أيّ الحسناويين هو «الشهيد»؟… وجهة نظر حول مقتل طالب «إخواني»

عبد الفتاح نعوم

على مألوفها، تقرّر منظمة التجديد الطالبي والذراع الطالبية لـ»الإخوان المسلمين» في المغرب أن تقيم نشاطاً للتسويق لخطها الفكري والسياسي مثل أي تيار أخر، وهذه المرة قرّرت أن يكون الضيف المميّز الذي سيحلّ على جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس القيادي في حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية لـ»الإخوان المسلمين»، عبد العالي حامي الدين.

دلالة هذه الخطوة لا تقف عند ما توحي إليه كنشاط عادي ضمن سلسلة الأنشطة التي يقوم بها «الإخوان المسلمون» لتدعيم وجودهم في الجامعات، إنما تتأتى من تاريخ الضيف نفسه وعلاقته بالجامعة المزمع عقد اللقاء في رحابها.

قبل أن يصبح عبد العالي حامي الدين أستاذاً جامعياً، كان طالباً في كلية الحقوق ضهر المهراز في فاس، أي الجامعة نفسها، لكنه كان أيضاً من الضالعين في اغتيال الطالب الماركسي ايت الجيد بنعيسى وهذا لم تتعرض له الدولة حتى الساعة بتحقيقات جدية، رغم أن القضية باتت قضية رأي عام وسط مطالبات مكرورة لأسرة ايت الجيد بنعيسى ومطالبات قوى سياسية أخرى بالتحقيق والقصاص. لذلك فإن الخطوة كان الهدف منها جس نبض التيار السياسي والفكري الذي كان ينتمي إليه إيت الجيد بنعيسى واختبار قدرته على الردّ وتبيان طبيعة رده، كما كان استعراضاً للعضلات، فالمتهم باغتيال ايت الجيد أصبح أستاذاً جامعياً وقيادياً في حزب يقود الحكومة!

تأتي الخطوة أيضاً في سياق الرغبة المحمومة التي يلتقي عليها «الإخوان المسلمون» والنظام الحاكم في المغرب، فلدى «الإخوان» أكثر من سبب لعداء الماركسيين، في حين أن نظام الحكم يعادي الماركسيين في الجامعة المغربية لكونهم الأكثر قدرة على إحداث ممانعة قوية في وجه طموحاته الرامية إلى خصخصة التعليم، وهو المخطط الذي شرع في التأسيس له منذ اخراج الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكان لا بد من كسر الحلقة الصلبة أمامه، وهي الحركة الطالبية التي يقودها منذ ولادتها تقريباً الطلاب الماركسيون.

طالما أن الحكم في المغرب هو قسمة بين النخب التقليدية و«الإخوان المسلمين» فلا بد من كسر آخر قلاع الماركسيين في المغرب، والبداية من ضهر المهراز، وبدا واضحاً أن هؤلاء منذ وصولهم إلى السلطة وقيادتهم الحكومة وفق منطق الصفقات الذي مكّنهم من الوصول إلى ما وصلوا إليه إقليمياً وفي المغرب، فمنذئذ وهم يهرعون إلى إتيان كلّ ما من شأنه المسّ بمصالح الفقراء وتضييق الخناق عليهم في التعليم والتشغيل وفواتير الماء والكهرباء وأسعار المحروقات، ولا يزال صخب عويل وزرائهم في الآذان حول رسوم التسجيل في التعليم العالي وخصخصة التعليم وجلب الجامعات الخاصة كي تفتح فروعاً لها في المغرب، وعن الأقطاب الجامعية، والكلّ يعلم أن هذه الإجراءات تعتبر مقدمات لضرب مجانية التعليم التي رفع لأجلها الماركسيون دون سواهم شعار «المجانية أو الاستشهاد».

لذلك شعر هؤلاء الطلاب الذين يمثلون الامتداد الفكري والسياسي لايت الجيد ورفاقه هم وجماهير الطلاب الذين يثقون بمناضلين يرون بأمّ العين أنهم يحرمون أنفسهم من كلّ شيء للمبادئ ومصالح الجماهير الشعبية، وأنهم يعرضون أنفسهم لكل الأخطار من جراء ذلك. شعروا جميعاً بضرورة التصدي لأي استفزاز من أي نوع، خاصة إذا تعلق الأمر بجلوس متهم بالقتل أمامهم محاضراً عن الديمقراطي!!

