أزمة أوكرانيا تتفاقم وجلسة نارية لمجلس الأمن حول الوضع في جنوب شرقي البلاد
حذر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أمس أثناء جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في أوكرانيا دعت إليها روسيا على خلفية العملية العسكرية التي شنتها السلطات الأوكرانية في مناطق جنوب شرقي البلاد.
وقال تشوركين إن «الإجراءات العقابية ضد الشعب تدل على عجز أو عدم رغبة القيادة في كييف في الوفاء بالتزاماتها التي تعهدتها بموجب اتفاقية جنيف الصادرة في 17 نيسان من أجل وقف شتى أشكال العنف وإطلاق حوار وطني شامل بمشاركة كل المناطق والقوى السياسية». وأضاف: «إن لم توقف المغامرة الإجرامية لزمرة كييف فوراً، فلا مفر من عواقب وخيمة وكارثية بالنسبة لأوكرانيا، ونحن حذّرنا من ذلك مرات عدة».
ولفت تشوركين إلى أن «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعمهما لمدبري الانقلاب في كييف ونهجهم في قمع الاحتجاجات، يأخذان على عاتقهما مسؤولية كبرى، ويغلقان في جوهر الأمر الطريق أمام التسوية السلمية للأزمة». مضيفاً أنه نظراً إلى ذلك لا تبدو مصادفة رفض واشنطن القاطع لمقترح إقامة حوار بين سلطات كييف ومناطق جنوب شرقي أوكرانيا تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، مشيراً إلى أن هذا الرفض يخالف ما تنص عليه اتفاقية جنيف حول تخفيف التوتر في أوكرانيا.
وقد أعلن دميتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي أن فلاديمير بوتين يحصل على المعلومات كافة حول تطور الحوادث في جنوب شرقي أوكرانيا بعد انطلاق العملية العسكرية بمشاركة القوات المسلحة الأوكرانية وباستخدام الطائرات الحربية، وأضاف: «وصف بوتين سابقاً أثناء زيارته إلى مينسك العملية العسكرية المحتملة بالجريمة. لسوء الحظ فإن تطور الحوادث الحالي يبرهن التقييم بشكل كامل». وأفاد أن فلاديمير لوكين مبعوث الرئيس الروسي توجه أول من أمس بأمر من الرئيس إلى جنوب شرقي أوكرانيا لإجراء محادثات حول الإفراج عن المراقبين العسكريين الأجانب المحتجزين هناك.
وأشار بيسكوف إلى أن الجانب الروسي فقد الاتصال بلوكين بعد انطلاق «العملية العقابية». وتابع: «بدأ نظام كييف في الوقت الذي تبذل روسيا جهوداً بهدف تخفيف حدة التوتر وتسوية النزاع، قصف التجمعات السكنية السلمية باستخدام الطائرات الحربية. وقضى بإقدامه على هذه العملية العقابية على كافة الآمال باتفاقية جنيف».
كذلك عبر بيسكوف عن قلق موسكو على حياة الصحافيين الروس والأجانب من منطقة إجراء العملية العسكرية، مطالباً باتخاذ إجراءات سريعة لضمان أمنهم. وأفادت وكالة «نوفوستي» الروسية أنها تمكنت من الاتصال بناتاليا ميرزا مساعدة مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير لوكين التي أكدت أن لوكين على ما يرام.
وكان أنصار الدفاع الشعبي في مدينة سلافيانسك في مقاطعة دونيتسك جنوب شرقي أوكرانيا أعلنوا عن إسقاط ثلاث مروحيات تابعة للقوات العسكرية الأوكرانية التي بدأت صباح أمس اقتحام مداخل المدينة في إطار حملة عسكرية واسعة تقوم بها سلطات كييف ضد أنصار الفيديرالية.
وأقرت وزارة الدفاع الأوكرانية بأن قوات الدفاع الشعبي في المدينة أسقطت مروحيتين للجيش فوق سلافيانسك بواسطة منظومة دفاع جوي محمولة وقالت إن عدد القتلى لم يتم تحديده بعد.
أكد وزير الداخلية الأوكراني المعين من قبل البرلمان أرسين أفاكوف مقتل أحد الطيارين، وأشار على صفحته على موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي إلى أن «مدينة سلافيانسك حوصرت بالكامل من قبل قوات الجيش وأفراد الحرس الوطني وعناصر الأمن والعسكريين تمكنوا من السيطرة على 10 من حواجز التفتيش التي أقامتها قوات الدفاع الشعبي داخل المدينة».
