هل سُـوِّيَ الصراع السعودي ـ القطري؟
حميدي العبدالله
تراجعت حدّة الصراع بين السعودية وقطر، واستؤنفت الاجتماعات التي تعقد بين الطرفين في إطار مجلس التعاون الخليجيّ، وولدت هذه التطوّرات انطباعاً بأنّ الخلاف بين البلدين قد سوّي، وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفجار الصراع.
لكن يبدو أن هذه القراءة غير دقيقة لحقيقة العلاقات السعودية القطرية. أساساً لم يكن هناك خلاف بين السعودية وقطر حول الأزمة القائمة في سورية، وقد صرّح بذلك مسؤولون قطريون وأكدوا أن الخلاف لن يؤثر على التعاون بين الدوحة والرياض في سورية، كما لم يكن هناك خلاف بين السعودية وقطر حول الموقف من تنظيمات «القاعدة» والتنظيمات التكفيرية، فالدولتان الخليجيتان تدعمان «داعش» في العراق، وتدعمان جبهة «النصرة» في سورية.
الخلاف بينهما يتركز في ثلاثة قضايا أساسية:
القضية الأولى، الموقف من جماعة «الإخوان المسلمين». قطر تدعم هذه الجماعة، حيث كان لها وجود ونشاط، في حين أن السعودية تحارب هذه الجماعة ودعمت إطاحتها في مصر، وصنفتها كجماعة إرهابية. لكن القرار النهائي إزاء جماعة «الإخوان المسلمين»، سواء بالنسبة إلى قطر أو السعودية، هو قرار أميركي في المقام الأول، وإذا لم تصل واشنطن إلى تقويم الموقف وتقديره يقضي بقطع العلاقة مع «الإخوان المسلمين»، فإن السعودية لن تكون قادرة على إقناع قطر بالتراجع عن موقفها في دعم هذه الجماعة، وسوف تضطر السعودية إلى التكيف مع الأمر الواقع، بمعزل عما إذا كانت راضية عن ذلك أم لا، فهي لا تستطيع التغلب على قطر في قضية تقف فيها الولايات المتحدة إلى جانب قطر وليس إلى جانب السعودية.
القضية الثانية، الموقف من إيران. فمعروف أن السعودية سعت وتسعى إلى توحيد الموقف الخليجي حول سياستها من إيران، ولكنّ دول خليجية مثل عُمان وقطر رفضت الامتثال لإرادة السعودية إزاء هذه القضية. وإذا كانت مسقط انتهجت دائماً نهجاً مختلفاً عن السياسة السعودية، فإن قطر في موقفها وسياستها من إيران عبّرت أيضاً عن إرادة أميركية عكست التوجه الجديد لإدارة أوباما والذي تجلّى بالاتفاق المرحلي حول الملف النووي الإيراني، وبالتالي فإن موقف قطر من إيران واختلافه عن موقف السعودية، هو صدى للسياسة الأميركية، ولن يكون في وسع السعودية السير في سياسة الضغط على قطر إلى النهاية ما لم تحظ بدعم أميركي، بيد أنّ مثل هذا الدعم مشكوك فيه طالما أن الإدارة الأميركية ذاتها تسعى للانفتاح على إيران وإن بخطى بطيئة وحذرة.
القضية الثالثة، التنافس على لعب دور سياسي فاعل بين السعودية وقطر على مستوى الخليج والمنطقة. وتغذي الولايات المتحدة سياسة التنافس هذه في إطار استراتيجية قائمة على مبدأ تنويع وسائل التعامل مع قضايا السياسة الأميركية وتحدّياته في منطقة الشرق الأوسط. فمن المعروف مثلاً أنه عندما كانت هناك منظومة الاعتدال العربي بقيادة السعودية ومصر مبارك لم تقصر الولايات المتحدة تعاملها مع قضايا المنطقة على هذه المنظومة بل أوكلت إلى قطر وتركيا رجب طيب أردوغان مهمة التعامل مع سورية وإيران في فترة التصادم الذي حدث بين عامي 2005 و2010 وتبين لاحقاً أن هذه السياسة مفيدة جداً للمصالح الأميركية وأنّ تنوع أدوات النفوذ الأميركي أمر مهم لكي لا يؤدي انهيار منظومة معينة إلى تضرّر المصالح الأميركية، فلولا وجود هذا التنوع لما تمكنت الولايات المتحدة من الهيمنة على ما عرف بـ«الربيع العربي» وتوجيهيه الوجهة التي تخدم مصالحها، إذ لعبت تركيا وقطر دوراً للتعويض عن تساقط رموز منظومة الاعتدال العربي، وبخاصة الرئيس المصري حسني مبارك.
في ضوء ذلك كله، من الصعب الاستنتاج أن الخلاف السعودي القطري سوّي نهائياً، فالخلاف سوف يستمر في الإطار الذي يخدم المصالح الأميركية، ويعزز فاعلية استراتيجية الدفاع عن هذه المصالح، لكن لن تسمح الولايات المتحدة بتجاوز السقف الذي تحدده لهذا الخلاف، وهذا ما يحصل الآن.