جامعة إقليمية كبرى
وليد زيتوني
فرضت أحداث اليمن حضورها على قمة شرم الشيخ. وكأنه مخطط لهذه القمة أن تكون، على رغم دوريّتها، اجتماعاً لدول تحالف غير معلن لإعلان حرب معلنة.
غريب أمر هؤلاء، الذين يُسمّون أنفسهم عرباً، هم دائماً بالمقلوب. ينطلقون من الحاضر إلى الماضي، من الوحدة إلى التقسيم، من الحضارة إلى البداوة، من الاكتفاء إلى الحاجة، من التنمية إلى التفقير، من الإيمان إلى الوثنية.
غريب أمر هؤلاء، يشنّون حرباً ثم يعلنون تحالفاً، يكدّسون سلاحاً ويبتدعون له قتالاً، يطالبون بحرية الشعوب ويستعبدون شعوبهم، يطالبون بالديمقراطية وهم نماذج الاستبداد.
غريب أمر هؤلاء، يقدّم العون من هو بحاجة إلى هذا العون. فلسطين الممزقة تنبري لمساعدة من ذبحها عبر التاريخ. والسودان تساعد من ساعد في تقسيمها. والأردن تؤازر من سيجعلها في مهبّ ريح الوطن البديل. وليبيا تساهم في إنقاذ من دمّرها وشرذمها. ومصر اجتمعت مع من تحاربت معه على الأرض والقضية نفسها.
غير أنّ ما هو طبيعي وليس غريباً، أنّ الجفاف الحاقد يهاجم الخصب في عقر داره. شمالاً كما في الجنوب. والتخلف يقارع الحضارة، والتقوقع يحاصر الانفتاح، والهمجية تستشرس ضد الإنسانية.
الجامعة العربية إنْ وُجدت شكلاً فكي تجهض الوحدة، وتكرّس الانقسام، بل تحوّلت إلى أداة طيعة لجلالة المال، تماماً كما تحوّلت الأمم المتحدة مطية لفخامة السوق والسياسة. الأمم المتحدة تخدم امبراطورية النهب الأميركية. والجامعة العربية تستجيب لإمبراطورية النهب الأميركية بوكلائها المحليين المتربّعين على براميل النفط.
الجامعة العربية تسير على خطى الأمم المتحدة. فالأولى تتوسع لتشمل دولاً كرتونية تفيد أرقام التحالفات الدولية لشنّ حروب على الدول الممانعة للنهب، والثانية تسعى إلى التوسع بعد إتمام المشروع الأميركي للتقسيم. فليبيا واليمن والعراق طبعاً بعد السودان على شفير استيلاد دول جديدة. والمشروع مستمرّ ليطاول مصر وسورية والجزائر والسعودية وغيرها في المستقبل القريب. وفي المستقبل القريب أيضاً، لن تقتصر هذه الجامعة على العرب فقط. فتوليد كيانات غير عربية في العالم العربي يستدعي تشكليها بتسمية إقليمية جديدة. فاليهود والكرد والتركمان والبربر أخذوا مواقعهم على الخريطة المقبلة. وبالتأكيد لن تكون جامعة إسلامية لتعدد الملل والنحل والطوائف. وربما تتمدد جغرافياً إلى خارج ما يسمى عالم عربي. فباكستان وأفغانستان وتركيا وإيران لها حصصها في الفسيفساء الأميركية الطموحة.
في الواقع، استطاع الأميركيون من جديد وطبعاً من خلفهم الذكاء الإنكليزي والغباء الفرنسي، وضع المنطقة على قطار الحرب الموصل إلى التقسيم. لكن هذه المرة من دون تدخل أميركي مباشر، ومن دون إرهاق الخزينة الأميركية.
هنا يرتسم أمامنا السؤال التالي: هل الأمم الحية ملزمة أخلاقياً أن تكون جزءاً من منظمة دولية تمتصّها، أو منظمة إقليمية تتآمر عليها؟ أم أنها المصالح، والمصالح فقط تتحكم بالدور والموقع العالمي والإقليمي؟ أم أنّ هذه المنظمات مكان شرعي وضروري لتبادل المنافع والمؤامرات؟
لقد سقطت الأمم المتحدة كما الجامعة العربية من عالم القيم والأخلاق الإنسانية. بل تحوّلت إلى غابة عالمية كبيرة ينهش فيها القويّ جسد الضعيف تحت ستار الشرعية الدولية والإقليمية، وتحت غطاء المعاهدات والإعلانات المكبّلة للدولة القومية بشكل عام.
إنّ المنظمات الدولية والإقليمية مكان وناد لممارسة الدبلوماسية والسياسة من قبل الدول القوية. وهي بالتأكيد ليست المكان المناسب لتصبح الدول الضعيفة قوية، إنما تدخل مسلخ للذبح بكامل إرادتها وطواعيتها.
عميد ركن متقاعد