هل ستحجم مصر عن التورّط في الفخّ اليمني؟

محمد شريف الجيوسي

يعتبر غزو اليمن أحدّ أشدّ المخاطر التي شهدتها المنطقة العربية بعد المؤامرة الدولية على سورية وامتدادها في عامها الرابع إلى العراق، وتشكيل التحالف الدولي بزعامة واشنطن بذريعة محاربة الإرهاب المتطرف، قبل أن يتضح أنها محاولة عبثية لعودة الاستعماريْن القديم والجديد إلى المنطقة .

يضم التحالف العسكري العربي العشْري الجديد بقيادة الرياض، دول الخليج الست، مع أنباء تتحدث عن رفض عمان التورط في هذا الحلف، بالإضافة إلى السودان والأردن والمغرب وباكستان. أما مصر، فهناك شكّ في إمكانية مشاركتها فعلياً في التحالف بحكم أوضاعها الداخلية المعقدة، حيث الإرهاب الإخواني يضرب في غير جانب، بالإضافة إلى أنّ التحولات الإخوانية في الجارة الجنوبية السودان، قد يجعل من حدودها الطويلة معها مصدراً إضافياً للإرهاب، وقد تصبح إعادة فتح ملف حلايب، المتنازع عليه بين البلدين، وسيلة لإشغال شارعيهما عن همومهما المعيشية والوطنية، ما يضاعف من أزماتهما.

ويأتي انشغال مصر، غير المؤكد، في التحالف الرجعي العربي، مغايراً، أو هكذا يفترض، لطموح قيادتها الصاعدة في نسج علاقات طيبة مع روسيا ومع حاجتها إلى الاقتراب من الخط القومي العربي ومحور المقاومة المستهدف من الإرهاب، والذي يخوض حرباً حقيقية ضدّه، وليس تحالف أميركا المخادع الذي يقدم للإرهاب كلّ عناصر الدعم والقوة.

وعليه، فإنّ انحياز مصر إلى التحالف العشْري بقيادة السعودية، هو انحياز ضدّ مصالحها في محاربة الإرهاب وضدّ التنسيق مع من يحاربونه، وهو انشغال عن عملية البناء الداخلية قناة السويس الجديدة ، وانشغال أيضاً عن مجابهة المخاطر الداخلية، وقد يغري هذا الانحياز أطرافاً داخلية وخارجية، في ظلّ هذا الانشغال، لتوجيه ضربات قاصمة، من جهات محسوبة على هذا التحالف، وقد تجدها أثيوبيا فرصة للاستقواء على حقوق مصر المائية.

قد تستشعر قوى قومية وناصرية ويسارية ووطنية القوى التي صوتت للتغيير ودعمت في أغلبها الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي مخاطر هذا التورط، فتثور فإما أن تسقط النظام الجديد، وإما أن تدخل مصر في حالة فوضى، على خلفيات متباينة حدّ التناقض، فتصبح الحالة المصرية مشابهة لحالة ليبيا، أو يتم إدخال مصر في حالة أسوا كما الصومال، وهو هدف أميركي أوروبي غربي صهيوني رجعي عربي، يريد منع مصر من استعادة دورها التاريخي، كما كانت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قبل أن تتحالف الدول الأوروبية الاستعمارية ضده وتسقط مشروعه.

إنّ مصلحة مصر الاستراتيجية تتركز في تكريس البناء الداخلي، وبناء أقوى صلات التعاون والتنسيق مع الدول التي تقاتل الإرهاب في سورية والعراق وليبيا واليمن، وليس التحالف مع دول تدعم الإرهاب وتزعم أنها تحاربه، بل مع دول تقدم دعماً نزيها لمحور المقاومة كروسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا ودول «بريكس» وبعض دول أميركا الجنوبية المتحرّرة من الهيمنة الأميركية، على اختلاف إمكاناتها في الدعم والمساندة .

