مشاركة نيسان وبلادنا

عندما تتماثل الأشياء إلى حدّ التماهي، تسوء الرؤية أكثر، لتخفي الملامح الحقيقية. هذا ما آلت إليه الأحوال العربية، فقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية، على حدّ قول الشاعر الكبير نزار قباني، في هوامشه على دفتر النكسة، وقد صارت نكسات ونكبات… حتى إن كل ما يجري حولنا أسقط عليه ما أدّعي أنه حقّ، في حين أن المراد باطل، بل هو باطل ويجاهر به.

وباء القرن، أنزل في أرض المقدس سالباً، محتلاً، منكلاً منذ ما يقارب سبعة عقود، وإن كان اليهود يجهدون من 1616 في البحث والدعوة من بريطانيا، إلى إنشاء ما يسمّونه «وطناً لليهود»، كما أورد هنري فينش في كتابه «نداء اليهود»، وهم يدأبون ـ ولا يزالون ـ على تغيير الحقائق لإثبات زيفهم وادّعائهم. وقد تلاقى معهم، من تُطلق عليهم ألقاب الملوك والأمراء وبعض الرؤساء، فأوقعوا بلادنا في قهر وإذلال، في ظلّ ريائهم الفاضح وخبثهم ومكرهم.

والأشدّ طعناً في النفوس، أن هؤلاء يشقون على أن يظهروا، في صورة الحقوق والمصالح، ما ليس سوى مطامع الأعداء وجشعهم، مقابل دهاء خيانتهم، وحسن ولائهم لهم. إن الحقائق الدامغة واضحة، والواقع معروف لدى الكثيرين على ندرتهم.

غير أن ما يؤلم حقاً، أن تتجلبب الذئاب والثعالب بأردية الحملان، وأن يشقّ صوت المقهورين الغاضبين الآفاق وتُصمّ دونه الآذان. إن هو إلا مشهد آخر من مشاهد الاستبداد والعدوان والتفلّت من كل معاني الإيمان والإنسان، بل أكثر، لتصل بهم عربدتهم المدمّرة، كل مقوّمات الحياة إلى وضعهم ذلك تحت عنوان «إنقاذ اليمن» مثلاً، وقبله سورية، وقبلها…

زيف ما بعده زيف، يلفّ مجتمعاتنا وما نراه وما نسمعه، وكأنّ ذلك لا يكفي، حتى نبدو وكأننا في المدينة الفاضلة، فنعلّي للكذب راية بيضاء ونحتفي مقلّدين ما يعرف بـ«كذبة نيسان»، فيما الكذب لم يعد ذكرى، إنما صار واقعاً مألوفاً ودامغاً.

وبدلاً من أن نستقبل نيسان بما يعنيه باللاتينية من تفتّح، أزهاراً واخضراراً، نبادره بتفتّح الذهن لصوغ الأكاذيب، ثم تتواتر هذه العادة تقليداً مستورداً من الغرب، فرنسا 1565، اختلفت التفسيرات وتعدّدت الروايات في شأنه.

ومهما يكن في ذلك من دعابة، غير أنه يبقى كذباً، إذ كان الأجدى لو يقام للصدق يوم عالميّ! ما يهمنا أن يطيب نيسان عطراً في أجواء بلادنا المنكوبة، وزهراً يثمر نصراً وسلاماً منتظرين…

سحر عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى