موسكو 2 القاهرة 2 المعارضات إلى أين…؟
محمد ح. الحاج
لا يختلف محايدان حول مصداقية التوجه الروسي لوقف الملهاة المأساة في المنطقة، ومنذ البدايات، ليس انحيازاً لطرف على حساب الآخر، وإنما من منطلق القناعة الراسخة بأنّ حريق المنزل أو الحقل المجاور سيمتدّ إلى ما حوله، وإذا كان من مصلحة أميركا الصهيونية إشعال الحرائق في المنطقة حماية للكيان اللقيط، فإنّ المصلحة الروسية تتجسّد في إطفائها دفاعاً عن النفس وليس الهجوم على الكيان الصهيوني لأسباب موضوعية يعرفها الجميع.
الموقفان الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي ومنع التدخل الغربي تحت راية قرارات دولية في سورية، دفعا بجماعات المعارضة ومن يدعمها إلى تصنيف الدولتين في خانة العداء، متجاوزة الموضوعية وفهمها على حقيقتها، وبعد هذه السنوات المريرة من الصراع وامتداد الحريق إلى مناطق أخرى وشموله كامل رقعة المنطقة المشرقية، ووصول شظايا وتداعيات العمليات الإرهابية إلى مناطق في القارة العجوز وأبعد من ذلك، فقد كان من البديهي أن تتبدّل الكثير من المعطيات والمواقف وردود الأفعال على الصعيدين الرسمي والشعبي في جميع الدول ذات العلاقة، وفرضت نفسها على الموقف الروسي الذي تطوّر من الوجهة الاستراتيجية العملانية تزويد الجيش العراقي بأسلحة ومعدات حديثة كان أهمها الطيران الحربي، واستمرار تزويد الدولة السورية بكلّ مستلزمات الصمود عسكرياً واقتصادياً ، وفي نفس الوقت تطوير الخطاب تجاه المعارضات لتوضيح هذه المواقف والدعوة إلى المصالحة والتسوية في إطار حوار سوري سوري للوصول إلى الحلّ المنشود عن طريق تقديم مشورة روسية مدعومة بموقف دولي راغب في الحلّ، عن قناعة، أو رضوخاً لأمر واقع فرضته التداعيات ومسار المعارضات الفاشل على الصعيدين السياسي والعسكري الذي لعب الدور الرئيس في تحقيقه الشعب السوري بغالبيته.
القاهرة وبعد التجربة المريرة مع «الإخوان»، ووصول الفريق السيسي إلى الحكم اتجهت إلى استعادة دورها العربي، وكان التوجه شرقاً، تناغم مع موسكو، وعلاقات جديدة مع طهران، وعودة الروح إلى علاقة جديدة مع العراق والشام، قابله توتر مع أنقرة، وهكذا انطلقت الدعوة إلى مؤتمر، أو لقاء القاهرة لعديد من المعارضات، بعضها لم يشارك في لقاء موسكو الذي شاركت فيه أطياف المعارضة الداخلية وبعضها محسوب على الدولة إلى جانب ممثلين رسميين عن الحكومة، وهذا ما لم يتحقق في لقاء القاهرة الأول، موسكو الأول والقاهرة الأول حصلا في زمن متقارب، وربما كانت الطروحات متقاربة، لكن المواقف كانت متباعدة إلى حدود بعيدة حتى بين أطياف المعارضات وعلى الأخصّ معارضات الداخل وجزء من معارضات الخارج، وهكذا جاءت النتائج أقرب إلى صفر كبير مع قليل من التفاهمات التي ربما أسّست لإمكانية البحث في لقاءات أخرى أو استمرار الاتصالات على نطاق محدود، أما انعكاساتها على صعيد الداخل والعمليات العسكرية فقد بقيت على ما هي عليه، وأعطت الدليل القاطع على أنّ الأطراف المتحاورة لا تأثير لها على ساحة المعركة، بعيداً عن الطرف الرسمي الذي أعلن مراراً موافقته الصريحة على وقف العمليات، إما لأسباب إنسانية، أو لتجنيب المدن أو ما بقي منها مزيداً من الخراب، وهذا ما بدا واضحاً في الموافقة الرسمية على خطة دي ميستورا لتحييد حلب وقد رفضتها المعارضات ذات الرؤوس المتعدّدة.