وأفادت وكالات أنباء نقلاً عن أحد قادة قوات الدفاع الشعبي أن القوات الأوكرانية سيطرت على المركز التلفزيوني في المدينة. ونقلت الوكالة عن مسؤول في السلطات المحلية قوله: «إن القوات الأوكرانية تنفذ عمليات إنزال المقاتلين بواسطة المروحيات وسط سلافيانسك»، مؤكداً سقوط جرحى جرّاء الاشتباكات.
وأسفر الهجوم الذي شنته سلطات كييف الجديدة على مدينة سلافيانسك جنوب شرقي أوكرانيا عن وقوع ضحايا من الطرفين، وأكدت وزارة الدفاع الأوكراني مقتل جنديين وإصابة عدد من العسكريين في المعارك، إضافة إلى تأكيدها إسقاط مروحيتين بواسطة منظومات محمولة للدفاع الجوي، وتضرر مروحية أخرى.
وأعلنت الوزارة عن احتجاز أربعة أشخاص كانوا يطلقون النار على المروحيات، الأمر الذي نفاه «العمدة الشعبي» للمدينة، قائد الدفاع الشعبي المحلي فياتشيسلاف بونوماريوف، مشيراً أن مسلحي «القطاع الأيمن» يطلقون الرصاص على السكان المدنيين الذين يساعدون في إقامة المتاريس والحواجز، على عكس القوات الأوكرانية التي تتصرف بصورة ودية.
وطلب بونوماريوف من الأطفال والنساء والمتقاعدين عدم مغادرة منازلهم، أما الرجال فدعاهم إلى «تقديم ما في وسعهم من المساعدة» لقوات الدفاع الشعبي. وأفادت تقارير إعلامية عن وصول مجموعة من عناصر منظمة «القطاع الأيمن» القومي المتطرف إلى أطراف سلافيانسك على متن مروحية، فيما قال مصدر في الدفاع الجوي إنهم تنكروا بملابس مدنية وبدأوا تحركهم نحو المدينة. وأكد العمدة ذلك قائلاً: «نحن ننتظر هؤلاء الأوغاد».
وفي السياق، طالبت موسكو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا باتخاذ الإجراءات كافة لإيقاف العملية العقابية التي بدأتها سلطات كييف ضد شرق أوكرانيا.
وأوضح المندوب الروسي الدائم لدى المنظمة أندريه كيلين أن الجانب الروسي توجه بهذه المطالب إلى كل من الأمين العام للمنظمة لامبيرتو زانيير ورئيسها القائم وزير الخارجية السويسري ديديه بوركهالتر. وأشار إلى أن الأمين العام للمنظمة وصف حوادث مدينة سلافيانسك بأنها «شيء مفزع لا بد من إيقافه فوراً»، مضيفاً: «إن قادة المنظمة اتصلوا مع السلطات في كييف حول الحوادث الأخيرة ولا يزالون يجمعون المعلومات عما يجري».
وأكد كيلين أن بعثة مراقبي المنظمة على إطلاع بالوضع إلا أن مسألة المراقبين العسكريين المحتجزين من قبل قوات الدفاع الشعبي في سلافيانسك تعقدت وتم نقلهم إلى مكان آمن.
وشددت وزارة الخارجية الروسية على أن النظام في كييف الذي نسف الاتفاق الموقع في 21 من شباط الماضي انتهك التزاماته وفق اتفاقية جنيف التي تم التوصل إليها في 17 نيسان والتي تطالب بوقف كل أشكال العنف بشكل فوري.
وعبرت الخارجية عن استيائها من العملية العسكرية للجيش الأوكراني في سلافيانسك بمشاركة أعضاء حركة «القطاع الأيمن» المتطرفة والمنظمات القومية المتطرفة الأخرى، وقالت: «إن روسيا تعبر عن استيائها من العملية العسكرية العقابية بمشاركة الإرهابيين من القطاع الأيمن وغيرها من المنظمات القومية المتطرفة».
وأثارت الأنباء حول وجود أجانب ناطقين باللغة الانكليزية في صفوف الجيش الأوكراني والجماعات القومية المتطرفة غير الشرعية أثناء اقتحامهم سلافيانسك، قلق موسكو التي تصر على عدم قبول أي تدخل خارجي بما يحدث في أوكرانيا.
وذكرت الوزارة: «أن واشنطن نفت كل الأنباء حول وجود المرتزقة من المنظمات العسكرية الأميركية الخاصة في أوكرانيا»، مشيرة إلى «أنه من المعروف للجميع أن ما يسمى بالمنظمات العسكرية الأميركية الخاصة لا تعمل في الخارج إلا بموافقة من وزارة الخارجية الأميركية». وتابعت: «إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية كبيرة عندما يدعمان المسؤولين عن الانقلاب في كييف في سعيهم لوقف الاحتجاجات باستخدام القوة ويقطعان الطريق نحو تسوية الأزمة بالطرق السلمية».
