فرنكنشتاين اللبنانيّ خلق الوحش… فأمسك هذا بخناقه
جورج كعدي
تنطبق علينا في هذه المرحلة رواية ماري شيلي وشخصية فرنكنشتاين التي ابتكرتها، فالعالِم المهووس هذا شاء التحكّم في دماغ «مخلوقه»، وعندما صحا المخلوق هجم على «خالقه» لقتله خنقاً.
اللبنانيّون الذين استمات بعضهم و«استفحش» لإنشاء ما يسمّى بـ«المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» هم فرنكنشتاين ذاك، الذي خلق وحشاً فقد الوطن السيطرة عليه، وها هو ينقضّ ليمسك بخناق الأفراد والمجموعات، مثل سلطة انتدابيّة عليا لا سلطة تعلوها في لبنان، إن سياسيّة أو قضائيّة أو مدنيّة، والبرهان هو التجاوز الفاجر والوقح لجميع السلطات السياسيّة والقضائيّة والحقوقيّة والمدنيّة والإعلاميّة، وإصدار تهم وإطلاق أحكام والتهديد بالسجن في حقّ شخصين يمثّلان مؤسّستين إعلاميّتين لبنانيّتين بارزتين!
هذه المحكمة العجيبة التركيب والصلاحيّات، المفترض أنها أُنشئت لتكون في تصرّف القضاء اللبنانيّ والوطن اللبنانيّ، لا العكس، ويتمثّل فيها لبنان بقاضيين، لم تكلّف نفسها من باب الأصول وبنود التأسيس والاتفاق واحترام السيادة الوطنيّة اللبنانيّة على أرضها ومواطنيها، الاستعانة بالقضاء اللبنانيّ وتقديم شكوى من «المحكمة» أمامه ضدّ أفراد أو مؤسّسات تعتبر أنّهم أساؤوا إلى عملها وسير «عدالتها» أنضحك أو نبكي حيال «عدالة» مماثلة؟! فيها، علماً أنّ القاصي والداني باتا يعلمان أن «التسريب» الذي تشكو منه تتحمّل هي دون سواها مسؤوليّته، وإلاّ أين هي سرّية التحقيقات وأسماء الشهود والمشتبهين أو غير ذلك من الأدلّة والملفّات والوقائع؟
لو كانت محكمة صادقة، مهنيّة وجدّية، وتعمل حقّاً لمصلحة لبنان واللبنانيّين إحقاقاً للعدالة وكشفاً للقتلة والمجرمين والإرهابيين الذين ارتكبوا عمليّات الاغتيال في لبنان، بدءاً باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى سائر الشهداء ممّن يشملهم عمل المحكمة، أما كان جديراً بها التعاون مع القضاء اللبنانيّ بالتفاصيل والقضايا والشكاوى كافّة التي تهمّ «المحكمة» وغايتها ومسار التحقيقات والمحاكمات فيها؟ لو كان فريقها مكوّناً فعلاً من قضاة نزهاء وحكماء ومستقلّين وغير مسيّسين أو خاضعين لتأثير أو توجيه من دول معيّنة، مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربيّة السائرة في فلكها، لما تصرّف هؤلاء خارج الأصول القانونيّة والدستوريّة والعرفيّة والأخلاقيّة، ولما تجاوزوا سلطة قضائيّة موجودة وفاعلة وحاضرة بكامل جسمها من قضاة ونيابة عامّة ومحكمة مطبوعات خاصة بوسائل الإعلام ومحامين، وفي مقدّم هؤلاء حضرة وزير العدل، أشرف ريفي، الذي لم نسمع له صوتاً ولا رأياً ولا تصريحاً ولا تلميحاً يستهجن تجاوزه وتجاوز القضاء اللبناني الذي يمثّله! إلاّ إذا كان يعتبر نفسه غير موجود، أو غير