لا شك في أنّ تشكيل التحالف الرجعي العربي يعكس وضعه المأزوم، جراء الهزائم التي تُمنى بها العصابات الإرهابية غالباً في سورية والعراق وليبيا واليمن، فهزيمة هذا التحالف مرجحة، لافتقاره إلى البيئات الحاضنة التي ضللت في بدايات ما يسمى الربيع العربي، ثم اختلف الحال مع اكتشاف حقيقة الثورات الملونة المخترقة، حتى الأعماق، من قبل أعداء الأمة ورجعييها .

إنّ الحالة اليمنية ليست كما يصورها الإعلام المعادي، بأنّ الحوثيين هم رأس حربة إيران في اليمن، فالحوثيون يشكلون نحو 32 في المئة من الشعب اليمني، وهم على تحالف مع معظم تشكيلات الجيش الوطني اليمني ومع أنصار علي عبد الله صالح، ومع قوى وأحزاب يمنية أخرى من بينها حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن، وهذه القوى مجتمعة تشكل غالبية الشعب اليمني، ويعني التقدم السريع لهذا التحالف، تمتعه ببيئة شعبية حاضنة كبيرة، كما أنّ التحالف اليمني الوطني العريض، يوضح زيف الادعاءات التي تحاول إضفاء صفة مذهبية جزئية ضيقة عليه .

بات اليمن خارج إطار التبعية للمعسكر الغربي أو يكاد، وهو يوشك على التحرّر من كونه الحديقة الخلفية للسعودية، بالتزامن مع هزائم الإرهاب في غير دولة عربية، فبات يقضّ مضجع البعض، وعليه كان لا بدّ من تشكيل التحالف الرجعي العربي، لإعادة اليمن إلى حظيرة التخلف والتبعية للخليج والغرب، واستخدم المال لتطويع وضمّ دول خارج الخليج، في حاجة إلى المال.

قد يكون من المفيد لمصر وغيرها، كالأردن، ملاحظة النصيحة التي قدمتها سلطنة عُمان لحكام السعودية بالتوقف، وكذلك بعض أمراء السعودية، معتبرة أنها استدرجت إلى فخّ أمريكي، كما استدرجت أميركا العراق إلى فخ الكويت، ثم استخدمت هذا الفخّ ضدّه على مدى 12 سنة، وجهت إليه خلالها أكثر من ضربة عسكرية، وقد فرضت على العراق منطقتي حظر جوي، ومنعته من تصدير نفطه، ثم استغلت هذا النفط أبشع استغلال بتخفيض سعر برميل النفط إلى 5 دولارات، واتبعت ذلك كله باحتلاله وتدمير بناه التحتية وجيشه وسرقة تراثه وآثاره، وزرع العداوات المذهبية والإثنية بين مكوناته .

أخال مصر أكبر من أن تُستدرج أو تتورط، أو أن تقاد من جهات دون مكانتها التاريخية ودورها وعظمة شعبها وإمكانتها، التي إن استخدمت جيداً، وتوقف الفساد الموروث عن عهود السادات ومبارك والعيّاط، لن تكون في حاجة إلى مساعدات خارجية وستتحرّر من هيمنة مؤسسات رؤوس الأموال العالمية التدميرية، التي لم تقدم إلى أي بلد سوى الخراب الاقتصادي.

يا مصر شدّي الحيل… ما زال الأمل كبيراً بأنّ يعطي الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكثر وأفضل وأن يكون أشدّ حنكة وأبعد نظراً وحيطة، وأخاله قادراً، فضلاً عن ضرورة اعتماده على شعبه المصري العظيم ، لا على التابعين للغرب، الذين سيجعلون منه، في أحسن الحالات، تابعاً لتابعي الغرب، فهؤلاء ليسوا قادرين على حمايته أكثر من شعبه، وما زالت فرصة المراجعة ممكنة ومتاحة، وقتها سيكون السيسي صفحة ناصعة في كتاب القادة العظام، على صعيد مصر والمنطقة وأفريقيا والعالم الإسلامي والعالم أجمع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى