تحالف أوباما وتوسّع «النصرة»
عامر نعيم الياس
ارتفعت الراية السوداء فوق مبنى محافظة إدلب، لا اختلاف في السواد بين رايتين، فقط شكل الخط والعبارات وترتيبها. لا نريد الخوض في نظرية المؤامرة حول الخطّ والعبارة وتاريخها وأصلها، هو «جيش الفتح» لا غرفة عمليات، تحالف من الفصائل «القاعدية» وإن لم تعلن جميعها ارتباطها بـ«القاعدة» علناً كـ«أحرار الشام»، تقوده «جبهة النصرة» التي صارت الرقم الصعب في محافظة إدلب.
معركة لم تنته بعد، فيما راعى البيان السوري الرسمي التركيز على «عملية إعادة الانتشار العسكري جنوب مدينة إدلب» تمهيداً للهجوم المعاكس، بانتظار التعزيزات للبدء بمعركة استعادة المدينة التي تعتبر ثاني مركز محافظة يخرج من سيطرة الدولة السورية بعد سنتين على خروج الرقة.
يختلف الوضع العسكري في محيط مدينة إدلب عن الوضع العسكري في مدينة الرقة، إذ تتوزع قوات الجيش السوري على مطار «أبو الضهور» العسكري، وتسيطر على معمل القرميد الذي يقع على تلة «حاكمة»، كما تسيطر القوات السورية على مدينة أريحا، ومدينة جسر الشغور، فضلاً عن قرى الفوعة وكفريا اللتين صارتا اليوم تحت مرمى حصار المسلّحين كما نبّل والزهراء، وسط مخاوف من استكمال هجوم «النصرة» وأخواتها عليهما.
وسط كل ما سبق، ماذا عن أوباما وتحالفه، هل تعامل «داعش» وخلافته وعاصمته، كـ«النصرة» والعاصمة المأمولة للخلافة المضمرة؟
الإعلام الغربي وفي تغطيته الأحداث، أجمع على استخدام مفردات من قبيل «المتمرّدين»، «الثوار»، في توصيف التقدم الميداني للميليشيات الإرهابية في الشمال الشرقي من مدينة إدلب. «واشنطن» بوست وحدها حاولت تمرير الخبر من دون توجيه أو شيطنة، إذ عنونت: «القاعدة سيطرت على أجزاء كبيرة من مدينة في الشمال». أما «إندبندنت» البريطانية، فقد أصرّت على توصيف الأمر بأنه «تحالف المجموعات المقاتلة»، جملة أمور ومصطلحات تتقاطع مع حملة إعلامية شنّتها الصحف الغربية منذ أسبوعين حول ما أسمته استخدام «القوات السورية لغاز الكلور» وتحديداً في ريف إدلب، في ما يثير الشكوك بدوره حول الترابط بين ما حصل ميدانياً في مدينة إدلب والحملة الإعلامية المنسّقة لاستخدام الغازات السامة في ريف إدلب، وتحديداً في سرمين وبنّش، بما يساهم في ردع القوات المدافعة نفسياً، والتمهيد استباقياً لخلط الأوراق على أرض المعركة في إدلب إن تم استخدام الغازات السامة من قبل القوات المهاجمة. وهذا ما تم بالفعل من جانب «النصرة» وفقاً لشهادات المدنيين الهاربين من إدلب والعسكريين المنسحبين منها. جملة أمور تؤشر إلى رهان على «النصرة» وتوسّعها الميداني في سورية بما يخدم وجهة نظر التيار الداعي إلى غضّ النظر عن نشاطات التنظيمات المرتبطة بـ«القاعدة»، ليس فقط على مستوى سورية بل على مستوى التنظيم الدولي في أفغانستان، كي لا يتم التشويش على حرب أوباما على تنظيم «داعش»، وهو ما يطرح بدوره عدداً من علامات الاستفهام حول مناطق عمل تحالف أوباما في سورية. فهل نشهد توسيع نطاق عمليات القصف الجوي لتشمل مدينة إدلب؟ وهل يجب السماح بذلك من جانب الدولة السورية؟ ألا يعني توسيع عمليات التحالف باتجاه إدلب المدينة إخراجها من معادلة شن الهجوم المعاكس الفوري لاستعادتها من جانب الجيش السوري، وهو ما يجعلها شبيهة بالرقة لجهة تأجيل الحسم فيها؟ وإذا لم يرد أوباما توسيع العمليات، ألا يعني ذلك الاستمرار في استراتيجية الفرز بين قاعدتين حتى في سورية؟
منذ بدء عمليات التحالف في سورية توسعت «النصرة» جغرافياً بما يفوق توسع «داعش»، مع أن القرارات الأممية وحتى الصيغة الناظمة لعمل تحالف أوباما في سورية تشمل التنظيمين من دون تمييز بينهما. لم يقصف أوباما العاصمة الأولى لـ«القاعدة» الجديدة «داعش»، حتى يقصف العاصمة الثانية لـ«القاعدة» القديمة «النصرة»، وفيما اكتفى ببعض العمليات الإعلامية في الرقة، يتوقع أن ينكفئ على إدلب، فيما الرهان على الحدود التركية كافٍ في الوقت الحالي للانسحاب من معادلة ضرب «النصرة»، من دون أن نغفل حجة الاستيلاء على أسلحة «جبهة ثوار سورية» وحركة «حزم»، أسلحة أميركية لمعتدلين طُويت صفحتهم وسط صمت أميركي مستمر طالما استمر توسّع «النصرة» في المدى المنظور.
كاتب ومترجم سوري