أحلام «الدمقرطة» القديمة الجديدة
فاديا مطر
القضية تتجاوز بأبعادها مسألة الخلاف على قضية، وسحب السفراء، بل هي إعلان حرب «سرية « بكل ماتحمل الكلمة من معنى، لكن بلغة الهمس «الناعمة»، بعد إعلان رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً بندر بن سلطان وصف قطر بإنها عبارة عن «300 شخص وقناة وهذا لا يشكل دولة»، ليأتي ذلك في وقت قررت السعودية ضمنياً تأديب قطر وحليفها الرئيسي»الإخوان المسلمون»، عبر الدعم الذي قدمته لتمويل الانقلاب العسكري في مصر والذي غلفته بغطاء شعبي في 30 حزيران من العام 2013، ليكون تسديد ضربة قوية تأديبية لقطر وحليفها «الاستراتيجي» أي «الإخوان»، عبر دخول الحكم الجديد في مصر خلافات جدية مع قطر وأخوانها المسلمون، على خلفية وقوف قطر مع الرئيس المخلوع محمد مرسي خليفة الإخوان المسلمين عموماً، ليأخذ الخلاف السعودي ـ القطري أبعاداً جديدة في مصر بعد إسقاط حكم الأخونة فيها، وعودة قطر للبحث عن إعادة تموضع سياسي جديد يعيد لها تغيراً بالمواقف يأخذ في اعتباره مصالحها، وبداخل قشرته رد الصاع لمن كانت له اليد الطولى في هذا الموقف، لتأتي الفرصة الذهبية عن طريق تعطيل قطر طلباً مصرياً في الأمم المتحدة عبر تأثيرها في الموقف الأميركي الضاغط ليبدو الوضوح في تغيير الموقف لمصلحة قطر، لتقوم الأخيرة باستدعاء سفيرها من مصر بحجة التشاور على خلفية الضربة الجوية المصرية التي استهدفت تنظيم «داعش» في ليبيا بعد ذبحه 21 قبطياً مصرياً، موقف قطري حظي بدعم مجلس التعاون الخليجي المدافع عن قطر، وتعبيراً لموقف فيه شيء من الازدراء اتجاه مصر، لكن تغير ما حصل لم يكن معلوماً أجله ولا مبتغاه بعد إعلان سعود الفيصل أن لا مشكلة مع تنظيم الإخوان المسلمين بهدف إضعاف موقع إيران إقليمياً وإمكان استخدام هذا التحوّل في المواقف بالضغط على مصر لإجراء مصالحة مع الإخوان، الخيار الذي لم تقبله مصر لا من جهة تصالح مع قطر ولا من جهة التصالح مع تركيا وهما الدولتان اللتان تعدان من أكبر داعمي الإخوان على مستوى المنطقة.
أضواء وإشارات كانت قد ألمحت إلى هذا الرفض المصري بعد اجتماعات السيسي مع الملك السعودي، والتي أفضت بعدها إلى تحسن في العلاقات السعودية ـ القطرية التي لم تطل حتى انعكست نسبياً على تخفيف الضغط عن الإخوان الذي كان الملك السعودي يتخذ منهم موقفاً متشدداً متبعاً بذلك نهج القاهرة، لكن المكفر الإخواني لم يغب كثيراً عن الساحة ليقدم أوراق اعتماده كسفير أول لحساب آل سعود في اليمن، ويبلغ عن ولاءه في مواقف ربما تفضي إلى رضى سعودي عن طريق وضع الإخوان تحت تصرفهم في اليمن لإثبات القدرة على الفاعلية، هذا التغير الدراماتيكي كان يحمل في باطنه إهانة بالغة الإصابة للقيمة المصرية في ليبيا، إهانة اقتصت من قيمة أم الدنيا عندما أعلن حلاً سياسياً يتم التوجه نحوه في ليبيا يضع بين ثنايا جلده أكبر الدول العربية إقليمياً وإسلامياً وسكانياً تحت الإذلال الأميركي، وهما الدولتان المحملتان بالأحلام الكبيرة الصغيرة، فمملكة «آل سعود» لم تتخلّ عن حلمها القديم الجديد في جعل قطر إحدى ملحقات السيطرة السعودية كما فعل سابقاً الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، مع الكويت، خصوصاً أن قطر تعلم أن تحالفاً قد تم من قبل العائلة المالكة في قطر مع بريطانيا منذ عام 1916 لمواجهة الأطماع والطموحات السعودية على مقدرات الغاز القطرية من جهة، ولتكون عبرة خليجية لمن يعتبر، وهي الدولة الصغيرة الحجم التي قدمت قاعدة العيديد العسكرية إلى سلاح الجو الإميركي منذ عام 2003 مجاناً، على اعتباره بوليصة تأمين ضرورية لمواجهة السعودية وهي التي بدأت بناءها وتوسيعها منذ عام 1996 وبعدها إنشاء قناة «الجزيرة» التي وقعت رهينة بين العلاقات القطرية السعودية من جهة، وبين تناقضات السياسة الخارجية من جهة أخرى.
قطر التي تحاول توسيع دائرة نفوذها التي لا تنسجم مع حجمها عبر التهديدات المتكررة لدول إقليمية وازنة، وذلك عبر تمرير التهديدات وصولاً للاندفاع نحو اليمن في «عاصفة حزم العربية» التي تقودها السعودية كرأس حربة لاختبار القوة المستمدة من داعميها الأميركيين و«الإسرائيليين» الذين رسموا روزنامة العمل السعودية، لم تخفِ «إسرائيل» فيها اهتمامها في مراقبة الوضع اليمني عن كثب، بغية إيجاد فرصة في اليمن لتعطيل ملفات إيران الإقليمية والدولية، وجرها لتفاوض يقضم من حقوقها ومكتسباتها بيد سعودية وانضمام عربي أعمى يبحث في جدوله عن طاعة وخنوع، ليبرز الموقف الأميركي الذي أبدى دعمه لعاصفة «الحزم» السعودية عبر تقديم الدعم الاستخباراتي في رسالة مفادها تدخل أميركي في اليمن من خلف الجدار، واحتلال غير مباشر للدولة اليمنية التي لم تخرج يوماً من الأحلام السعودية تحت ذريعة استعادة الشرعية المنهوبة ومحاولة تكريس الدمقرطة القسرية لليمن تحت المظلة الدولية.