وطالبت الوزارة الغرب بالتخلي عن السياسة المدمرة تجاه أوكرانيا، كما طلبت ممن أعلنوا أنفسهم سلطة في كييف وقف العملية العقابية وكل العنف ضد الشعب بسرعة والإفراج عن المعتقلين السياسيين وضمان الحرية الكاملة لعمل الصحافيين، وهو ما سيسمح ببدء العملية الحقيقية لتخفيف حدة التوتر.
وأشارت الوزارة إلى أن من الضروري تنظيم الحوار المتكافئ الحقيقي بمشاركة كل الأقاليم بهدف وضع اتفاقات مقبولة للجميع حول مستقبل البلاد بدلاً من محاولة محاكاة الإصلاحات في الحلقة الضيقة لتحالف الفائزين.
وأعلن ممثل روسيا الدائم لدى حلف الناتو الكسندر غروشكو أن هذا الحلف يتقاسم المسؤولية عن أعمال سلطات كييف الإجرامية بسيره على طريق المجابهة مع روسيا.
وقال غروشكو من بروكسل: «إن حلف الناتو بسيره على طريق المجابهة مع روسيا وقعقعته بالسلاح في منطقة البلطيق ومواصلته إبداء الدعم لسلطات كييف التي اغتصبت السلطة يتقاسم بالحجم الأكمل المسؤولية عن الأعمال الإجرامية لهذه السلطات».
وتعليقاً على تصريح نائب الأمين العام لحلف الناتو الكسندر فيرشباو حول أن الحلف يبدأ بالنظر إلى روسيا كخصم له إلى حد كبير وليس كشريك بين غروشكو قال: «إن هذا التصريح لم يكن مفاجئاً بالنسبة لنا كما أنه ليس مفاجئاً عدم صدور أي دعوة عن بروكسل إلى نظام كييف، للكف فوراً عن العملية التنكيلية ضد الشعب الأوكراني».
ووصف غينادي زوغانوف رئيس الحزب الشيوعي الروسي العملية العسكرية لسلطات كييف في مدينة سلافيانسك بأنها جريمة لا تسقط بالتقادم.
وقال زوغانوف إن «هذه الجريمة هي ضد مواطني أوكرانيا ولا تسقط بالتقادم وإن جميع من أصدر الأوامر وكل من يشارك فيها سينالون عقاباً صارماً حتماً»، مضيفاً إن أي سلطة طبيعية لا تقدم على مثل هذا العمل أبداً مشيراً إلى أن السلطة الطبيعية لو كانت موجودة في كييف لجلست إلى طاولة المفاوضات ونفذت اتفاقية جنيف.
وأكد زوغانوف أنه لا وجود في كييف لسلطة طبيعية بل هناك أوغاد بلا ضمير يقف العم الأميركي وحلف الناتو أيضاً وراءهم، مشيراً إلى أن اتفاقية جنيف كانت غطاء تتستر الولايات المتحدة وراءه لتنفيذ أهدافها ضد روسيا في أوكرانيا.
وفي سياق متصل، قال رئيس لجنة مجلس النواب الروسي لشؤون رابطة الدول المستقلة ليونيد سلوتسكي إن العملية العقابية التي تقوم بها السلطات الأوكرانية في سلافيانسك، تثير الشكوك في شرعية الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية الشهر الجاري.
وأضاف في حديثه إلى الصحافيين أمس: «من المفهوم أن الحديث لا يمكن أن يدور حول إجراء انتخابات رئاسية نزيهة في جنوب شرقي أوكرانيا في 25 أيار في مثل هذه الظروف». وذكر في الوقت نفسه أن البرلمان الأوكراني صادق على قانون يسمح بالاعتراف بنتائج الانتخابات ولو في حالة إجرائها في كييف وحدها.
وعبّر عن اعتقاده أن الغرب سيحقق بهذه الصورة هدفه وخصوصاً وصول مرشحه إلى السلطة في كييف، مشيراً إلى أنه لن يكون بالمقدور في هذه الظروف الحديث عن شرعية السلطة الأوكرانية.
وأضاف أن ما يحدث حالياً في سلافيانسك يظهر أن «الغرب لا يزال يؤيد القوميين المتطرفين ويواصل بذلك المضي قدماً باتجاه بناء العالم أحادي القطب». وأشار إلى أن الغرب غير معني بمصير الشعوب، هذا ظهر في يوغوسلافيا وليبيا والعراق وسورية عندما «جرت التضحية بأنظمة كاملة على مذبح الهيمنة الأميركية».