الفشل الصريح لموسكو واحد والقاهرة واحد في تحقيق الانفراج ولو على نطاق ضيّق، أو وقف محدود للعمليات، أو حتى تحقيق هدنة بعيداً عن الوعر في حمص لا يسمح للمحلل أن يتفاءل أو يتوقع حصول معجزة أو خرق من خلال لقاء موسكو2 أو القاهرة2، وقد ظهرت بوادر الرفض من أطراف عديدة في معارضات الخارج التي لا تملك قرارها في الأساس، وإنما تخضع للجهات المموّلة أو الوصائية المتمثلة بحكومات ومرجعبات مختلفة منها مجموعة الصهيوني الفرنسي هنري ليفي، وحكومة العدالة والتنمية في اسطنبول، ومشيخة الدوحة، وأمراء آل سعود وآخرين… حتى العدو الصهيوني يشارك في قرار الحوار، وتبقى القاهرة الأقلّ تأثيراً في هذا المجال ومثلها موسكو رغم الجهود الهائلة التي تبذلها على طريق اجتراح مخرج ما، ربما يرضي الأغلبية، مع استبعاد احتمال قبول الأطراف الفاعلة في ساحة المعركة وهي في الأساس ترفض أيّ حوار أو موقف تفاوضي وتعلن استمرارها في الحرب حتى النهاية.
البعض من أركان المعارضات الخارجية يدرك تماماً أنه لن يكون طرفاً مقبولاً في أية مرحلة لاحقة تتشكل فيها حكومة وفاق وطني، وهؤلاء معروفون تبعية وولاء وهم مرفوضون من الشارع الوطني، رسمياً وشعبياً، وقلة من هؤلاء يمكن التعامل معهم أو قبول عودتهم إلى الحياة السياسية الوطنية، لا تساهل مع العمالة والعملاء على الصعيد الشعبي، الأوراق المحروقة لا يمكن أن تعود إلى الحياة، ولهذا تكون رغبة هؤلاء أن لا يحصل حلّ، إذ أنّ استمرار الأزمة والمعاناة توفر لهم أبواباً جديدة للارتزاق والتمويل واستمرار رفاهية الفنادق الفخمة وحضور المؤتمرات واللقاءات، وقد عبّروا عن رغباتهم تلك من خلال مواقفهم في لقائي موسكو والقاهرة1، أو من خلال الاتصالات الجارية حالياً، ومن المتوقع أن تتكرّر مجريات ما حصل سابقاً لتأتي النتائج مماثلة أو مع قليل من التقدّم لا يندرج في خانة الحلّ، لا الموقت ولا النهائي لأزمة تخريب الوطن وقتل المواطنين، ومن الملاحظ ترافق عمليات هجوم واسعة على مساحة الوطن وإيقاع خسائر بشرية غير مسبوقة في بعض المناطق يمكن إدراجها وتصنيفها على أنها مجازر بحق الإنسانية لاستهدافها قرى آمنه ومدنيين آمنين، مع تنشيط الاتصالات السياسية وتوجيه الدعوات.
الذين شاركوا من مجلس اسطنبول رغم قرار عدم المشاركة، خرجوا، أو تمّ إبعادهم، ومن شارك في القاهرة من جماعة ائتلاف الدوحة ثم خرج، هؤلاء ما عادوا في الحسابات أرقاماً ذات معنى، ولأنهم كذلك كما في تنظيمات وتنسيقيات أخرى لا يمكن إقامة حوار قابل للحياة، أو تحقيق نتائج تنعكس على مجريات الأزمة، وإذ لا تشارك قيادات ميدانية لها قدرة إصدار القرار فإنّ نتائج أيّ حوار سواء في موسكو أو القاهرة ستبقى ضمن دائرة التساؤل عن تأثيرها المباشر وغير المباشر على مجريات المعركة مع الإرهاب، الذي لا حوار معه بالمطلق وعلى أيّ مستوى، وهو المعروف بأنّ قيادته دولية تتحكم بها جهات متعددة، ومستويات، وحسابات متعددة لأطراف لا يدخل في مخططاتها المصالح الوطنية لشعوب المناطق المستهدفة في مصر أو اليمن، أو بلاد الشام، أو حتى الشرق الأوسط في بلاد الأفغان والبلوش أو الهنود.
لا شكوك لدينا في رغبة كلّ من موسكو والقاهرة تحقيق أمن واستقرار المنطقة، فهما معنيتان، ولكلّ منهما تجربة مريرة مع إرهاب رعته وموّلته دول الغرب ولقي دعم أطراف عربية محلية له، ولا شكوك لنا في رغبة الحكومة في الشام أن يتحقق حلّ سلمي، وهي رغبة صادقة لكنها لا تصل حدود الاستسلام والقبول بهزيمة ما لهذا الشعب، لكن الشكوك تحيط بكلّ قيادات المعارضات الخارجية المرتبطة بمشاريع ومخططات أطراف متعددة تعمل لتحقيق مصالحها بعيداً، ونقيضاً لمصالح الشعب السوري ومن هذه الأطراف العدو الصهيوني، ومن المؤكد أنّ مواقفهم سوف تستمرّ على نفس المنوال لإفراغ أيّ لقاء أو مؤتمر من مضمونه وأهدافه بذرائع شتى وشعارات شتى كما فعلوا في الماضي، هؤلاء لا جدوى من اللقاء معهم أو محاورتهم أو عودة أيّ منهم إلى أرض الوطن، فقد باعوه منذ البداية بعشرة من الأخضر.