«أنصار بيت المقدس» شوكة في الخاصرة المصرية
فؤاد عيتاني
«أنصار بيت المقدس» عكست بوصلتها ومسماها لتتحوّل من أنصار القضية الفلسطينية، وصوّبت «جهادها» نحو مصر، مستهدفة الأمن والجيش المصري في سيناء وغيرها من المناطق المصرية، لتكون ما يشبه النصرة لجماعة «الإخوان المسلمين».
هذا ما يطرح أسئلة متعددة، ولا سيما بعد إصدار الحكومة المصرية في 25 كانون الأول 2014 قراراً باعتبار «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية عقب التفجير الذي استهدف بسيارة مفخخة مديرية أمن الدقهلية في 24 كانون الأول 2014، وراح ضحيته 16 قتيلاً و140 جريحاً، والذي أعلنت أنصار بيت المقدس المسؤولية عنه، في 27 من الشهر نفسه، ما جعل عدداً من المراقبين يتساءل كيف يُتهم الإخوان بالإرهاب بينما أعلنت «أنصار بيت المقدس» مسؤوليتها، ومن هذه الزاوية لا بدّ من عرض الآتي.
النشأة والتأسيس
تأسست بيت المقدس على يد التكفيري هشام السعدني، المولود لأم مصرية وأب من قطاع غزة، كجيل جديد من جماعة «التوحيد والجهاد» التي قامت بتفجيرات شرم الشيخ ودهب ونويبع، قبل عشر سنوات، عام 2004، وكان السعدني أميراً لها. وكلتاهما، «الأنصار» و«التوحيد»، على علاقة عضوية بما يُسمّى «مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس»، الذي يضمّ تحالف تنظيمات جهادية في القطاع، وكلتاهما لم تُخفِ تطابق توجهها الفكري ومرجعيتها، نحو تنظيم «القاعدة»، المُصنّف إرهابياً في العالم، عدا «إمارة غزة» الملاصقة لسيناء المصرية، حيث نشاط الجماعة الرئيسي.
مثل التنظيمات الجهادية كافة، لا تعرف «بيت المقدس»، حدوداً جغرافية لعضويتها، فهي تضمّ عناصر من جنسيات متعددة، في مقدمها القادمون من غزة، جذرها الأساسي، وليبيون، ويمنيون، ومصريون وسودانيون، وعراقيون وجنسيات غير عربية من بقاع الدنيا كلّها.
مذ أعلنت أول بيان لها بعد 25 يناير 2011، عقب دمج «التوحيد والجهاد» فيها، ذكرت تقارير أمنية أنها تنشط على الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وتخصصت في تفجير خط تصدير الغاز المصري إلى «إسرائيل» والأردن، ثم أوقفت حربها ضدّ خط الغاز، مع تولي الرئيس المعزول محمد مرسي حكم مصر، وشهدت عملياتها تحوّلاً نوعياً بعد إطاحته في 30 تموز 2013، لتتجه نحو عناصر الجيش والشرطة المصريين ومنشآتهما، في سيناء غالباً، ثم داخل وادي النيل، وأبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في العاصمة المصرية.
قوتها العسكرية
تتشكل القوة العسكرية لـ»الجماعة» من عدة مئات، قدّرها خبير أمني بنحو ألف عنصر، لكن قوة تأثيرها ناجمة عن قدرتها التنظيمية والتدريبات المكثفة التي تتوافر لها في غزة وصعوبة اختراق بنيتها ووجود خطوط إمداد لوجستية عتاداً وبشراً عبر الأنفاق بين غزة وشبه جزيرة سيناء. فضلاً عن أنّ عناصرها تتحرك في مناطق تعرفها جيداً وكانت لها سيطرة عليها عقب ثورة 25 يناير، إلى حدّ أنّ عناصرها كانت تتحرك علناً في سيارات مسلحة ذات مدافع، توازياً مع دور جماعات حليفة لها مثل «رقيبة» دينية وأخلاقية على المجتمع السيناوي، حتى أنها أعلنت خلال 2011 عن إنشاء محاكم «شرعية» لفضّ النزاعات الإجتماعية بين المقيمين في مناطق الحدود.
أشهر القيادات
هشام السعدني: فلسطيني الجنسية، اغتالته قوات «إسرائيلية» خاصة، وكان من أبرز المشاركين في تفجيرات شرم الشيخ ودهب ونويبع، حين كان أميراً لجماعة التوحيد والجهاد ، لكنه هرب من السلطات الأمنية المصرية إلى غزة، في أعقاب اجتياح عناصر غزاوية الحدود المصرية مطلع عام 2008، فيومذاك، طالبت القاهرة بتسليمه، لكن حركة حماس رفضت واحتجزته لعدة أشهر، ثم أفرجت عنه في آب 2008 فأسس تنظيم مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس الذي خرجت من رحمه أنصار بيت المقدس .
ممتاز دغمش: فلسطيني الجنسية، قائد جيش الإسلام المرتبط بتنظيم «القاعدة» في قطاع غزة، ويتولى توفير الدعم اللوجستي لـ»بيت المقدس»وتشير بعض المصادر إلى أنه يقيم بين غزة وسيناء متنقلاً بينهما.
شادي المنيعي: مصري الجنسية، تصفه الأجهزة الأمنية المصرية بأنه أخطر عناصر «الجماعة». ينتمي إلى إحدى قبائل سيناء، هجر أسرته عقب اعتناقه الفكر التكفيري، وبعد 25 كانون الثاني 2011 وانهيار الشرطة، بنى قصراً فخماً في منطقة «المهدية» لاستضافة قيادات «الجماعة» وبث عدة أشرطة فيديو على «يوتيوب» يتحدث فيها عن سعيه إلى إقامة إمارة إسلامية في سيناء، وكان يتصرف ويتحرك مثل حاكم لشمال سيناء، حتى أنه خلال الإنتخابات الرئاسية السابقة حذر المرشح حمدين صباحي من دخول المحافظة أو يُقتل، واتهمه بأنه يحمل فكراً شاذاً لا تقبله أي شريعة سماوية. حملته القاهرة مسؤولية خطف الجنود السبعة، في أيار 2013، لمبادلتهم بالمسجونين على ذمة إدانتهم في تفجيرات طابا ونويبع، وهدد أكثر من مرة بضرب السفن التي تعبر قناة السويس، وطوال الأشهر الثلاثة الماضية تواترت تقارير صحافية على فشل محاولات القبض عليه، ونسب بعضها إلى مصادر جهادية فراره إلى غزة، مع عشرة من قادة «الجماعة».
أبو قتادة المقدسي: فلسطيني الجنسية، يوصف بأنه الرجل الثاني في التنظيم. غير معروف إعلاميًا ويفخر بأنه من تلاميذ محمد التيهي، راعي التنظيمات المُعتنقة فكر تنظيم «القاعدة» في سيناء، وتقول مصادر أمنية إنه همزة الوصل بين «القاعدة» الأم بقيادة أيمن الظواهري، والجماعات المنتمية إليها فكريًا وتنظيميًا في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.
اتهم بخطف ثلاثة من عناصر الشرطة، خلال حوادث ثورة 25 يناير وتهريبهم إلى قطاع غزة، وبالتخطيط لتفجير قسم شرطة ثان العريش، في 29 تموز 2011. نجحت قوات الأمن في القبض عليه في 13 تشرين الأول 2011.
الظهورالأول:
ظهر اسم جماعة «أنصار بيت المقدس» للمرة الأولى في 25 تموز 2012، معلنة مسؤوليتها عن العمليات المتكررة لتفجير خطّ الغاز، عبر «فيديو» بثّته على موقع «يوتيوب»، وظهر في الفيديو ملثّمون بملابس عسكرية وبحوزتهم أسلحة ثقيلة، كما صور الفيديو عملية التفجير بالتفصيل وكيفية الإعداد لها وتنفيذها.
الظهور الثاني:
في آب 2012، أعلنت «الجماعة» مسؤوليتها عن إطلاق صاروخين من طراز «غراد»، على منتجع «إيلات» السياحي جنوب «إسرائيل»، لم تتسبب بأي أضرار أو إصابات، لكنها جاءت في أعقاب الاضطراب الأمني في شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك الهجوم على قوات الأمن المصرية، الذي خلّف وراءه 16 شهيداً من أفراد الجيش.
الظهور الثالث:
جاء مع ما يمكن وصفه بالتغير النوعي في عمليات «الجماعة»، بقصرها على من وصفتهم بياناتها بـ»المجرمين»، من عناصر الجيش والشرطة المصرية.ففي أيلول 2013، وبعد 11 شهراً من آخر ظهور رسمي لها، أعلنت «بيت المقدس» مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، عبر فيديو قالت فيه إن منفذها رائد سابق في الجيش يدعى وليد بدر تخرّج في الكلية الحربية عام 1991 والتحق بإدارة الإمداد والتموين وأبعد من الجيش بعد ظهور مؤشرات اعتناقه الفكر التكفيري، فسافر إلى أفغانستان ثم العراق وقبض عليه في إيران، وبعد إطلاق سراحه توجه إلى «الجهاد» في سورية وعاد الى مصر لينفذ محاولة الاغتيال، انتقامًا لما سمّاه بيان «الجماعة»: «مجازر دار الحرس الجمهوري، ورابعة العدوية ورمسيس، والإسكندرية».
الظهور الرابع:
وفي 7 تشرين الأول 2013، أعلنت «بيت المقدس» مسؤوليتها عن تفجير سيارة مُفخخة في محيط مديرية أمن جنوب سيناء، ما أسفر عن مقتل شخصين، أحدهما شرطي، وإصابة 50 آخرين، وبثت فيديو ظهر فيه منفّذ العملية محمد حمدان، من قبيلة السواركة في سيناء، يقول إنه نفذها «في سبيل الله، وثأرا لمن قتلوا على أيدي الطغاة».
الظهور الخامس:
في 17 تشرين الثاني الفائت، اغتالت «بيت المقدس» رجل الشرطة في الأمن الوطني، المقدم محمد مبروك، مسؤول ملف «جماعة الإخوان» في جهاز الأمن الوطني، والشاهد الرئيسي في قضية التخابر المتّهم فيه الرئيس المعزول، محمد مرسي، وقضية هربه، و34 آخرين من أعضاء «الجماعة» المحظورة، من سجن وادي النطرون، خلال حوادث ثورة يناير 2011.
كمن منفّذو العملية للمقدم مبروك قرب منزله، وأطلقوا عليه كمية كبيرة من الرصاص، عثر منها على 14 رصاصة بجسده، 7 منها في رأسه.
وقال بيان «الجماعة» إن مجموعة تابعة لها اسمها «سرية المعتصم بالله» قتلته انتقاماً من دور المبروك في ملاحقة أعضاء «الجماعة».
الظهور السادس:
في 24 كانون الأول 2013 الفائت، استهدف تفجير مديرية أمن محافظة الدقهلية، في مدينة المنصورة، بسيارة مفخخة وقنبلة تفريغية أسفر عن استشهاد 14 وإصابة 200 شخص بجروح بين خطيرة وبسيطة، فضلاً عن انهيار جزء من مبنى المديرية والمسرح القومي التاريخي في المدينة التي تعرف بـ»عروس الدلتا»، ومقهى «أندريا»، ملتقى مثقفي المحافظة لأجيال متعاقبة. وعقب التفجير أعلنت الحكومة المصرية «جماعة الإخوان» تنظيماً إرهابياً، وفي مؤتمر رسمي، الخميس 2 كانون الثاني 2014، اتهم وزير الداخلية «الإخوان» بالتنسيق مع حركة حماس في غزة لتنفيذ العملية التي قضى فيها الانتحاري إمام مرعي محفوظ، وضمت مجموعة تنفيذها: توفيق محمد فريج زيادة، أحمد محمد سيد عبد العزيز السجيني الذي يعرف حركيا باسم «مصعب»، والمنجي سعد حسين مصطفى الزواوي. نجل قيادي «إخواني» ونسب إلى المجموعة عمليات سطو مسلح على محلات صاغة يملكها مواطنون مسيحيون، وعلى مكتب بريد مدينة بلقاس لتمويل انشطتها، ومنها هجمات على مراكز شرطة في محافظتي الدقهلية وكفر الشيخ.
الظهور السابع:
مع حلول عام 2014 وقبل انتهاء عام 2013، أعلنت «بيت المقدس» عبر حساب منسوب لها على موقع «تويتر» مسؤوليتها عن تفجير خط الغاز المشهور في سيناء، الذي توقف منذ أكثر من عام عن تصديره إلى «تل أبيب»، بعد إلغاء مصر اتفاقية تصديره إلى «إسرائيل»، وأصبح قاصراً على تصديره إلى لأردن، وتوفير جزء من احتياجات الداخل المصري منه.
حول العلاقة مع «الإخوان»
يؤكد عدد من الخبراء الأمنيين على وجود صلات عضوية وتداخل بين الجماعتين، «الإخوان» وبيت المقدس، ويتحفظ بعض آخر، خاصة مع صدور بيان منسوب إلى الجماعة في 27 كانون الأول 2013 بعد قرار الحكومة المصرية اعتبار جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية. ومن المهم ملاحظة التوقيت الذي تحدد فيه هويتها وتدعو المصريين إلى التبرؤ من «الإخوان» وحزب النور السلفي معاً، وتؤكد أنها لم تقم بعمليات ضد المصريين في عهد مبارك والمجلس العسكري والمعزول مرسي، مركزة بوصلتها على هدفها ضد «إسرائيل» والعدو الصهيوني في هذا العهد، حتى جاء إعلان عزل مرسي,
فقررت نصرة «إخوانهم» في مصر، خاصة بعد استخدام الجيش والشرطة العنف بحسب إدعاء «جماعة الإخوان المسلمين» وبيانها رداً في الرد على وزير الداخلية المصرية، دليلاً على أنهما غير مرتبطين بـ»الإخوان» والرئيس المعزول بدليل وصفه نظامه ونظام مبارك والنظام المصري السابق بالكافر! وبالعودة إلى تاريخ التنظيم في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي يلاحظ أنها لم تقم بغير عمليات خطف للجنود، والسيّاح، ولم تقم بعمليات بعد حادث رفح في 5 أب الذي أتاح لمرسي استغلاله في إقالة رئيس المجلس العسكري ورئيس الأركان حينذاك، ولم يتم القبض على منفذيه ليدخل التنظيم في بيات موسمي لم يخرج بقوة إلاّ بعد سقوط المعزول!
بغض النظر عن صحة هذا البيان من عدمه إلاّ أنه يجب التساؤل: هل بدأ القتل ضد المصريين هذا المنطق المرتبك في ظل تبرؤ أنصار جماعة «الإخوان» من التنظيم، رغم إشارة القيادي الإخواني محمد البلتاجي قبل اعتقاله أثناء اعتصام رابعة إلى ما يشبه الارتباط بين وقف العمليات الإرهابية في سيناء وعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم؟
من الملاحظات المهمة التي طرحها بعض الباحثين في الحركات الإسلامية والمتابعين للوضع في سيناء، لِمَ لم يهرب قيادات «الإخوان» إلى سيناء فهربوا داخل القاهرة لو كانت بينهم وبين أنصار بيت المقدس علاقة؟ ذاك ما نستبعده في ظل تصاعد الحضور الأمني والعسكري في سيناء بعد عزل مرسي والقضاء على المجموعات «الجهادية» الأكبر هناك، رغم وجود دور لحماس غزة ودخول بعضهم على الخط.
بعيداً عن تسريبات التسجيلات التي دارت بين أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، ومحمد مرسي، ونشرتها بعض الصحف المصرية، من المهم التأكيد على أن «القاعدة» لا تكفر «الإخوان»، وعدل الظواهري من كتابه «الحصاد المر لجماعة الإخوان المسلمين في سبعين عاماً» ليحذف ويعدل بعض اتهاماته لـ»الإخوان» ورموزها، وسبق أن دعى التنظيمات «الجهادية» في غزة إلى عدم إنهاك حماس، ولم يعلن العداء لمرسي ولم يكفره مكتفياً بالقول «إن العنف في سيناء سيتوقف فور عودة الرئيس الشرعي للحكم، وانتهاء الانقلاب». ويستشهد المحللون أيضاً بالعلاقة الخاصة لنائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر، شيوخ التكفير في سيناء واجتماعه معهم مرات، ودعوته إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بين غزة سيناء، والصور التي ضبطت لعدد من حراسه أثناء تدرّبهم في غزة أو عبورهم الأنفاق بين البلدين.
ويتوقفون أمام أبرز عمليات اغتيال ضباط الشرطة، طالت الشهيدين محمد المبروك، بطل عملية ضبط الشاطر، ومحمد أبو شقرة، المكلف بحراسة الشاطر أثناء سجنه في عهد حسني مبارك.
لا شك في أن العنف الانتحاري والتفجيري لأنصار بيت المقدس الذي انتقل من سيناء إلى داخل القاهرة والدقهلية وبعض المدن المصرية الأخرى، مع العنف الخطابي والصدامي لطلاب «الإخوان» يظهر محاولات إنهاك مجموعة الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو وعزل مرسي في 3 يوليو وفي مقدّمها الأجهزة الأمنية المصرية التي نجحت حتى الأن في تفكيك خلايا إرهابية إرتكبت الأعمال الإرهابية والخطيرة ونجحت أيضاً في إلقاء القبض على العديد من الخلايا الإرهابية النائمة والنشطة في جميع المحفظات المصرية، ولا تزال تلاحق وتحبط العيد من العمليات الإرهابية من مشتقات بزرة السوء التي أسماها الإنكليزي عن قصد «الإخوان المسلمين» وهذا موضوع آخر نأتي على تفاصيله لاحقاً.