القمة العربية: الشكوك تعود حول دور مصر
عامر نعيم الياس
تنعقد القمة العربية في مصر في مدينة شرم الشيخ، بعد أسبوعين على عقد مؤتمر «دعم الاقتصاد المصري وتنميته» في المدينة ذاتها، والذي نجح إلى حدٍّ كبير في انتزاع تعهدات مالية واقتصادية بدعم مصر بكتلة وقدرها 70 مليار دولار، بحسب الوعود التي قطعت، مع أن تحديد جدول زمني وآليات لدعم الاقتصاد المصري بهذا المبلغ العتيد ليست واضحة حتى اللحظة.
من الواضح أن دعم مصر بهذا المبلغ الضخم لا يندرج فقط في سياق محاولة اجتذاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيداً عن روسيا، بل له ثمنٌ سياسيٌ على القاهرة أن تدفعه إن أرادت ونظامها تثبيت دعائم الحكم الجديد داخلياً بعدما قلب الربيع الأميركي الأولويات الداخلية العربية رأساً على عقب وجعل الهمّ المعيشي في ظل تداعياته الكارثية يتصدر أولويات الاهتمام الشعبي في معظم الأقطار العربية لا مصر. من هنا عادت الشكوك تدور حول الدور المصري في الإقليم. تصريحات متتالية حول ربط أمن الخليج بأمن مصر القومي، بما يحمله من غمزٍ من قناة إيران بوصلة العداء الفضلى لدول الخليج والدول الغربية على يمين واشنطن التي تسعى بدورها إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران. فضلاً عن الطرح المصري الذي يتوقع أن يحتل مكاناً بارزاً في جدول أعمال القمة العربية والخاص بتأسيس «قوة عربية مشتركة» للتدخل في الدول التي تعاني من اضطرابات مسلحة، هنا تحضر ليبيا وسورية والعراق واليمن، حيث الرياض تكسب الصراع بعداً طائفياً وليس سياسياً، فيما لا يخفَ على أحد أن الاقتراح بتشكيل قوة عربية مشتركة من شأنه أن يرضي تركيا التي تنسجم هي الأخرى مع خطاب الاستقطاب القائم في المنطقة، من دون أن يعني ذلك ضمَّ تركيا إلى القوة العربية المشتركة المنوي تشكيلها. لكن السؤال الذي يطرح هو: لماذا طرح السيسي تشكيل قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب؟ عن أيّ إرهاب يتحدث؟ وما هي إمكانيات إقرار هذا الاقتراح في القمة العربية؟
الطرح مشبوه، فعلى رغم أنه يوحي بإمكانية العودة إلى الحاضنة العربية لكي يحل العرب مشاكلهم بأنفسهم، ويقطعوا الطريق على التدخلات الخارجية، إلا أن حجم الانخراط الدولي والإقليمي والبعد الموازي لهما في ساحات الصراع على الأرض العربية، يجعل من الصعوبة بمكان تشكيل قوة عربية بمنأى عن التجاذب القائم في المنطقة وصراع المشاريع. وبالتالي فإن هذا التحالف سيجر مصر إلى الحالة الطائفية أو «التحالف السني» لمواجهة، ليس الغرب ومشاريعه، إنما «التحالف الشيعي» وفقاً للمصطلح الخليجي لتوصيف الأزمة هذا أولاً، وثانياً ما هي الساحات التي سيبدأ بها هذا التدخل، هل من الممكن أن تكون البحرين على جدول الأعمال أم أنها من اختصاص قوات «درع الجزيرة»؟ هل تبدأ القوة العمل في ليبيا حيث تقاطع المصالح بين أنقرة والرياض وواشنطن أجهض أي نية للتدخل العسكري المصري في ليبيا سواء المنفرد أو عبر مجلس الأمن الدولي؟ ماذا عن سورية هل يبدأ التدخل بها، هل تستطيع قوات عربية مشتركة الدخول في مكان عجز عنه الأطلسي، وإن تمَّ ذلك كونه أولوية سعودية، ما هو الإرهاب الذي ستواجهه القوات العربية المشتركة أهو «داعش» و«النصرة» وغيرهما من الفصائل السلفية المتطرفة، أم الفصائل الموالية للجيش السوري؟ هل ستتمكن القوة العربية التي يأمل بها السيسي من ضرب الفصائل الإخوانية وفصائل الإسلام السياسي كافةً، ماذا عن الدور التركي على الأرض في عدد من الساحات العربية وعلى رأسها سورية والعراق، هل تسمح أنقرة بضرب الفصائل المتحالفة معها، وإن سمحت هل يتحالف أردوغان مع القوة العربية المشتركة والتي تشكل القاهرة جسمها الرئيسي متجاوزاً خلافاته مع السيسي، ويدخل في مواجهة مباشرة على الأرض مع إيران؟
يدرك السيسي ما سبق من علامات استفهام سابقة، لكن الطرح الذي يمكن توصيفه بالخبيث يضع مصر في خانة أقرب إلى الحلف الخليجي، ما عدا سلطنة عُمان التي تقود المنطقة منذ انهيار الجامعة العربية في عام 2010، الحلف الخليجي الذي بدأ بعدوان على اليمن لم يتضح فيه حتى اللحظة حجم الدور المصري، ويثير المزيد من الشكوك حول حقيقة الدور الذي تريد القاهرة لعبه في المرحلة القادمة والذي لا يزال ضبابياً حتى اللحظة، فيما اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة يبقى بانتظار القمة العربية التي من المتوقع أن تشرع عمل التحالف الخليجي في اليمن تمهيداً لتشريع الأدوار العربية خارج الخليج وبالتالي الدفع بفكرة القوة العربية المشتركة قدماً، على رغم التساؤلات حول الرافعة السياسية لهذه الفكرة الملتبسة، التي يبدو أن طرحها جاء في جزءٍ منه للتغطية على فوز نتنياهو في الانتخابات «الإسرائيلية» في ضوء عدم رغبة عربية على إزعاج الحليف القديم الجديد في مواجهة العدو الجديد.
كاتب ومترجم سوري