أما في شأن ملابسات الحادث، هرولت جميع الصحف والمنابر الموالية للتحالف الحاكم لإلقاء المسؤولية على «فصيل النهج الديمقراطي القاعدي» ذي التوجه الماركسي، من دون تحقيق في الحادثة، ما يعكس التحامل على هذا التيار والرغبة في شرعنة محاصرته والرغبة في اجتثاته، فكيف يسمح له بالبقاء وهو الوحيد الذي لا يزال يقول إن «القضية الفلسطينية قضية وطنية» في حين يكاد يعتبرها الجميع مجرد خبر في صفحة الحوادث الدولية في الصحف الصفراء، وهو التيار الوحيد في المغرب الذي لا يزال يعري ويفضح تبعية معظم الأنظمة العربية للإمبريالية ومصالحها ويفضح مخططاتها الرامية الى التقسيم والاستعمار الجديد تحت غطاء الحريات والديمقراطية، كما جرى في العراق ويجري الآن في أكثر من بلد، وهو الوحيد الذي لا يزال يعتبر قضية التعليم مقدسة ومصيرية ويدافع عن تعليم علماني ومجاني.

قد يكون في الأمر استفزاز نتج منه اشتباك أسفر عن جروح في قدم «الحسناوي» عضو منظمة التجديد الطالبي، لكن المسؤولية على من يستفز ذاكرة المناضلين ويتحداهم بأن يأتي إليهم بقاتل رفيقهم كي يحاضر فيهم عن «الشرف»، ثم يستفزهم كي يورطهم في اشتباك تقام ضجة على جروح أصابت أفراداً في فريقهم من دون أن يذكر شيئاً عن جروح الطلاب الماركسيين وكسورهم، وقد حررت منذ زمن مذكرات بحث في حقهم، بل ربما تعمد طرف ما ألاّ ينقذه في الوقت المناسب كي تكتمل الذرائع، خاصة أنه منذ فترة قريبة يرفع قياديو أحد الأحزاب المحسوبة على اليسار «الوديع» مذكرة إلى رئيس الحكومة تطالبه بالتدخل لحمايتهم، بحسب تعبيرهم، من إجرام النهج الديمقراطي «القاعدي»، فلا شك أن في الأمر حملة مدروسة لاجتثات هذا التوجه.

نتفهّم أن يفعل الإسلاميون ذلك في وجه المناضلين الماركسيين، لكن ما يعصي الفهم أن ينخرط في هذه الحملة من هم محسوبون على اليسار بشكل أو بآخر، وإن كان هؤلاء يتوسمون خيراً في تلك التيارات ويسعون إلى خطب ودها فلنا في التاريخ القريب عبرة. معظم الطلاب يذكرون الفتح الإسلامي وأصوات تكبير طلبة «الإخوان المسلمين» وهم يحملون علم الفتح متجهين صوب الأحياء الجامعية قادمين بالإسلام إلى ديار الكفر! ليس غريباً على من يقرأ «معالم في الطريق» أن ينظر إلى المجتمع على أنه جاهلي، فربما أخطأ الوجهة، بدلاً من أن يقرأ «العقد الاجتماعي» أو «منطق الكشف العلمي» أو أي سطر لأي رجل فكر إنساني، قرأ لسيّد قطب وسمع خطب الظواهري قبل أن يتجه إلى أسوار الجامعة.

قبل سنوات اغتيل «الحسناوي»، وهو طالب آخر يحمل اللقب نفسه، لكنه كان مناضلاً في صفوف الطلاب الماركسيين، لكن يا للأسف لم تقم مثل الضجة وطلبات التحقيق في قضية وفاته. أما في شأن حسناوي «الإخوان المسلمين» فحتى «ليبيراليونا» حمائم السلام متضامنون معه وشاجبون لإجرام الماركسيين، بطبيعة الحال بالنسبة إليهم. هذا تضامن انساني مبدئي بصرف النظر عن خلافهم مع الإسلاميين، لكنهم لا يرون ضرورة للتضامن مع معتقلي ومفقودي وشهداء الحركة الماركسية اللينينة لأنهم بعرفهم، هم وإسلاميوهم ومن والاهم، ليسوا أي الماركسيين من الإنسانية في شيء، وهنا يُظهرون أنهم بعلم أو بغير علم جزء من الحملة السالفة الذكر.

«الحسناويان» كلاهما من الشعب المغربي، لكنّ كلاًّ منهما اختار الاصطفاف على جبهة مقابلة للآخر، وكلاًّ منهما شهيد بحسب مفهوم الشهادة الذي يتبناه كل طرف، لكن الحسناوي الأخير هناك من أراده أن يكون شهيداً كي ينتقم لاستشهاده بحصد رؤوس المئات، وبعد ذلك يتفرغ كي يقضي على ما تبقى من لقمة الملايين، يقضمها منهم تباعاً في تعليمهم، والبقية تأتي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى