الحرب على اليمن تمرير هادئ لتوقيع تاريخي
روزانا رمال
لا يمكن في أي حال من الأحوال اعتبار الحرب على اليمن ارتجالاً سعودياً منفرداً جاء سريعاً لصدّ هجمات الحوثيين وإيقاف تقدّمهم، تماما كما يتعاطى الغرب مع تقدّم «داعش». لا يمكن أيضا اعتبار أنّ السعودية التي لم تخض حروباً رسمية كهذه تخوض غمار حرب مجهولة دون دراسة تبعاتها أو التعاطي معها ومع ظروفها كحساب خاص.
حرب دقيقة كهذه تأتي في وقت حساس جداً مفترض أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعرف تداعياتها بشكل جيّد أيضاً، فالحرب السعودية على اليمن تأتي في آخر مهلة توقيع الاتفاق التاريخي مع الإيرانيين أيّ مع نظام ولاية الفقيه بتعبير آخر.
يقول نتنياهو إنّ توقيع الاتفاق سيحمل ما لا تتوقعه «إسرائيل»، بمعنى آخر ما لم يكن في الحسبان. كلام رئيس الوزراء «الإسرائيلي» يعكس قلق الحلفاء الكبير من هذا الاتفاق، ويترجم بصيغة أخرى مخاوف حلفاء الولايات المتحدة السعوديين من قلق تشاركوا فيه مع «إسرائيل»، بعبارة مشابهة قالها نتنياهو أمام الكونغرس في خطابه الأخير، والتي كانت تأكيده على أنّ الاتفاق سيكرّس سيطرة إيران على أربع عواصم عربية هي دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء، ليعيدها سعود الفيصل أمام جون كيري ومجلس التعاون بصيغة أسماء البلدان نفسها.
الحرب السعودية اليمنية، على خطورتها، لا يمكن أن تكون محور الحدث في أذهان «الإسرائيليين» أو الخليجيين أو أي معترض على سياسات أميركا، لأنّ بيت القصيد هو ما يجري اليوم في لوزان السويسرية، والمعلومات التي تشير إلى أنّ الاتفاق نضج تقريباً.
لا تغامر السعودية بمكانتها ومواقفها، وكذلك بقرارات حربها وسلمها، واتخاذ قرار الحرب جاء خطوة مشابهة لعملية القنيطرة التي نفذها «الإسرائيلي» قبل ذهاب نتنياهو إلى الكونغرس ليحمل معه إنجازاً يقول فيه للأميركيين: «لماذا الذهاب إلى اتفاق؟ ما زلنا أقوياء».
لم يستطع نتنياهو التباهي بالعملية لأنّ الردّ من حزب الله ومعادلة حماية السيد نصرالله لرجاله والصدّ المباشر الحازم جاءت واضحة برسائلها عند «الاسرائيليين».
عملية مشابهة لكن ليس لعرقلة الاتفاق مع إيران الذي سلك طريقاً سليماً، إنما لطلب شروط مناسبة للنفوذ السعودي الخليجي مقابل إيران التي ستعلن بطريقة أو بأخرى ملكة الساحة بعد التوقيع مع الدولة الأقوى في العالم اتفاقاً بقي خيالياً التقدّم نحوه حتى الأمس القريب.
لم تمنع الولايات المتحدة السعودية من اتخاذ قرارها، ولم تقلق حتى من أن يؤدّي هذا لأيّ تشويش على الاتفاق مع إيران، لا بل شدّت على يد الرياض، وأرسلت الحشد المساند من المواقف الموالية للعملية، واستحصلت الولايات المتحدة مشاركات دولها الحرب إلى جانب السعودية.
تريد الولايات المتحدة حماية النفط والمال وقواعدها العسكرية في الخليج، وهي بالتأكيد لا تمهّد الطريق لإيران لبسط نفوذها عليها، لكنها في الوقت عينه تسعى إلى ترويض السعودية وجرّها نحو التفاوض مع إيران بفعل الحاجة إليها لإنهاء الحرب أوتوماتيكياً.
دخلت السعودية حرباً لم تحرز فيها تقدماً ولم تستطع حتى الساعة إظهار أنها قادرة على صدّ الحوثيين ووقف تقدّمهم ومدّ يدها كقوة إسناد يعود على أساسها خصوم أنصار الله إلى صنعاء وعدن وغيرها بعد حماية ظهورهم، وبالتالي تنجح السعودية وتفرض ما تريد أو تعرقل ما تريد.
الاتفاق النووي التاريخي أقرب من أي وقت مضى والموافقة على حرب اليمن تمرير أميركي هادئ لتوقيع تاريخي قادم من دون ضجيج الحلفاء.
«توب نيوز»