فضاء حرّ
جورج كرم
هل سينال جعجع لقب رئيس الجمهورية اللبنانية؟ «طبعاً لا» تفور صفحات التواصل الاجتماعي غضباً واستهجاناً، بما يتضمن ذلك من رسوم كاريكاتورية تظهر جعجع معتمراً قلنسوة حاخام يهودي رمزاً إلى عمالة حزبه للعدو الصهيوني التاريخية، ومواقف على شكل «ستاتوسات» و»تغريدات» على «فيسبوك» و»تويتر» يعدّد فيها الناشطون جرائم جعجع وينشرون صوراً تذكيرية للرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي اغتاله جعجع، وضحايا آخرين قضوا على يده مثل الياس الزايك وداني شمعون، والأخيران قضيا نحبهما على يدي جعجع في ما يشبه اليوم تصفيات «داعش» و»النصرة». واسودّت مانشيتات الصحف المحلية بكلمة «عار» بالخط العريض، معيّرة بعض نواب الأمة بأكثر الصفات درامية لمجرد ترشح جعجع وتأييد وصوله إلى سدة الرئاسة، كأن الفكرة آتية إلينا من المريخ. لكن وصول جعجع إلى سدة الرئاسة سيحصل، لو لاءمته الظروف، تماماً مثلما حدث إبان الاجتياح الصهيوني يوم وصل بشير الجميل إلى كرسي بعبدا بقوة دبابة المحتل وعلى وقع هزيمة القوات المشتركة للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، بعدما تخلت عنها دول الإقليم، رغم أن موظف تلفزيون «المستقبل» اليوم والمغني الملتزم بالأمس أحمد قعبور بحّ صوته وهو يصرخ قائلاً «أناديكم أشدّ على أياديكم» لمستمع إقليميّ لا يريد أن يصغي. خسرنا عسكرياً آنذاك في مرحلة أتت ببشير رئيساً للبلاد، واليوم قد نخسر سياسياً ونرى سميراً متربعاً على كرسي بعبدا في ليلة «ما فيها ضوء قمر» لو وجدنا بقدرة دولار قادر أصواتاً كافية في العلبة الزجاجية في قاعة تخلو من الشفافية. فكفى تعجباً، و»لنقاتل» كما ورد في أغنية «عيترون» لخالد الهبر، والتحية له لأنه لم ينقل بندقيته من كتف إلى أخرى خلال العقدين الماضيين مثلما فعل مرسيل خليفة وأحمد قعبور! «فلنقاتل ولنقاتل ولنقاتل ولنقاتل» على ما جاء في الأغنية، كلّ منا وفقاً لقدراته وبكل ما أوتي من قوة، منعاً لكارثة وصول جعجع إلى سدّة الرئاسة، ما سيحوّل البلاد إلى أتون كلس ملتهب يقضي على كل ما بناه الحريري دولاراً في الخرسانة ودولاراً في الجيب بلمحة بصر، ما سيتطلّب حريريّاً آخر بعد عقد أو عقدين «ليقترط» مليارات أخرى كي يعيد بناء البلد ويبطن جيبه بها في آن واحد.
