نورا أريسيان: انفرد الأدب السوريّ عربيّاً في تناوله الإبادة الأرمنيّة
كتب محمد الخضر وميس العاني من دمشق سانا : اهتمت الدكتورة نورا أريسيان بترجمة الأدب الأرمني ونقله إلى العربيّة، مركّزة على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تعنى باللغتين العربية والأرمنية، فضلاً عن اهتمامها بالمحن التي تعرّض لها الأرمن أيام العثمانيين. وترى أن الأدب الأرمني ارتكز عامة على التراث الشعبي الأرمني الذي ارتبط بوجود اللغة الأرمنية في القرن الخامس الميلادي، إذ ظهرت نماذج من هذا الأدب إلى جانب الشعر الغنائي الروحي والكنسي الأرمني، إضافة إلى السرد النثري التاريخي. واقتصر الأدب الأرمني ماضياً على أشعار وأغان شعبية متوارثة، إلاّ أن تطوره تباطأ نتيجة الغزو المغولي بين القرنين 13 و 15، رغم استمرار النصوص النثرية والشعر الغنائي، مسجلاً تطوراً ملحوظاً بين القرنين 17 و 18، إذ ظهر تأثير نمو الأفكار التحررية الوطنية. وتقول أريسيان: «مثل الآداب العالمية كافة نجد في الأدب الأرمني المدارس الأدبية الرومنطيقية والواقعية وغيرها، وبعد انضواء ارمينيا تحت مظلة الاتحاد السوفياتي ظهر أدب أرمني خاص في تلك الفترة، وفي المقابل ظهر أدب أرمني مهجري اتسم بالحنين إلى الوطن وقضايا الشتات.
أما الشعر الأرمني فغلبت عليه الغنائية في القرون الوسطى إذ راج فن الشعر الغنائي المعروف بالزجال، وبين القرنين 9 و 13 تفوقت الملحمة الشعبية الأرمنية، مثل ملحمة دافيد الصاصوني التي تمثل كفاح الشعب الأرمني. وللشعر الأرمني مقاييس، فهناك الشعر النثري والموزون وفق المقاييس المعروفة، لكن الشعر الحديث كسرها كلها بعدما دخل في مسيرة التطور، وانفتح الأرمن في كيليكية على الأدب الغربي فدخلت الشعر عناصر لم تكن معروفة مثل الوصف والغزل وأثرت فيه حتى أخرجته عن مظلة الدين».
تلفت أريسيان إلى أن اللغة الأرمنية تأثرت عامة بلغات جيرانها من الشعوب المعاصرة، ومنها العربية، والتداخل بين الأرمنية والعربية مردّه التداخل بين الشعبين وطبيعة العلاقات التاريخية بينهما وتعود إلى الفتح العربي لأرمينيا في القرن السابع. وتجلى تأثر الأرمن بالأدب العربي في شعرهم من خلال اقتباسهم الوزن والقافية عن الشعر العربي. ويحتفي الشعب الأرمني بذكرى عيد المترجمين القديسين الأرمن في الأسبوع الثاني من تشرين الأول من كل عام، وتعد هذه المناسبة من الأعياد الوطنية الكنسية لدى الشعب الأرمني، وعيداً مخصصاً لاختراع الأبجدية الأرمنية واحتفاء بكبار رجال الثقافة ورواد حركة الترجمة. أما الترجمة من اللغة الأرمنية إلى العربية فهي شحيحة مقارنة بالترجمة من العربية إلى الأرمنية، إذ ترجم العديد من المصادر العربية عبر مؤلفين أرمن، كما ترجم العالم اللغوي الأرمني المشهور هراتشيا أجاريان مقتطفات من رحلات ابن بطوطة. وظهرت بعد فترة الفتح الإسلامي لأرمينيا حركة ترجمة متبادلة من جراء التبادل الثقافي بين الشعبين الأرمني والعربي نتيجة الاحتكاك بينهما وإتقان الأرمن اللغة العربية، ووجد عدد من الأرمن الذين أبدعوا باللغة العربية مثل المؤرخ أبو الصالح الأرمني وغيره، ومطلع القرن العشرين ترجمت إبداعات كتاب وشعراء ومؤرخين ومستشرقين وعلماء أرمن إلى العربية».