مسؤول وغير مولج بالدفاع عن القضاء وحمايته من التجاوز والاستباحة المنطويين على تحقير للسلطة القضائيّة الوطنيّة المعتبرة في أفضل الأحوال بالنسبة إلى «المحكمة الدوليّة» المُنتدِبَة غير موجودة ولا علاقة لها ولا صلاحيّة أو رأي أو وظيفة بعد اليوم! فإذا كان رأي الوزير ريفي، المخطوف نَفَسه بتوجيه من سيّده سعد الحريري ومن ورائهما الآمر الأميركيّ، فهذا شأنه ورأيه وليس شأن أو رأي معظم الشعب اللبنانيّ الذي يرى في ما حدث إهانة للوطن وسلطاته القضائيّة المستقلّة، واستباحة رهيبة للقوانين الدوليّة التي نصّت عليها «شرعات» الأمم المتحدة وشرائعها، والدستور اللبناني الذي يصون دولة مستقلّة اسمها لبنان، حتى لو أقيمت لأجلها استثنائيّاً ولظروف معروفة ومحدّدة «محكمة» دوليّة تساعد القضاء اللبنانيّ ولا تتجاوزه أو تنصّب نفسها مكانه سلطة قضائيّة وقانونيّة مطلقة تتّهم من تشاء وتوقف من تشاء وتحاكم من تشاء وتسجن من تشاء! أين نعيش؟! بل أين تعيش هذه «المحكمة» الهمايونيّة الانتدابيّة؟! في أيّ غابة وفي أيّ عصر حجريّ متوحّش؟! أهي «محكمة» تعي الزمن الموجودة فيه، القرن الحادي والعشرين، أم التبس عليها الزمن واختلطت المفاهيم؟! ما هذه الوقاحة؟ ما هذا الجنون «الحقوقيّ» العجيب؟
المطلوب، وحال الانحطاط قد بلغت هذا الحدّ الانتدابيّ الفضائحيّ المنافي للأعراف والقوانين والدساتير، هو الآتي:
1 ـ انسحاب القاضيين اللبنانيين الملحقين بالمحكمة على أساس تمثيل القضاء اللبنانيّ فيها، فوراً، بلا تردّد، تضامناً مع القضاء الوطنيّ وحفظاً لكرامته التي انتهكت واستبيحت وعوملت بتجاهل واحتقار.
2 ـ إعلان موقف رسميّ من قِبل رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابيّ، ومن مجلسي الوزراء والنواب مجتمعين، ومن وزير العدل شخصيّاً، ومن نقابة المحامين، ومن مجلس القضاء الأعلى والقضاة وجميع الحقوقيّين في لبنان، استنكاراً لعملية التجاوز والإهانة والاستخفاف التي أبدتها «المحكمة الدوليّة» المتمرّدة على خالقها، فرنكنشتاين اللبنانيّ جماعة «المستقبل» وأتباعه ، وتريد خنقه وخنق الوطن معه.
3 ـ تطلب الحكومة اللبنانيّة والمجلس النيابيّ إعادة النظر في بنود الاتفاق الموقّع مع هذه «المحكمة» التي خرقت هي تلك البنود وخالفتها، متجاوزةً مهمّاتها وصلاحيّاتها ونطاق عملها المحدّد بأصول وضوابط.
4 ـ تظاهر القطاعات المدنيّة والقضائيّة والإعلاميّة كافة للمطالبة بمقاطعة هذه «المحكمة» وحماية السيادة اللبنانيّة من تجاوزاتها ومخالفاتها، وإلاّ اعتبار لبنان في حِلٍّ من الاتفاق غير المحترم وإعادة تسليم القضاء اللبنانيّ الوطنيّ حصراً ملفّات الاغتيالات ليقوم بواجبه العادل والنزيه، بعيداً عن التسييس المحلّي والإقليميّ والدوليّ الذي خلق مسخاً مسمّى «شرعيّاً» تصعب السيطرة على أفعاله المشبوهة والمجنونة!