وإن تكن تنقص جعجع شهادة في العمالة والاستزلام للعدو، أتته تهنئة بترشيحه من أحمد الجربا الموظف لدى آل سعود بلقب «رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وضرّيب الكف في الاجتماعات الدورية» لتشهد له بذلك، ومن يهنئه الجربا يسقط إلى درك في العار لا سابق له، ولم لا يهنئ الجربا جعجع؟ وقد يكون الاثنان يتقاسمان كاتباً واحداً للخطب السياسية، الأول ينادي الغرب لتزويده السلاح النوعي لتدمير سورية التي يقال إنها بلده، وما زالت لدي علامات استفهام حول هذا الأمر، والآخر ينادي بإلغاء المقاومة في برنامجه الانتخابي محاولاً بذلك تسليم بلده إلى العدو في ظل شبح حرب أهلية هو العارف الأكبر بثناياها وتداعياتها والتواق الأكبر إليها. وجعجع «تألّق» قتلاً وذبحاً وإجراماً في حرب مدمرة قذرة قادتها فئة من الرجال بلا مبدأ أو عقيدة تنير طريقها سوى الوصولية والتعصب الديني والعنصرية، وما لبثت هذه الفئة أن فقدت وهجها ومركزها، وسرعان ما وضعت الحرب أوزارها وانتقل الصراع إلى صراع أفكار لا دور لها فيه، علماً أن الكائن البشري قادر على تفصيل فكرة مهما تكن سخيفة ومنبوذة من العاقل بيننا لتناسب مقاس أعماله مهما تكن دنيئة. والأمثلة على هذه الأفكار المفصّلة على مقاس العهر كثيرة، وحزت فرصة سماع بعضها بسبب اسمي الذي يدل على انتماء ديني معين يوم تقدم إليّ أحد ممثلي القوات في المهجر واقترح عليّ أن يعمل معي على «توحيد سورية من دون عنصر إسلامي» كما نظّر قائلاً يومذاك من دون أن يستشرف أن جعجع قائد عزه الطائفي سينادي بحكم «الإخوان» للمنطقة بعد عقدين من نظرية الأول الخنفشارية. وآخر قواتي أتى إلي حديثاً بفكرة توحيد معظم سورية الطبيعية تحت راية «داعش» وحماس و«النصرة»، لو «تخلصنا من حزب الله ونظام الأسد» بحسب قوله، وهاتان الفكرتان السخيفتان جديرتان بالذكر فحسب لقيمتهما الكوميدية لا أكثر، وللدلالة على أن الأعمى المتعصب قادر على قول أي شيء ليبرر مواقفه وأعماله. أما الفكرة الجدية لتبرير تسليم البلاد ومقدراتها إلى المستعمر وهي اليوم في حيز التنفيذ فهي فكرة الرئيس السنيورة وأعوانه «المستقبليين» التدميريين الذين وفروا الغطاء في ظل طغمة دولية ذات قطب واحد آنذاك لتأسيس محكمةً دولية لمحاكمة قاتلي الحريري تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يتيح للدول التدخل عسكرياً في شؤون دولة أخرى وندر اللجوء إلى الفصل السابع القرن الماضي، بيد أنه أضحى اليوم أداة في أيدي الأميركيين لاستعمار دول العالم العاصية على إرادتهم والتي قد تشكل خطراً على «كلبهم النّباح المربوط في الشرق الأوسط» أي العدوّ «الإسرائيلي». وباتت هذه المحكمة اليوم أوبرا معقدة تتغير وقائعها مع تغير الحاجات الدولية والمحكمة تلك التي بدأت باتهام سورية وعادت وحولت الاتهام إلى المقاومة في لبنان، ليس من المستبعد أن تعود إلى اتهام سورية مجدداً بعد فشل مؤامرات العقالات واللحى و«القرد» التركي عليها. وللمحكمة المهزلة ناطق اسمه مارتن يوسف، اسمه هجين وفعله منبوذ، أتى إلينا باتهام واستدعاء الصحافة والتلفزيون في لبنان للمثول أمام تلك المحكمة لنشرها معلومات صحيحة عما يدور في كواليسها.
ثنائي الجربا الهجين، السعودي السوري، وجعجع الهجين الصهيوني اللبناني، لم يكن ينقصه سوى مارتن يوسف الهجين المصري الكندي الإنترنسيوني، لإكمال مثلث الهجمة الدولية الفاشلة علينا في بلد مسخ من غرائب الدنيا تصح في وصفه أغنية الفنان المقاوم خالد الهبر «يا بن الأف… وتسعمية وتلاتة وأربعين».
كاتب سوري من جبل لبنان موقعه على الإنترنت
www.gkaram.com