تشير مؤلفة كتاب «غوائل الأرمن في الفكر السوري» إلى أن نزار خليلي كان من أوائل المترجمين الذين نقلوا إلى العربية الأدب الأرمني، فبعدما أتقن اللغة الأرمنية من خلال احتكاكه بالأرمن وعمل في التعليم في إحدى مدارسهم في حلب، شرع في ترجمة العديد من المؤلفات إلى العربية مثل الملحمة الشعرية المراثي لكريكور ناريكاتسي ونماذج من أعمال نرسيس شنورهالي وغيرها. وتلك الأسباب كلها مجتمعة جعلت من اللغة العربية لغة قريبة من قلوب الأرمن القاطنين في الدول العربية، إذ أضحت وسيلة للاحتكاك والتواصل الحضاري مع الشعب العربي، ودخلت في أرمينيا الأبحاث المتعلقة بالعربية نطاق البحث الأكاديمي، ولقيت رواجاً في مراكز الدراسات، واليوم يزداد باطراد اهتمام الأرمن باللغة العربية ولهجاتها المختلفة».
بالنسبة إلى أثر الإبادة الأرمنية على الأدبين الأرمني والعربي توضح أريسيان: «لا شك في أن موضوع الإبادة الأرمنية كان ذا وقع كبير على جوانب الحياة كافة لدى الأرمن في الأدب والفن والموسيقى، لذا يتسم الأدب الأرمني بمسحة حزن لما يحويه في موضوع المأساة، فالإبادة موجودة في الشعر والقصة والرواية ومختلف الأجناس الأدبية».
في صدد تناول الأدب العربي الإبادة الأرمنية، تعتبر أريسيان أن الأدب السوري ينفرد بين الآداب العربية الأخرى، لأنّ السوريين هم أول من احتك بالموضوع، وتحولت معاناة الشعب الأرمني إلى مادة كتابية وموضوع بنيت على أساسه دراسات وإبداعات أدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية لدى بعض الكتاب السوريين.
تلفت مؤلفة «أصداء الإبادة الأرمنية في الصحافة السورية» إلى أن الكتاب السوريين أدخلوا مأساة الأرمن في أعمالهم الأدبية، للتعبير عما تسببت به فظائع الأتراك في الروح الإنسانية، فليس صعباً اكتشاف عذابات الإنسان الأرمني وذكريات المذابح الرهيبة التي أخذت حيزاً لا بأس به في الأدب السوري بتجلياته، خاصة في أعمال وليد إخلاصي وإبراهيم الخليل وحسن م. يوسف وعبد السلام العجيلي وممدوح عدوان ونبيل سليمان وحسن حميد وعبد الرحمن منيف وغيرهم. وترى أن الإنسان والشخصية الأرمنية حاضران ولا يغيبان عن روح الكتاب السوريين ورواياتهم، فالأرمن شكلوا قسماً لا بأس به من ذكرياتهم فجعلوا الشخصية الأرمنية إحدى المفردات الأساسية في بعض الروايات والمسرحيات. وتؤكد أن تلك الحوادث غدت مادة تاريخية لبعض الباحثين والمؤرخين السوريين، وأفاد العديد من الكتاب من الشخصيات الأرمنية في أعمالهم الأدبية الإبداعية إذ يرى الكتاب السوريون أن مصدر المعاناة لدى الأرمن والسوريين واحد، لذا هم على اطلاع جيد على وجوه المسألة كافة.
تثني أريسيان على التعاون الثقافي بين أرمينيا وسورية وورد في جميع الوثائق والاتفاقات الرسمية الموقعة بين الجهات المعنية في البلدين، خاصة بين وزارتي الثقافة والهيئات الثقافية فيهما، وثمة وهناك دعوات إلى تبادل الزيارات بين اتحاد الكتاب العرب واتحاد الكتاب الأرمن، مشدّدة على ضرورة تفعيل هذا الجانب من التفاعل للانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، فالثقافة والكتابة والترجمة من أبرز عناصر التلاقي بين الشعوب والدول.
الدكتورة نورا أريسيان تحمل دكتوراه في التاريخ الحديث من أكاديمية العلوم الوطنية في أرمينيا، ومن مؤلفاتها «غوائل الأرمن في الفكر السوري» و«أصداء الإبادة الأرمنية في الصحافة السورية» و«مئة عام على الإبادة الأرمنية» وفي الترجمة «ضريبة اللباقة» مجموعة قصص مترجمة عن الأدب الأرمني ، وهي أمينة سر جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب في سورية ومسؤولة شعبة اللغة الأرمنية في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق.