تكون في ظروف أخرى، وبالتالي لا يمكن الحديث حولها بجدية طالما أنّ الذين تستهدفهم يستحيل الرهان عليهم في أيّ تعاون… فإلى مَن تتوجه بعد اليوم؟
«توب نيوز»